يجب ألّا يختلط الأمر على أحد: لا يوجد أى تقدّم حقيقى على جميع الساحات فى المستقبل المنظور. لقد انتهت الحرب بانتصار إسرائيلى واضح بالنقاط، لكن لم تُسقط أى جبهة خصمها أرضا، وحسبما تبدو الأمور الآن، لا يُتوقع أن يطرأ تحسُّن على النتيجة، وفق الاتجاهات السائدة. بالنسبة إلى قطاع غزة، فاحتمال تنفيذ مخطط الرئيس ترامب الطموح - ثمرة الخيال الإبداعى لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير- منخفض جدا. لا يوجد أى نجاح فى تجنيد دول ترسل جنودا للمساهمة فى «قوة حفظ الاستقرار» الدولية، ولا فى التوضيح أن الغاية ليست الاشتباك العسكرى مع بقايا قوات «حماس»؛ فالإمارات، التى كانت الأكثر حماسةً لتنفيذ هذه المهمة، تراجعت الآن، ويقول أحد دبلوماسييها البارزين، أنور قرقاش، علنا، إنهم لن يرسلوا قوة مسلحة إلى القطاع؛ هذا أيضا موقف ملك الأردن عبدالله الثانى، ويجوز الشك فى أن المصريين سيُبدون حماسةً لتحمُّل مهمة كهذه، فضلا عن السعودية. ومن خلال محادثات مع مسئولين رفيعى المستوى فى الحكومة الإندونيسية، تبين لى فى الأيام الأخيرة أنهم أيضاً غير متحمسين لتنفيذ وعد الرئيس برابوو بالمساهمة بعشرين ألف جندى للإشراف على وقف إطلاق النار فى القطاع؛ الأتراك يريدون المجىء، وكذلك الباكستانيون، لكن لن توافق على ذلك سوى حكومة مصابة بعمى الألوان فى القدس. والخلاصة هى أن مخطط ترامب بشأن غزة ينتمى، حاليا، إلى فضاءات «ديزنى لاند»، ولا يستند إلى أى واقع؛ «حماس» ترفض التخلى عن سلاحها؛ وأبو مازن يريد تحمُّل المسئولية عن القطاع، لكنه غير قادر على فعل شىء هناك؛ والأمريكيون يريدون الإشراف من بعيد؛ لذلك، لا توجد فى هذه المرحلة قدرة على ترجمة شعار «اليوم التالى» إلى مسار جدى. بالنسبة إلى الساحة اللبنانية، يقترح رئيس أركان الجيش اللبنانى الجديد، الجنرال رودولف هيكل، الذى عُيِّن فقط لأنه نال ختم القبول من حزب الله، أن يتوقف جنوده، ولو بشكل غير علنى، عن العمل ضد بنى حزب الله التحتية جنوبى الليطانى، ومن المفترض أن ينهوا هذه المهمة خلال شهرين. وهذه ليست سوى إشارة إضافية إلى عدم رغبة الجيش اللبنانى، الذى يستفيد من دعم أمريكى سخى، فى الانجرار إلى مواجهة مسلحة مع الوحدات التى يحاول حزب الله إعادة ترميمها فى المنطقة. ومن باب أولى، فإن الجنرال هيكل لا يُحسن استخدام قدراته شمالى النهر، أو فى أعالى سهل البقاع، حيث كان يحتفظ دائما بمعظم القوة الصاروخية للحزب. وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية اللبنانية الجنرال جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام يعِدان الأمريكيين بالعمل على نزع سلاح حزب الله، فإن المبعوث الأمريكى الخاص بشأن هذا الملف توم برّاك بدأ بالتعبير بشكل علنى عن خيبة أمله بالحكومة العاجزة التى قامت فى بيروت بدفع من الولاياتالمتحدة. وهذا يعنى أن توقُّع التفكيك التدريجى لسلاح حزب الله، أو على الأقل، نزع سلاحه الثقيل، لا يتحقق، ومن الصعب رؤية كيف سيتحقق لاحقا. لذلك، ستستمر المناوشات بين المسيّرات التابعة لسلاح الجو الإسرائيلى وبين العناصر العسكريين فى حزب الله؛ أمّا الاتفاق الأمنى بين الدولتين، الذى بدا ممكنا إلى وقت قريب، فيبتعد أكثر فأكثر. وعلى الساحة السورية، كلما مرّ الوقت، تضاءلت استعدادات الرئيس الشرع لتوقيع اتفاق أمنى مع إسرائيل يقود إلى حالة من عدم حرب، ففى الآونة الأخيرة، بدأ بوضع العراقيل بشأن وجود الجيش الإسرائيلى ما وراء خطوط اتفاق فصل القوات، وكذلك فى قمة جبل الشيخ، وبشأن علاقة إسرائيل بجبل الدروز، ويميل الآن إلى منح نفسه ذريعة، مفادها بأن مستقبل الجولان يجب أن يكون على طاولة المفاوضات، ويضيف أنه لا يستطيع الموافقة على نزع السلاح فى جنوبسوريا، من دمشق وما دونها، حسبما تطالب إسرائيل، وبالتالى، فإن الحديث عن انضمام سوريا إلى اتفاقات أبراهام لا يستند إلى أى أساس، ولن يتحقق سوى بضغط أمريكى استثنائى. ومن دون الخوض فى التفاصيل، نذكر أن الضغط الأمريكى فى العراق من أجل نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران لم يسفر، حتى الآن، سوى عن ضبط سلوكها، وسعى منها لتجنُّب استفزاز إسرائيل، لا أكثر. وكذلك فى اليمن، حيث أعلن الحوثيون وقف الهجمات الصاروخية ضد السفن، وكانت الخسائر التى تكبّدوها أكبر كثيرا مما كان معروفا، لكنهم يحرصون على التأكيد أن تهديدهم لم يُرفع. وأخيرا، تركز «حماس» وإيران جهودهما الآن على إشعال الضفة الغربية. فبالنسبة إليهما، هذا هو منفذ الهروب، وعلينا عدم السماح ل«مخرّبى التلال» بدفع سكانٍ يفضلون، فى معظمهم، الابتعاد عن انتفاضة جديدة، إلى داخل دائرة النار. إيهود ياعرى قناة N12 مؤسسة الدراسات الفلسطينية