الأمومة المصرية الفذة

منزلى يقع إلى جوار عدة لجان للثانوية العامة ومنهما لجنة للطالبات أرى كل يوم مئات الأمهات يحضرن مع بناتهن إلى اللجان صباحًا، هذا منطقى، أما الغريب فى قوة الأمومة وصلابتها فهى أنهن ينتظرون أمام اللجان من الصباح الباكر وحتى يخرجن من اللجان قرابة الظهر، يجلسن على الأرصفة فى قلق وتوتر، يقطعنه بالحكايات البينية بينهن، تتعارف الأمهات وتتصادق سنويًا؛ حيث يجمعهن همٌّ مشترك، لا توجد مقاهٍ فى المنطقة القريبة من اللجنة، أسر وأمهات راقيات يفترشن الأرض بعيدًا عن المدرسة.
أما يوم الخميس الماضى، وفى آخر امتحان فرأيت الآلاف من الأمهات والبنات والشقيقات، الأسرة كلها حضرت لتشهد هذا الموقف الرائع بعد كفاح كبير، وجهد عظيم تنتظر لحظة تتمناها كل أم.
الأجمل من ذلك أنهن يحملن الورود بألوانها المختلفة، وبعض الأمهات وقفن سويًا لالتقاط صور تذكارية وكل واحدة منهن كتبت اسم ابنتها على باقة الورد وعلى صدورهن، صور جميلة وحميمة، مشاعر نبيلة، أسر متماسكة مترابطة.
آلاف الأمهات والشقيقات والقريبات ينتظرن بناتهن القابعات فى اللجان فى آخر يوم، وعند خروجهن تسمع الزغاريد، والفرحة والأناشيد والرقص والأحضان والقبلات.
فرحة غامرة بعد مجهود شاق وإنفاق مالى كبير يعرفه كل مصرى خاض أبناؤه تجربة الثانوية العامة.
فرحة الثانوية العامة لها مذاق خاص لدى المصريين منذ عشرات السنين، وتعبها وألمها أيضًا يترك بصمته فى كل بيت مصرى.
رغم قسوة حياة المصريين وغلاء المعيشة فإن ترابط الأسرة المصرية هو السد المنيع أمام انهيار مصر، المشاعر النبيلة لا تكاد تجدها بهذه القوة إلا فى مصر، وهل تجد مثل هذه المشاعر الفياضة فى أى بلد آخر.
الأم المصرية بالذات منذ أيام أمنا وجدتنا السيدة هاجر عليها السلام وحتى اليوم لا مثيل لها، عطاء بلا حدود، عطاء يفوق الخيال، صبر يتحدى أشد الصعاب والملمات.
يا لروعة اللقاء وخاصة فى آخر يوم من امتحانات الثانوية العامة، هذا فى لجان البنات، أما لجان الذكور فلا أحد يقف عندها، ولا أحد ينتظرهم لأنهم لا يحتاجون للمساندة المعنوية.
الأنثى فى مصر معززة ومكرمة ومحبوبة فى كل مراحلها سواء كانت أمًا أو بنتًا أو شقيقة أو زوجة، هى نوارة البيت التى تضفى عليه الرقة والرحمة والألفة والمودة.
سلام على الأمهات ودعوات بالنجاح لكل الطلاب.