دارت عجلة السياسة الإقليمية والدولية بسرعة بالغة خلال الأيام القليلة الماضية وبرزت محطات هامة ارتبطت بنشاط الدبلوماسية التركية في الانفتاح على أرمينيا وسورية واستمرار الجدل حول تقرير جولدستون وتداعياته على المصالحة الفلسطينية وحصول أوباما على جائزة نوبل للسلام. كانت الدبلوماسية التركية هي بطلة السياسة الإقليمية خلال الأسبوع الماضي باتفاقات هامة مع جارتي تركيا أرمينيا وسورية. وقعت تركيا بروتوكولين لتطبيع العلاقات والتعاون مع أرمينيا في خطوة إضافية لإنهاء حالة الشك التاريخي والتوتر الطويل بين الدولتين. ثم عقد المجلس الإستراتيجي التركي-السوري وتم توقيع اتفاق بين الدولتين لإلغاء تأشيرات الدخول لمواطنيهما وإزالة الحدود والحواجز الفاصلة بينهما. المبهر في الدبلوماسية التركية هو اتساقها مع مفهوم واضح للمصلحة القومية يعطي أولوية كبرى لتطوير علاقات صداقة وتعاون مع الجيران وحتى وإن لم يعجب ذلك بعض حلفاء تركيا الأقوياء. فالولاياتالمتحدة التي رعت الاتفاق التركي-الأرميني وتوسطت من خلال الوزيرة كلينتون لإتمامه، تنظر بعين القلق إلى التقارب التركي-السوري خاصة وهو يتم من جهة في ظل تأزم في العلاقات بين تركيا العضو في حلف الأطلسي وإسرائيل ومن جهة أخرى في لحظة تتميز بانفتاح تركي على طهران. والحقيقة أن مثل هذه القدرة على الاختلاف مع حليف قوي كالولاياتالمتحدة دفاعا عن المصلحة القومية وفي سبيل دور إقليمي أكثر فاعلية لتركيا ودون أن يرتب ذلك تدهورا حادا في العلاقة مع واشنطن قد أظهرتها حكومة رجب طيب أردوغان أكثر من مرة خلال الأعوام القليلة الماضية أو دفعت إليها بضغط من البرلمان والرأي العام في تركيا. فعلى سبيل المثال، اضطرت حكومة أردوغان في 2003 لرفض الموافقة على مرور القوات الأمريكية الغازية للعراق أو خطوط إمداداتها الأراضي التركية بعد تصويت البرلمان ضد تقديم أية مساعدة للأمريكيين وما سمي بالتحالف الدولي لتحرير العراق. كما عاد أردوغان أخيرا ورفض قبل أيام بتأييد من البرلمان وقطاع واسع في الرأي العام مشاركة إسرائيل في مناورات جوية يجريها حلف الأطلسي في الأجواء التركية وهو ما نتج عنه تأجيل المناورات هذه إلى أجل غير مسمى. والأمر الذي لا شك فيه، وهنا على القراء المقارنة بين فاعلية الدبلوماسية التركية ومحدودية الدبلوماسيات العربية على تنوع وجهاتها، هو أن وضوح مفهوم المصلحة القومية لدى حكومة أردوغان واتساق فعلها الخارجي مع مضامينه يرتبطان بكونها منتخبة ديمقراطيا وتملك بالتبعية القدرة على أن تقيم وتعدل وتغير من وجهة دبلوماسيتها بجراءة وثقة المطمئن لشرعية الرضاء الشعبي. في مقابل هذا المشهد الإيجابي القادم من تركيا، استمر الجدل الرديء في عالمنا العربي حول تقرير جولدستون وتداعيات تأجيل مناقشته في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على المصالحة بين فتح وحماس التي ترعاها مصر. السلطة الفلسطينية، وبعد أن تورطت إرضاء لإدارة أوباما وخوفا من حكومة اليمين الإسرائيلية في سحب التقرير من أمام مجلس حقوق الإنسان وطلب تأجيل مناقشته إلى نهاية العام الحالي متنازلة عن حق الفلسطينيين في كشف جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، عادت فيما يشبه المسرحية الهزلية وتحمست لطرح تقرير جولدستون على مجلس الأمن الدولي (استنادا إلى طلب من ليبيا، العضو غير الدائم) وهي على يقين كامل من كون