أبحث كل صباح عن أخبار «أسطول الحرية» فى الصحف المصرية فلا أجد لها أثرا، ولذلك أصبحت أتابعها من مصادر أخرى، بعدما صار للأخبار ألف باب، وأصبح التعتيم عليها وحجبها من قبيل دفن الرءوس فى الرمال. من ثم، فإننى لم أواجه مشكلة فى متابعة رحلة قافلة الإغاثة وكسر الحصار المضروب على غزة، التى يقودها ويشارك فيها نفر من النشطاء النبلاء والشجعان الذين يصرون على تحدى الغطرسة الإسرائيلية، لكن ما استغربت له حقا هو تجاهل الإعلام المصرى للرحلة، الذى لا أستطيع أن أفسره بالسهو والخطأ، لذلك فإننى أشم فى ذلك التجاهل رائحة العمد، الذى إذا أحسنا به الظن فقد نرجعه إلى الخجل والحرج من أن حملة بذلك الحجم الكبير الذى تشارك فيه أطراف أوروبية وتركية وعربية، تغيب عنه مصر، وهى الدولة الكبيرة، التى تقول لنا الأبواق الإعلامية الرسمية إنها «لم تقصر» يوما ما فى حق القضية الفلسطينية. النتيجة أن المواطن العادى فى مصر لم يحط علما بالموضوع، إلا إذا كان من متابعى قناة «الجزيرة» أو تليفزيون «الأقصى»،أو مواقع الإنترنت المعنية بالموضوع، أصبحت الأغلبية تجهل أن أسطول الحرية، الذى تبنته ورعته الحملة الأوروبية لكسر الحصار. التى تتخذ من بروكسل مقرا لها يضم 9 سفن، منها ثلاث سفن شحن، وست للركاب، أما سفن الشحن فثمة واحدة منها ترفع علمى تركيا والكويت، والثانية بتمويل جزائرى، والثالثة ممولة أوروبيا من السويد واليونان، وهى تحمل عشرة آلاف طن من المساعدات الطبية ومواد البناء والأخشاب، كما تضم مائة منزل جاهز لمساعدة الذين دمر الإسرائيليون بيوتهم أثناء العدوان الأخير على غزة، علاوة على 500 عربة كهربائية لاستخدام المعاقين من ضحايا الحرب. سفن الركاب تحمل نحو 750 ناشطا ومتضامنا من 60 دولة. وقد زودت لأول مرة بأجهزة للبث الفضائى لنقل أخبار الرحلة إلى العالم الخارجى، ومن ركابها 36 صحفيا يعملون فى 21 وكالة أنباء ومطبوعة عالمية. من الركاب أيضا 44 شخصية رسمية وبرلمانية وسياسية أوروبية وعربية، ومن الأخيرين عشرة نواب جزائريين، ومن الشخصيات البارزة التى انضمت إلى الحملة عضوا البرلمان الأيرلندى كريس أندرو وإينجوس أوسنديغ، وعضو البرلمان الأوروبى كرياكوس تريانتافيدليز، والزعيم السياسى البلغارى كيراك تسونوف، والنائب السابق فى مجلس الشيوخ الإيطالى فيرناردو روسى. ورئيسة حزب المصلحة العامة فى إيطاليا مونا ببيى، والسياسى النرويجى المعروف ايرلج فولكفورد، والكولونيل الأمريكية السابقة آن رايت المعروفة بمعارضتها للحرب على العراق، وعدد من النواب الأوروبيين والأتراك. ليست هذه هى المرة الأولى التى يحاول فيها الناشطون المتضامنون مع غزة كسر الحصار وإيصال المعونات إلى المحاصرين فى غزة. فقد سبق لهم أن نظموا ثمانى محاولات. نجحت فى اجتياز العراقيل الكثيرة التى وضعت أمامها ووصلت إلى غزة، باستثناء واحدة خطفها الإسرائيليون فى شهر يونيو من العام الماضى (2009). لكنها المرة الأولى التى يعبأ فيها أسطول بذلك الحجم الكبير نسبيا. وقد أعلنت إسرائيل أكثر من مرة بأنها لن تسمح للسفن بالرسو على شاطئ غزة، فى حين أن منظمى الحملة يصرون على بلوغ هدفهم. وهذه المواجهة يفترض أن تحدث اليوم (السبت) أو غدا. ويتعذر التنبؤ من الآن بما يمكن أن تسفر عنه. أثار انتباهى فى هذا السياق، أن جريدة الأهرام نشرت فى عدد الخميس الماضى (27/5) خبر ترقب وصول قافلة إغاثة إماراتية إلى مصر، تم إرسالها بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصرى برئاسة السيدة سوزان مبارك ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وأبرزت الأهرام باللون الأحمر مسألة التنسيق مع الهلال الأحمر المصرى. وذكر الخبر أن القافلة تضم 42 مقطورة تحتوى على 400 طن دقيق فاخر و100 طن سكر و100 طن مكرونة وشاحنات أدوية لكل الأمراض. ولم يفت خبر الأهرام أن ينوه إلى أن الهلال الأحمر المصرى قام بإدخال ألف طن من المساعدات فى الأسبوع الماضى إلى «الأشقاء الفلسطينيين»، «فى إطار جهود مصر لتخفيف الحصار عن أبناء غزة». لا أعرف ما إذا كان ذلك التزامن مقصودا أم لا، لكنى حين قرأت الخبر قلت: حتى الإغاثة لم تنج من الانقسام بين معسكرى الصمود والاعتدال؟!