نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، يحذر فيه من فشل المناهج العربية التقليدية فى تنمية الخيال والقدرة على الابتكار. ويؤكد أن غياب التربية الاستقصائية يعيق البحث العلمى والإبداع، محذرا من الاكتفاء بالاستهلاك التكنولوجى، داعيا إلى تعليم يحفز الاستقصاء ويطلق العقول لتصبح منتجة ومبدعة.. نعرض من المقال ما يلى: قلتُ للقلم: من أين تأتى بهذه الأسماء، التى لا نعرف لها مسمّيات، أخشى أن تكون مسمّمات؟ ألا تدرى أن الأشياء التربوية التى يلوكها الناس منذ أكثر من قرن، لا تُؤتى أكُلها، وكأنها حبوب الحنطة التى تحتال بها الإمبراطورية، على البلدان النامية، التى لا نموّ لها ولا تنمية؟ قال: أما وقد احتدمتَ وهجمتَ، فلأفرغنّ الجعبة، وأحسم اللعبة. اعلم أن المآخذ العصرية على المناهج العربية كثيرة، لكن الأهمّ هو معرفة آثارها السلبية فى زماننا بالذات. يقينا، لا يسرّ واضعى المواد الدراسية، أن تقول لهم: أنتم تحرثون وتبذرون فى وادٍ غير ذى زرع، فالتربة عديمة الخصوبة. عليكم بانتهاج هذا المقترح، الذى لم تسمعوا به: التربية الاستقصائية وتنمية الاستقصاء. أنتم تعرفون الصحافة الاستقصائية، أمّا هذا النوع من التربية فلا. خذوا هذه الزبدة: أيّ مناهج لا تنمّى الخيال، ولا تساعده على نشر جناحيه، فمصيرها الإخفاق والإملاق. بتعبير حافظ الشيرازي: «انشر جناحيك، واصدح من على شجرة الطوبى.. حيفٌ أن يكون طائر مثلك أسير قفص». ألم يقل أينشتاين: إن الخيال أهم من المعرفة؟! من التجارب الذهنية، أن تختبر الأفكار فى غير مجالاتها. مثلا: لعل فى مقدمة محللى سيمفونيات بيتهوفن التسع، المؤلف الموسيقى الفرنسى هكتور برليوز. قال عن السيمفونيتين الأولى والثانية: «إنهما تفتقران إلى الأفكار». ماذا تدرك حين تستعرض ميادين الحياة العامة فى التنميات المتعثرة؟ إنها تنقصها الأفكار والخيال. لماذا؟ لأن المناهج تأخذ الطيور، تقصقص ريشها، وتضعها فى أقفاص. عملية تدجين بحشو الأدمغة عبر مراحل التعليم، حتى التخرّج، وفى الحياة العامّة وسوق العمل، أنماط أخرى. حريات الفكر والرأى والتعبير، أوكسجين الابتكار والإبداع. تأمّل كيف أن البحث العلمى فى العالم العربي، لا يزال فى المرحلة الجنينية، لكن، ليطمئن قلبك، فقد بدأت الخلية الأولى فى التقاسم، ببطء قطعا، والتطوير عربيا: «مَرار وعذاب.. واليوم بسنة». نخلص إلى النتائج التى يبدأ منها التغيير الشامل. لقد أدّى غياب التربية الاستقصائية وتنمية الاستقصاء، إلى ثقوب سوداء علمية ومعرفية. جلّ البلدان العربية لا يجتذبها أكبر كبير، أى الكون، عبر الفيزياء الفلكية، ولا أصغر صغير، جُسَيْمات ما دون الذرّة، عبر فيزياء الكمّ. لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: على المناهج ألَّا تدع الأجيال تكتفى بمكتسبات العلوم والتكنولوجيا، الاستهلاكية. الكارثة أن تخدمك التكنولوجيا إلى حدّ سلب وظائفك وشلّ قدراتك ومواهبك.