شاب يقتل والدته بتهشيم رأسها لخلافات أسرية في مدينة الشيخ زايد    أفضل الطرق الطبيعية لملء الفراغات في الحواجب الخفيفة    مقتل جندى تايلاندى وإصابة آخرين فى اشتباكات حدودية مع كمبوديا    حماس للاحتلال: مستعدون لحل أزمة السلاح بشرط    نتنياهو: مفاوضات جنوب سوريا تتواصل مع الحفاظ على المصالح الإسرائيلية    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن.. اليوم 8 ديسمبر    ملفات ساخنة وأحداث مُشتعلة فى تغطية خاصة لليوم السابع.. فيديو    الرئيس التشيكي: قد يضطر الناتو لإسقاط الطائرات والمسيرات الروسية    ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية    «قد تفكك الجيش».. إعلام إسرائيلي: تصاعد الأزمة بين كاتس وزامير    الحرس الثوري الإيراني: أي عدوان إسرائيلي جديد سيواجه برد أشد وأكثر قسوة    ميلوني تؤكد لزيلينسكي استمرار الدعم قبيل محادثات لندن    حبس عاطل لقيامه بسرقة وحدة تكييف خارجية لأحد الأشخاص بالبساتين    "من يريد تصفية حسابات معي فليقبض عليّ أنا" ..لماذا تعتقل "مليشيا السيسى "شقيق مذيعة في قناة تابعة للمخابرات !؟    شئون البيئة: سوف نقدم دعمًا ماديًا لمصانع التبريد والتكييف في مصر خلال السنوات القادمة    "قطرة ندى" للشاعر محمد زناتي يفوز بجائزة أفضل عرض في مهرجان مصر الدولي لمسرح العرائس    بعد رحيله، من هو الفنان سعيد مختار؟    لميس الحديدي: قصة اللاعب يوسف لا يجب أن تنتهي بعقاب الصغار فقط.. هناك مسئولية إدارية كبرى    كأس العرب - بن رمضان: لعبنا المباراة كأنها نهائي.. ونعتذر للشعب التونسي    أوندا ثيرو: ميليتاو قد يغيب 3 أشهر بعد الإصابة ضد سيلتا فيجو    إبراهيم حسن: محمد صلاح سيعود أقوى وسيصنع التاريخ بحصد كأس أمم إفريقيا    أشرف صبحي: قرارات الوزارة النهائية بشأن حالة اللاعب يوسف ستكون مرتبطة بتحقيقات النيابة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    هل تقدم أحد المستثمرين بطلب لشراء أرض الزمالك بأكتوبر؟ وزير الإسكان يجيب    وزير الإسكان يعلن موعد انتهاء أزمة أرض الزمالك.. وحقيقة عروض المستثمرين    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر ديسمبر 2025    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    استكمال محاكمة سارة خليفة في قضية المخدرات الكبرى.. اليوم    ياهو اليابانية.. والحكومة المصرية    ترتيب الدوري الإسباني.. برشلونة يتفوق على ريال مدريد ب4 نقاط    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    رئيس "قصور الثقافة": السوشيال ميديا قلّلت الإقبال.. وأطلقنا 4 منصات وتطبيقًا لاكتشاف المواهب    مجموعة التنمية الصناعية IDG تطلق مجمع صناعي جديد e2 New October بمدينة أكتوبر الجديدة    كم عدد المصابين بالإنفلونزا الموسمية؟ مستشار الرئيس يجيب (فيديو)    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    اليوم.. المصريون بالخارج يصوتون فى ال 30 دائرة المُلغاة    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة ومضاعفة الحوكمة    أحمد موسى يكشف أزمة 350 أستاذا جامعيا لم يتسلموا وحداتهم السكنية منذ 2018    وائل القبانى ينتقد تصريحات أيمن الرمادى بشأن فيريرا    أمن مطروح يفك لغز العثور على سيارة متفحمة بمنطقة الأندلسية    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على شروط إعادة تدوير واستخدام العبوات الفارغة وفقاً للقانون    عاشر جثتها.. حبس عاطل أنهى حياة فتاة دافعت عن شرفها بحدائق القبة    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    3 أكلات يجب تجنبها لتحسين مقاومة الأنسولين    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    الطفولة المفقودة والنضج الزائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرفة أوروبا
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 08 - 2025

البحر قريب. حقل أزرق عارى. وفى الأفق، أنوار مدينة بعيدة نحاول أن نخمن اسمها. هنا من أعلى شرفة أوروبا بمدينة نيرخا الإسبانية، على مسافة 14 كم من المغرب بحرا، نقطعها فى حوالى الساعة عبر مضيق جبل طارق، تتسارع فى ذهنى الأفكار والخيالات. الملك ألفونسو الثانى عشر (1857-1885) الملقب بصانع السلام هو من أطلق عليها تسمية «شرفة أوروبا» عندما زار المدينة عام 1885 فى أعقاب زلزال مدمر أصاب المنطقة قبلها بعدة أشهر، وحين وقف فى هذا المكان تحديدًا، حيث كان موقع برج مراقبة تابع لحصن عربى قديم فى القرن التاسع الميلادى، قرر أن فى هذه النقطة تنتهى حدود أوروبا وتبدأ القارة السمراء.
