تحل اليوم الأحد 30 نوفمبر ذكرى رحيل الكاتبة والروائية الكبيرة رضوى عاشور، التي وُلدت في 26 مايو عام 1946، ورحلت في 30 نوفمبر عام 2014. رضوى عاشور إحدى أبرز الأصوات الأدبية في مصر والعالم العربي، تركت أثرًا واسعًا على الأدب النسوي والكتابة العربية الحديثة، وكانت صوتًا منحازًا للإنسان وللقضايا العادلة، وفي القلب منها القضية الفلسطينية. «الطنطورية».. مأساة النكبة الإنسانية صدرت رواية «الطنطورية» عام 2010 عن دار الشروق، وأصبحت واحدة من أهم الأعمال العربية التي تناولت القضية الفلسطينية من زاوية إنسانية مفصلة ودقيقة، دون الإغراق في القوالب، بل بروح إبداعية تُحوّل المأساة إلى عمل أدبي فريد. حكاية عائلة.. وحكاية وطن تقدم الرواية سيرة عائلة فلسطينية من قرية الطنطورة التي شهدت المذبحة الشهيرة عام 1948، وتتابع مصائر أفرادها من 1947 حتى عام 2000، عبر محطات اللجوء في لبنان والإمارات ومصر. وتُحكى الأحداث على لسان شخصية رُقية الطنطورية، منذ صباها وحتى شيخوختها، وتكتب شهادتها بتفاصيل شخصية مكثفة، تمزج بين الألم والحنين والقدرة على البقاء. ويمتد السرد ليشمل وقائع تاريخية وعمليات توثيق لمرحلة بالغة الحساسية من تاريخ فلسطين: النكبة، المجازر، الحرب الأهلية في لبنان، والاجتياح الإسرائيلي، ومصير الوثائق الفلسطينية التي ضاعت أو أُتلفت، في مزيج يجعل الرواية شهادة حيّة بقدر ما هي عمل أدبي متكامل. رواية إنسانية تأريخية وتقدم «الطنطورية» صورة واسعة ومركبة لفلسطين قبل النكبة وبعدها، وللقرى التي مُسحت من الوجود، وللحياة التي استمرت رغم الخراب. وتستعيد اللغة الفلسطينية بلهجاتها وأغانيها وأهازيجها، وتُظهر الزراعة والبيوت والطقوس اليومية، لتعيد للقارئ ملامح عالم كامل كان قائمًا ثم تكسّر على وقع التطهير العرقي والتهجير القسري. القوة الحقيقية في الرواية تكمن في قدرتها على أن تكون مرجعًا إنسانيًا وتاريخيًا معًا؛ فهي لا تسجل الحدث فقط، بل تجعله يُرى ويُحس ويُعاش عبر عين امرأة فلسطينية تحمل ذاكرتها وتحولها إلى سرد نجاة. انتصار السرد لا تروي رضوى عاشور سيرة رقية فقط، بل تقدم من خلالها كشفًا أعمق عن معنى الوطن، ومعنى خسارته، ومعنى أن تستعيده بالكلمات. الرواية تمثل انتصارًا للسرد في مواجهة النسيان، وتمنح القارئ معرفة بما جرى، ومعرفة بما زال يجري، لأن إدراك الحقيقة، مهما كانت موجعة، هو الخطوة الأولى نحو القوة والفهم والقدرة على الفعل. إرث لا يرحل وتبقى «الطنطورية» واحدة من أكثر روايات رضوى حضورًا وتأثيرًا، ليس فقط لبلاغتها الفنية، بل لأنها تعيد إحياء ذاكرة جماعية وتمنحها صوتًا شخصيًا صادقًا. ورحلت رضوى عاشور بجسدها بعد صراع طويل مع مرض السرطان اللعين، لكنها خلّدت نفسها بكلماتها التي ما زالت تصنع أثرًا، وتكتب جزءًا من التاريخ الذي لا يجب أن يُنسى، وأهمه تاريخ وطن يُسمّى فلسطين، وشعب له حقوق في الوجود وتقرير المصير، وهو الشعب الفلسطيني المقاوم.