نشرت جريدة القبس الكويتية مقالًا للكاتب أحمد الصراف، تناول فيه ظاهرة الحياد السويسرى التاريخى والدائم، مؤكدًا أن هذا الحياد هو سر «هدوء» سويسرا النسبى وقلة أخبارها (تطبيقًا للمثل No news, Good news)، وفى نفس الوقت يشير الصراف إلى أن هذا الحياد لم يكن بريئًا تمامًا، بل خدم مصالح القوى الكبرى والأفراد الأثرياء، ما جعل سويسرا «الملاذ الآمن» و«مغارة على بابا» لثروات العالم.. نعرض من المقال ما يلى: يقول المثل الإنجليزى: No news, Good news أى: لا أخبار سيئة.. إن غابت الأخبار. فعندما لا نسمع عن البعض، من أقارب وأحبة، لفترة طويلة، فهذا يعنى غالبًا أن أمورهم طيبة، ولو كانت هناك أحداث مقلقة أو وفيات لسمعنا بها. ينطبق هذا المثل على دول عدة، التى نادرًا ما نسمع عنها شيئًا، وقد تكون سويسرا أشهرها، بالرغم من أنها تقع فى قلب أوروبا، مركز فوران الأحداث، منذ القرون الوسطى، ومع هذا حوادثها قليلة وكوارثها نادرة، ولا تشكو من اضطرابات عمالية أو سياسية، ولم تعتد شوارعها على التظاهرات، ولا يعرف العالم أو يكترث لانتخاباتها، ولا أحزابها أو من هو رئيسها ومحرك سياساتها، وهى بالتالى الدولة الأكثر غموضًا فى العالم. من أغرب الأمور التاريخية عن سويسرا ما ارتبط بحيادها الذى بدأ منذ معركة «مارينيانو» فى سبتمبر 1515، حين تعرض الاتحاد السويسرى القديم لهزيمة، تبعها توقيع معاهدة سلام مع فرنسا فى نوفمبر 1516، مشكلة بذلك بداية التزام الحياد. اعترف العالم رسميًا بحياد سويسرا فى مؤتمر فيينا عام 1815، حيث أكدت القوى العظمى الحياد الدائم لسويسرا وأقرته سياستها الرسمية، وهو أول اعتراف بالحياد من نوعه على مستوى أوروبا. كذلك، اعترفت عصبة الأمم، وكان مقرها فى جنيف، بالحياد السويسرى رسميًا فى عام 1920. يتميز الحياد السويسرى، مقارنة بحياد دول أخرى مثل النمسا (1955) وفنلندا، وأيرلندا (1922)، وليختنشتاين (1868) والسويد (1834)، ومالطا، وكوستاريكا (1949)، بدعم اتفاقيات دولية ثلاث، والسبب لأنهم اعتبروها خزان ثروات الأمم، والملاذ الآمن لثروات كبار أباطرة المال والسياسيين وحتى كبار رجال العصابات، وهو حياد له خصوصية، بخلاف اعتماده على ضمانات من قوى كبرى. كما أن حيادها ثقافة وطنية تقوم على التسلح الدفاعى والوحدة الوطنية. تبقى سويسرا، بالنسبة للكثيرين، مثل مغارة على بابا! لما اشتهرت به من جديّة، وقسوة، أحيانا، فى تطبيق الأمن، إضافة لقوة استخباراتها، المسئولة عن حماية والتغطية على كل مصادر أموالها، غير المعروفة. كما الاعتراف بحيادية سويسرا لم يكن بريئًا، فلم يكن يتخيّل أى ممن حضروا اتفاقيات حياديتها، مرامى وأهداف ذلك الطلب، إلا عندما توالت الحروب الكبيرة فى أوروبا، وتجمعت كل أو أغلبية السرقات من تحف وأعمال فنية وذهب وأموال، ومستندات مهمّة وخطيرة، فى صناديق المصارف السويسرية، العميقة تحت الأرض! يعود الفضل لجعل سويسرا دولة محايدة فى العصر الحديث، لعدة شخصيات، وعلى مدى عدة مراحل وأحداث مهمة. ففى العصر الحديث، كان لمؤتمر فيينا عام 1815 دور حاسم فى تثبيت حيادها، حيث فرضت القوى الأوروبية الكبرى الحياد على سويسرا كجزء من الترتيبات الدولية بعد حروب نابليون، لضمان عزل فرنسا وخلق توازن قوى فى أوروبا. كما أسهمت الحربان العالميتان الأولى والثانية فى ترسيخ سياسة الحياد المسلح التى تبنتها سويسرا، حيث جندت نصف مليون جندى للدفاع عن حيادها، مما أكد استعدادها للدفاع عن نفسها ضد أى اعتداء. إلى جانب ذلك، لعبت المنظمات الدولية التى استقرت فى سويسرا، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعصبة الأمم دورًا فى ترسيخ مكانة الحياد السويسرى فى العالم. وبالتالى، فإن الحياد السويسرى هو نتيجة توازنات سياسية دولية ودور قوى لدبلوماسيين سويسريين وشخصيات قيادية محلية عبر قرون من التاريخ الحديث، ويُقال إن لعدة أسر ثرية، ك«روثشايلد» دورًا فى ترسيخ هذا الحياد، حفاظًا على ثرواتهم. وهكذا أجمع أصدقاء وأعداء سويسرا على اعتبارها الملاذ الآمن لثرواتهم.. أو بالأحرى لسرقات الكثيرين منهم!