نيرخا ليست أكثر المدن ارتباطًا بتاريخ العرب فى الأندلس، فهى ليست كقرطبة أو الحمراء، لكن صخرتها تلك التى شُيدت فوقها هذه الشرفة، وما حولها من مقاهٍ ومطاعم ومحالٍ تجارية سياحية اكتملت بشكلها الحالى فى ثلاثينيات القرن الماضى، تستدعى الكثير من التأملات خاصة فى وقتنا الحالى. ربما لأننا نشعر بسبب الظروف السياسية الراهنة أن هذا البحر يفصل أكثر من أى وقت مضى بين حضارات الغرب والشرق، كما يصلها أحيانًا. تتجلى فيه فكرة التلاقى والتباعد، فحرب غزة وضعت العلاقات بين العالم العربى والغرب على المحك، كما أن أوروبا تعج باللاجئين الذين يصعب حصرهم منذ أحداث «الربيع العربى»، ويصل عددهم إلى أربعة ملايين وفق بعض التقديرات الأممية، أما أعداد المهاجرين الذين يموتون غرقًا فقد حددت بعض الجمعيات الأهلية فى تقاريرها الصادرة فى ديسمبر 2024 أن أكثر من عشرة ملايين مهاجر لقوا حتفهم خلال العام نفسه وهم يحاولون الوصول إلى إسبانيا، قادمين من 28 دولة أغلبها إفريقية، بالإضافة إلى العراق وباكستان، بزيادة 58% عن العام السابق. ومن ناحية أخرى، تمكن من الدخول إلى إسبانيا بشكل غير شرعى أكثر من ستة آلاف مهاجر عبر البر والبحر، خلال الفترة الزمنية ذاتها.
• • •
ونحن ننظر إلى مساحة المياة الشاسعة أمامنا، ذكرتنى صديقتى بمأساة الشاب الذى تصدرت قصته الصحف أخيرا بعد ما تم إنقاذه وهو يحاول العبور إلى إسبانيا سباحة باستخدام عوامة نجاة. أنقذته عائلة قبالة شواطىء الأندلس الشهر الماضى، وذكرت بعض المصادر أنه مغربى وبعضها الآخر أنه مصرى. على كل حال هو مواطن ضمن 450 مليون شخص يسكنون حوض المتوسط ويحلمون بحياة أفضل. يصف المؤلف الأوروجوايانى، ادوردو جاليانو هؤلاء الغرقى فى كتابه «صياد القصص» (عن دار ورق)، قائلًا: «العالم يرحل. يحمل معه غرقى أكثر مما يحمل مبحرين. فى كل رحلة، يموت آلاف البائسين دون أن يكملوا رحلة العبور نحو الفردوس الموعود، هناك حيث، حتى الفقراء، يكونون أغنياء، وحيث يعيش الجميع فى هوليود».
نسير باتجاه تمثال الملك ألفونسو الثانى عشر ببزّته البرونزية، وقد أسند ظهره إلى السور واثقًا من الأهمية الاستراتيجية لهذه الشرفة التى حمت البلاد من أخطار الغزاة والقراصنة، كما نجح هو فى تحقيق الاستقرار السياسى وحمايتها من الاضطرابات والانقسامات الداخلية التى زعزعت الأمن طويلًا قبل أن يقضى على محاولات الانفصال ويؤسس نظامًا ملكيًا دستوريًا. يشرف على بيوت نيرخا الصغيرة البيضاء، فهى بالأساس قرية صيادين أندلسية تقليدية قبل أن تتحول إلى وجهة سياحية بامتياز بالقرب من مالاجا. وقد تميز عهد ألفونسو الثانى عشر بالحفاظ على التراث بما فى ذلك المرتبط بتاريخ العرب والموريسكيين، وهم مسلمو الأندلس الذين بقوا فى إسبانيا تحت الحكم المسيحى، وذلك رغم استمراره فى السياسة الكولونيالية. وقد ظلت آثار الحصن العربى القديم قائمة حتى هدمتها القوات الإنجليزية سنة 1812 أثناء حرب الاستقلال ضد الاحتلال الفرنسى لإسبانيا والبرتغال، وبُنيت الشرفة على الأنقاض، ولم يبقَ من هذه المرحلة التاريخية سوى بعض المدافع الضخمة والصدئة، إضافة إلى الأساطير التى تزعم وجود سراديب وأنفاق تحت الأرض، أسفل هذا الجرف الصخرى.
• • •
يذكرنا المدفعان الموجودان حاليًا على الشرفة بتلك المعارك الميدانية والفكرية والعقائدية الضارية التى كانت، ويجعلنا نركز على تلك التى ستأتى، ففى منتصف شهر يوليو الماضى اندلعت أعمال شغب مناهضة للمهاجرين فى منطقة مورسيا، جنوبى شرقى البلاد، على خلفية اعتداء عنيف تعرض له رجل مسن أثناء سيره فى الشارع على يد ثلاثة شبان هاربين، يُعتقد أنهم من أصول مغاربية. انزلقت الأمور نحو الفوضى بعد أن تسللت إلى المظاهرات عناصر من اليمين المتطرف الآخذ فى الصعود فى أرجاء أوروبا، والذى قد يعود للسلطة فى إسبانيا لأول مرة منذ انتهاء دكتاتورية الجنرال فرانكو قبل نحو نصف قرن.
الشرفة تمنحنا رؤية بانورامية على البحر، تشير إلى عدة أشياء حسب السياق، فهى تشمل المناظر الطبيعية البديعة، إضافة إلى حقائق تاريخية تختلط بواقعنا اليومى والسياسى. ننظر باتجاه المغرب، من أعلى الشرفة فى مدينة نيرخا التى اشتق اسمها من الكلمة المغاربية «ناريسكا» والتى تعنى «غنى بالمياه»، فنجد البحر يحيط بنا من كل جانب، يحمل فى طياته غرقى ومبحرين، ونحن فى عالم يرحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.