اعتقد العدو الإسرائيلى، بسذاجة وغطرسة، أن النكسة قتلت الروح القتالية لدى الجيش المصرى وأنهم يمكنهم العربدة برًا وبحرًا وجوًا دون أى مقاومة من جانبنا، وهو بالطبع عكس الواقع تماما، فالذى حدث فى السنين التالية للنكسة أن القوات المسلحة ركزت على عمليات التدريب والمناورات وتطوير التسليح ودراسة أدق تفاصيل الجبهة وإمكانيات العدو استعدادا للانتقام واسترجاع الأرض بإذن الله تعالى، وتوجيه هجمات وعمليات مستديمة ضد مواقع العدو. تضاعفت الروح القتالية آلاف المرات لدى رجال الجيش المصرى، والآتى يعد نبذة عن بعض العمليات التى قامت بها القوات المسلحة خلال سنوات الاستنزاف والصمود والتى تؤكد أن الجيش المصرى لم يستسلم قط لظروف نكسة يونيو1967. • • • أربعون يومًا بعد بدء الاعتداء على الأراضى المصرية، تحديدا عصر يوم 15 يوليو 1967 قامت قواتنا الجوية من طائرات الميج والسوخوى بهجوم انتقامى على معظم مواقع العدو المتمركزة شرق القناة أمام السويس، والإسماعيلية، والقنطرة، وكبريت، وبور فؤاد وذلك ردا على الهجمات الجوية رغم وقف إطلاق النار التى نفذها العدو، صباح نفس اليوم، على الإسماعيلية وشمالها وكوبرى الفردان والقنطرة، وأسفر الهجوم المصرى عن إسقاط ست طائرات للعدو وتدمير كتيبة مدرعات، وكتيبة صواريخ، وكتيبة مدفعية، وعدة مركبات أخرى ما دفع العدو طلب الأممالمتحدة مناشدة مصر وقف إطلاق النار. صدرت أشهر مجلة أمريكية، فى نهاية نفس العام 1967، وبها صور لجندى إسرائيلى محمول على نقالة وهو يصرخ من الألم ويده تنزف منها الدماء بسبب طلق نارى اخترقها، وتعليقًا على الصورة كتب الصحفى الأمريكى - الذى حضر الواقعة أثناء زيارته للجبهة - أن الجندى الإسرائيلى قرر أن يبرز من الخندق أمام الجميع ويلوح تجاه القوات المصرية على الجانب الآخر كنوع من السخرية والاستهزاء فكانت ثلاثون ثانية كافية لقيام قناص مصرى بإطلاق رصاصة تخترق يده فيسقط صارخًا ومرتعدًا أمام الجميع والدماء تنزف من يده. يوم 21 أكتوبر 1967 تم تدمير المدمرة إيلات الإسرائيلية أمام بورسعيد وهى تحاول العربدة داخل حدود المياة الإقليمية المصرية بصاروخ بحر بحر (أطلق من زورق صواريخ مصرى لأول مرة فى تاريخ المعارك البحرية على مستوى العالم) ما تسبب فى غرقها السريع وعليها طاقم مكون من مائة ضابط وجندى وسرية من طلبة الكلية البحرية المتدربين. بناء على رجاء قوات المراقبة الدولية سمحت مصر للجانب الإسرائيلى بتنفيذ عمليات إنقاذ ليلا لمن نجى. يوم 16 نوفمبر 1969 تمت عملية تدمير سفينتين إسرائيليتين ناقلتين للجنود بميناء إيلات وهى العملية الجسورة التى نفذها رجال قوات الصاعقة البحرية المصرية.. تضمنت عمليات العبور الجسورة قتل وخطف جنود وضباط إسرائيليين، وزراعة الألغام فى طرق تحركات مركبات ودبابات العدو، ونسف مخازن الذخيرة، وتفعيل هجمات قاتلة على مواقع تجمع العدو وأشهرها تدمير مواقع الصواريخ أرض أرض والتى تم تشييدها بهدف تدمير أى تحركات ومعدات للقوات المصرية، وتمت العملية بنجاح مع الاستيلاء على ثلاثة صواريخ وأسر مهندس أسلحة إسرائيلى والعودة بهم. تمت هذه العمليات بقيادة أسد سيناء الشهيد /إبراهيم الرفاعى وفرقته المجموعة 39، والمشكلة من قوات الصاعقة البرية والبحرية. • • • معركة جزيرة شدوان، التى وقعت طوال يوم الخميس الموافق 22 يناير 1970، وهى جزيرة مرجانية بالبحر الأحمر على مسافة 48 كيلومترا جنوبشرم الشيخ مساحتها 60 كيلومترا مربعا تمثل موقعا هاما للتحكم فى ملاحة البحر الأحمر أمام مدخل خليج السويس حيث يوجد بها فنار لإرشاد السفن وردار بحرى مهمته إرشاد السفن وحمايتها من الاصطدام بالصخور والشعاب المرجانية المنتشرة فى هذا القطاع. قامت طائرات العدو الإسرائيلى يوم الخميس 22 يناير 1970 الساعة التاسعة صباحا بغارات جوية كثيفة متتابعة، لمدة أربع ساعات، بغرض تدمير كل الدفاعات المنتشرة على الجزيرة تمهيدا لإنزال كتيبة مظلات تتكون من 500 جندى وضابط على الجزيرة؛ فور نزول هذه القوة ومعهم صحفى مراسل حربى أمريكى، ليرصد ما سيحدث، استخدموا ميكروفونات ليدعوا أفراد القوة المصرية، وكانوا حوالى 80 جنديًا وضابطًا، إلى الاستسلام وأنه لا داعى للمقاومة لأن القوات الإسرائيلية تهاجم من البر والبحر والجو وهم معزولون تماما ولن تصلهم أى إمدادات. كان الهدف من هذه العملية أسر القوة المصرية لكن الرد المصرى كان بطوليا بكل معانى الكلمة حيث فتحت القوة المصرية النيران بكثافة على العدو تأكيدا على أن الاستسلام غير وارد بالمرة فى قاموسهم ليسجلوا بذلك صفحة مشرفة فى تاريخ العسكرية المصرية. بدأت معركة شرسة بين الجنود والضباط المصريين من جانب والقوات الإسرائيلية المدعمة بالغطاء الجوى ومدافع القوات البحرية من البحر، بدأت المعركة من خندق إلى خندق ومن دشمة إلى دشمة. معركة بلغت مستوى التلاحم بالسلاح الأبيض وبالأيدى نتج عنها استشهاد عدد من أبطال مصر بعد أن نجحوا فى وقف الهجوم البرى وكانت خسائر العدو كبيرة ما أجبره على وقف الهجوم الساعة الواحدة ظهرا مع طلب دعم جوى مكثف لمدة ساعة دون أى تأثير على صمود القوة المصرية. توقّف الطيران لإفساح المجال أمام تقدم قوات مظلات العدو التى فوجئت بجندى مصرى خرج من خندق أمامهم فأطلق وابلًا من الرصاص أدى إلى مقتل عدد منهم، واستُشهد الجندى متأثرًا بطلقات العدو. نجحت - لاحقًا - قوات المظلات الإسرائيلية فى بلوغ جنوب الجزيرة، حيث الفنار والرادار، وتقدّم أحد ضباطها نحو الموقع ليلقى بقنبلتين يدويتين وقنبلة دخان داخل الفنار للتأكد من عدم وجود أى مقاومة. كما أمر هذا الضابط جنديا أسيرا مصريا جريحا تحت تهديد السلاح بدخول الفنار لزيادة التأكيد من عدم وجود مقاومة، فدخل الجندى ليشاهد ضابطا مصريا جريحا على الأرض وبيده سلاح فعاد وأكد للضابط الإسرائيلى أن الموقع خالى ليدخل الضابط ويتلقى عدة طلقات قاتلة فى صدره. أدى هذا إلى اقتحام قوات العدو الفنار ليستشهد الضابط المصرى، وهو ما شكّل صدمة وذهول للعدو لدرجة أن القائد الإسرائيلى بارليف صرح للصحفيين - بذهول - أن المصريين كان من الممكن أن يوفروا الدم، وكان واضحا خلال مؤتمره الصحفى ندمه الشديد على عدد القتالى الإسرائيليين فى هذا الهجوم، وأعلن أن المهمة لم تكن سهلة بالمرة؛ فقد استمرت الاشتباكات حتى مساء اليوم التالى مما أجبر العدو على الانسحاب الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 23 يناير 1970. جاء - بعد ذلك - يوم الانتقام واستعادة أرضنا ظهر يوم 6 أكتوبر 1973. هاجمت القوات المسلحة المصرية بكاملها مواقع العدو على الجانب الشرقى لقناة السويس لتدور معارك صاعقة أدت إلى تدمير كامل مواقع العدو والتوابع مما أدى إلى النصر واستعادة كامل الأراضى المصرية والفضل لله. محمود عبد المنعم القيسونى ضابط قوات خاصة من 1965حتى 1977. المستشار السابق لوزير السياحة ووزيرة البيئة