ليس عيبًا أن يناقش العرب كل مشاكلهم، وأن يبحثوا عن حل لهذه المشاكل والخلافات، بل العكس هو الصحيح، لكن الكارثة الكبرى أن يقعوا فى الفخ الذى ينصبه لهم أعداؤهم طوال الوقت، وأن تتحول هذه الخلافات العادية إلى أزمات تم تناحر ثم حروب بأشكالها المختلفة. الفضاء الإلكترونى يعج هذه الأيام بأحاديث كثيرة عن خلافات عربية عربية ثم مصرية سعودية فى قضايا متعددة، ويصعب تمامًا التأكد من صحة هذه الأخبار والتقارير. آخر هذه المعارك الافتراضية هى وجود خلاف بين البلدين بشأن منصب الأمين العام للجامعة العربية، حيث تنتهى مدة الأمين العام الحالى السفير أحمد أبوالغيط فى 30 يونيو من العام المقبل، وأن السعودية تريد تعيين عادل الجبير، وزير خارجيتها السابق، بديلًا له. لن أدخل فى هذا الجدل ولا المعركة المفتعلة التى يريد كثيرون أن يجعلوا العلاقة المصرية السعودية فى حالة عداء، وهو أمر لا يصب إلا فى صالح كل أعداء العرب. أعتقد أن القضية أو المشكلة أو الأزمة الفعلية التى تعانى منها الجامعة العربية ليست شخص أو جنسية أمينها العام وجميع العاملين فى الجامعة، ولن يحل القضية أن ينتقل مقر الأمانة من القاهرة إلى الرياض أو البحرين أو موريتانيا أو الأردن، كما يقترح البعض أو يكون أمينها العام سعوديًا أو جزائريًا أو من أى دولة عربية أخرى. من يطالع سيرة الأمناء العامين السابقين المصريين للجامعة من أول عبدالرحمن عزام نهاية بأحمد أبوالغيط مرورًا بعبد الخالق حسونة ومحمود رياض وعصمت عبدالمجيد وعمرو موسى ونبيل العربى، فسوف يجد هذه السير عطرة وناصعة وعلى أعلى درجة من الاحتراف والمهنية، وبالتالى مرة أخرى فالمشكلة ليست شخص الأمين العام أو جنسيته بل صلاحياته وصلاحيات الجامعة. السؤال: لنفترض نظريًا أن الجامعة انتقلت من القاهرة إلى أى عاصمة أخرى، وصار الأمين العام غير مصرى، فهل يا ترى سيتم حل كل المشاكل والتحديات التى يعانى منها العمل العربى المشترك؟! كنت أتمنى كشخص مؤمن بالعروبة والعمل العربى المشترك أن تكون الإجابة هى نعم، لكن المؤكد أن الإجابة القاطعة هى لا. كثيرون لا يدركون أنه عندما تم اختيار القاهرة مقرًا للجامعة وقت تأسيسها عام 1945 فإن ذلك كان فى وثائق التأسيس وميثاق الجامعة، أما أن يكون الأمين العام مصريًا فهو عرف مستمر من 80 عامًا. القاهرة وقت التأسيس كانت العاصمة العربية الأهم والأبرز وما تزال صاحبة الإشعاع الثقافى والفكرى والفنى رغم تدهور أوضاعها الاقتصادية مشكلة الجامعة ليست بسبب أن جنسية أمينها المصرى، أو أن مقرها هو القاهرة، بل لأن غالبية الدول أو الحكومات أو الأنظمة العربية ليست متحمسة أو راغبة أو مقتنعة بالعمل العربى المشترك، أو إصلاح الجامعة الأمر الذى حولها إلى كيان غير فاعل وبلا حول ولا قوة فى معظم القضايا والأزمات. لاأقول ذلك لكونى مصريًا، والدليل أن جامعة الدول العربية قررت تجميد عضوية مصر عام 1979 عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ونقلت المقر إلى تونس وصار التونسى الشاذلى القليبى أمينًا عامًا للجامعة، حتى عام 1990، حيث عادت مصر للجامعة وعادت الجامعة إلى مقرها الطبيعى والتقليدى. وظل حال العرب على حاله قبل نقل مقرها وبعد عودته، لأن المشكلة ليست مكان المقر أو جنسية الأمين العام، بل أداء الجامعة نفسه وصلاحياتها. منذ إنشاء الجامعة عام 1945 حتى الآن، وهناك دول عربية، منها الجزائر مثلًا تطلب تدوير منصب الأمين العام. مشكلة الجامعة مرة أخرى أنها جامعة للحكومات وليست للشعوب، والحكومات مختلفة معظم الأحيان، ولا يوجد نقاش حقيقى بشأن كيفية النهوض بالعمل العربى المشترك. وصار حال العرب لا يسر حبيبًا بل يسر كل الأعادى، ولم يتبخر فقط حلم الوحدة بل إن دولًا عربية عدة صارت عاجزة عن حماية دولتها الوطنية من التشظى والانقسام. مرة أخرى ليس عيبًا أن نناقش أى موضوع بروح الأخوة والمنطق والمصالح العليا للعرب، لكن الخطر هو الانزلاق إلى معارك دون كيشوتية على صفحات السوشيال ميديا، لا يستفيد منها إلا إسرائيل وكل أعداء العرب.