الولاياتالمتحدة وربما غيرها من الدول دائمة العضوية ستستخدم حق النقض (الفيتو) للحيلولة دون مناقشة المجلس للتقرير. أما حركة حماس، ومع أنها على حق في الهجوم على السلطة والرئيس محمود عباس لتنازلهما المخزي عن حق الشعب الفلسطيني في مساءلة حكومة وجيش إسرائيل عن ما ارتكب في غزة، فصمتت تماما عن الشق الوارد في تقرير جولدستون والمتعلق بما ارتكبته هي من جرائم ضد المدنيين الفلسطينيين أثناء الحرب وكأنه لا يعنيها – وكنت قد انتقدت ممارسات حماس أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة وتعرضت لهجوم واسع من أولئك الذين يرون في الحركة ما يشبه الهيئة الملائكية المقدسة التي أبدا لا تخطئ، وسيست من حملتها على السلطة بترددها في الموافقة على اتفاق المصالحة الذي أنتجته مفاوضات شاقة وطويلة برعاية الوسيط المصري. والمؤسف هو أن الطرفين، السلطة وحماس، يساومون خدمة لمصالح ضيقة ولأجندات دولية وإقليمية يتبعونها على حق الشعب الفلسطيني في كشف جرائم حرب ارتكبت ضد أفراده وفي توحيد الصف الوطني لضبط البوصلة الإستراتيجية للفعل الفلسطيني إزاء حكومة اليمين الإسرائيلية المتعنتة. دوليا، مازلت مندهشا من منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام وأرى بإيجاز أنه لا يستحقها. كتب الكثير عن الأمر في الصحافة الأمريكية والعالمية وتراوحت التفسيرات بين تقرير بأن الجائزة هي في الجوهر ضد الرئيس السابق بوش وبمثابة مكافأة من الأوربيين على ابتعاد أوباما عن سياسات سلفه وبين تشديد على أن نوبل أوباما منحت بنظرة مستقبلية لتشجيعه على إدخال التغيرات في السياسة الدولية التي أعلن عزمه على القيام بها. على الرغم من ذلك، يبقى منح أوباما نوبل بعد أقل من عام في البيت الأبيض والقوات الأمريكية مازالت في العراق وأفغانستان، بل ومرشحة أعدادها للزيادة في الأخيرة، سقطة جديدة في سجل اللجنة المانحة للجائزة. ارتبطت السقطات السابقة، على سبيل المثال، بمنح وزير خارجية الولاياتالمتحدة الأسبق هنري كيسنجر في 1973 الجائزة لتحقيق السلام في فيتنام مع أن الأعمال العسكرية للأمريكيين استمرت هناك حتى سقوط نظام سايجون المؤيد أمريكيا في 1975، وكذلك بمنحها لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجين مناصفة مع الرئيس الراحل أنور السادات على السلام المصري الإسرائيلي في 1978 مع أن بيجين نوبل كان المسئول الأول عن الغزو الإسرائيلي الوحشي للبنان في 1982 وبه ارتكب من جرائم الحرب ضد المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين الكثير. أما أوباما فهو، ومع قناعتي بأنه يريد تغيير السياسة الخارجية الأمريكية ويرغب في تسوية الصراعات والنزاعات المتورطة بها الولاياتالمتحدة سلميا، مازال رئيس حرب له قوات ضالعة في مواجهات عسكرية يومية في أفغانستان وأخرى لم تنسحب بعد من العراق ورغبته التغيرية لم تختبر بعد بجدية. لم تغب السياسة أبدا عن جائزة نوبل للسلام ودوما ما لعبت انحيازات الرأي العام الغربي عامة والأوروبي خاصة، وهو إلى اليوم مازال على انبهاره بأوباما، دورا رئيسا في تحديد هوية الفائز بها. إلا أن حصول أوباما عليها يتجاوز هذه الاعتبارات إلى منح الجائزة باعتبار ما يتمنى الغرب الأوروبي أن يكون عليه فعل أوباما وسلوكه في السياسة الخارجية المغاير لسلفه بوش مشعل الحروب ودون أية معايير موضوعية للتأكد من قدرته النجاح في مهمته.