زيادة في حالة الارباك التي تعيشها شعوب العالم، وربما مكافأة له علي الاستمرار في سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها الادارة الأمريكية، قررت لجنة جائزة نوبل منحها للرئيس الأمريكي باراك أوباما. اوباما لم يقض في الحكم سوي ثمانية أشهر ويأمل أن يستمر لثمانية أعوام.. ولكنه في الحقيقة لم يفعل شيئا ملحوظا يستحق عليه جائزة نوبل للسلام ، فالحرب لا تزال مفتوحة في كل من العراق وأفغانستان والتوتر قائم مع إيران، وسراب تحقيق سلام في الشرق الأوسط الذي وعد به أوباما يتبخر مع استمرار تعنت اسرائيل واتجاه أوباما للتراجع أمام الضغوط الإسرائيلية. لماذا اذن حصل أوباما علي جائزة رفيعة مخصصة لانجاز الأعمال المرموقة لخدمة السلام العالمي بينما لم ينجز شيئا بعد؟ هل منحه تلك الجائزة مكافأة له عن تراجعه عن الضغط علي اسرائيل وتشجيعه علي عدم العودة الي ذلك مرة أخري؟ ان الأمر محير ويثير المزيد من الارتباك في فهم حقيقة مايجري في العالم من حولنا. لجنة نوبل قالت بوضوح إنها منحته الجائزة بسبب "جهوده غير العادية لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب"، بمايعني أنها تكافيء نواياه ورؤيته للعالم أكثر من مكافأتها لإنجازات حقيقية قام بها. في محاولة للفهم ربما يكون من المفيد استعراض بعض المشاكل التي يواجهها أوباما، ونواياه في التعامل معها وفرص نجاحه في حلها . عبر أوباما مرارا عن رغبته في رؤية عالم خال من الأسلحة النووية، ويريد من مجلس الشيوخ الأمريكي أن يقر معاهدة منع التجارب النووية، ويأمل في التوصل الي اتفاقية مع روسيا في شهر ديسمبرالمقبل لتخفيض عدد الرءوس النووية المنتشرة الآن ، ولكن حتي لو اكتفي الطرفان بالمئات من تلك الرءوس بدلا من الآلاف فلن يكون عالمنا خاليا من الرءوس النووية، وطالما امتلكها الآخرون فستمتلكها الولاياتالمتحدة. في موضوع التغيرات المناخية العالمية التي تهدد الحياة الانسانية علي الأرض بسبب الغازات المنبعثة من الصناعة، غير الرئيس أوباما النظرة العدائية التي كان يتبناها الرئيس السابق بوش، ولكن تحقيق رؤية أوباما الأكثر مرونة في هذا الموضوع يتوقف علي موقف الكونجرس. والكونجرس يحرص علي مصالح الاحتكارات الصناعية الكبري . اهتمام أوباما في خطبه وأحاديثه بحقوق الإنسان هو أيضا من السمات الواضحة عنده ، لجنة منح الجائزة لم تشر مباشرة الي الموضوع، ولكن اقتراح أوباما بإغلاق معسكر جوانتانامو وإنهاء استخدام الأجهزة الأمنية الأمريكية للإرهاب في التعامل مع الموقوفين قد تكون أخذت بعين الاعتبار. لكن ماذا عن حقوق الانسان الفلسطيني التي أهدرتها اسرائيل ، لا أحد يتذكر ضغوط الولاياتالمتحدة لارجاء مناقشة تقرير جولدستون المحقق الأممي الذي كشف جانبا يسيرا من فظائع الغزو الاسرائيلي لقطاع غزة ، والوجه البشع لمجرمي الحرب الاسرائيليين وغيرهم. أما عملية التفاوض مع إيران حول البرنامج النووي المثير للجدل فقد بدأت منذ أن مد أوباما يده لإيران يقترح تغيير لغة الخطاب المتبادل لتكون الحوار بدلا من التهديد، ولكن لا أحد يستطيع أن يخمن إلي أي مدي سيذهب الطرفان في الموضوع. وهناك احتمال وقوع النزاع بين إسرائيل وإيران مباشرة رغم محاولات اوباما للخروج من مأزق المواجهة الي بر التفاهم. أفغانستان هي الأخري تمثل أكثر المشاكل التي تواجه الرئيس أوباما تعقيدا، فهو يواجه بطلبات لزيادة القوات العاملة هناك، مما يعني استمرار الحرب. وقد أشار هو مؤخرا الي أن القوات الأمريكية باقية في أفغانستان لوقت طويل في اشارة الي الميل الي الاستجابة لزيادة في القات بنحو 40 ألف جندي اضافي. ربما تري لجنة نوبل أن استمرار الحرب في أفغانستان لمصلحة السلم العالمي وهذه وجهة نظر قابلة للمناقشة شأنها في ذلك شأن الجدل الدائر حول أهمية بقاء قوات أمريكية في العراق بعد الموعد النهائي لانسحابها في العام المقبل. في رد فعل أولي قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان فوز اوباما بالجائزة يؤشر الي "عودة امريكا الي قلوب الشعوب في العالم (!!!!)، ان لجنة نوبل "اثنت علي التزامه بحقوق الانسان والعدل والسعي نحو السلام في العالم، كما تصورها مؤسس الجائزة"، وهو تعليق لا تعرف اذا كان جدا أم هزلا. بينما استغربت صحف امريكية رئيسية منح اوباما الجائزة، قالت صحيفة وول ستريت في افتتاحيتها : "ليس واضحا لماذا.. هل من اجل عقد سلام من نوع ما مع هيلاري كلينتون، أو التخلي عن الدرع الصاروخية الذي رحب بها الإيرانيون، او من اجل الاستعداد لزيادة القوات والسلاح في افغانستان". واضافت الصحيفة ان اختيار اوباما للجائزة تجاهل تماما المبدأ التقليدي في التقييم والمتمثل في عمل الشيء ثم الحصول علي التقدير لاحقا. الفائز بالجائزة العام الماضي، رئيس الوزراء الفنلندي السابق مارتي اهتيساري قال: "لم نلمس حتي الآن سلاما في الشرق الاوسط، وصار واضحا، هذه المرة ارادوا (مانحو الجائزة) تشجيع اوباما للتحرك في مثل هذه القضايا". واضاف انه من "الواضح انها تشجيع لدفعه الي القيام بشيء حول هذا الامر". المشكلات التي تواجه أوباما وكيفية تعامله معها، حتي الآن، لا تبرر حصوله علي الجائزة ، ولكن اذا أخذنا موضوع النوايا في الاعتبار فربما تكون الجائزة مجرد دفعة مقدمة لتشجيع سيادته علي المضي قدما في العمل علي تحويل نواياه الي شيء عملي ملموس، وربما تكون تلك الدفعة المقدمة دافعا لسيادته للتخلي عن بعض أحلامه أو نواياه مثل نية سيادته في الضغط علي اسرائيل للموافقة علي احترام الشرعية الدولية، وانهاء احتلالها لأرض الفلسطينيين.