بسام راضي: الاستراتيجية الإثيوبية في التعامل مع السد أصبحت مكشوفة للجميع    تضامن الإسماعيلية يشارك في الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة    أسعار الذهب اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 بالتعاملات المسائية    غرفة المنشآت الفندقية تتوقع وصول أعداد السياح لمصر إلى 18.5 مليون بنهاية 2025    إعلان أول نموذج قياسي للقرى الخضراء الذكية بجهود مشتركة بين جامعة طنطا ومحافظة الغربية    الصين تضخ 80 مليار دولار في استثمارات الطاقة النظيفة بالخارج لفتح أسواق جديدة    ستارمر وقادة أوروبا يبحثون دعم أوكرانيا واستخدام الأصول الروسية المجمدة    معهد الفلك: زلزال تركيا وقع في منطقة بعيدة.. وبعض المصريين يثيرون بروباجندا    نجم الإنتر يشيد بمحمد صلاح رغم استبعاده: "واحد من الأفضل في العالم"    أمريكا.. وإسرائيل ووقف إطلاق النار    كأس العرب| المغرب يضرب موعدا مع سوريا.. والسعودية وفلسطين وجها لوجه    علي السعيد يعلن رحيله رسميًا عن تدريب الكرة النسائية بنادي الزمالك    وصول حمدي فتحي لمعسكر منتخب مصر استعدادا لأمم أفريقيا    المنيا تشيّع قضاة ديروط في جنازة عسكرية مهيبة بحضور المحافظ    مجلس الوزراء: القطاع الخاص سيتولى إدارة حديقتي الحيوان والأورمان بالجيزة.. والافتتاح التجريبي عام 2026    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    رمضان 2026| تفاصيل دور كريم عفيفي في «قبل وبعد»    أسرة عبدالحليم حافظ تفجر مفاجأة سارة لجمهوره    فرقة الكيبوب تتصدر قائمة بيلبورد للألبومات العالمية لعام 2025    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    بعد طرح فيلم «الست».. محمد فراج يرد علي منتقدي شخصيته في العمل |فيديو    كوندي يكشف حقيقة خلافاته مع فليك بسبب تغيير مركزه    الجمعية العمومية لاتحاد الدراجات تعتمد خطة تطوير شاملة    ارتفاع مؤشرات بورصة الدار البيضاء لدى إغلاق تعاملات اليوم    اتعلم باليابانى    نيجيريا تتحرك عسكريا لدعم حكومة بنين بعد محاولة انقلاب فاشلة    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن وفاة ضابط شرطة بسبب مادة سامة    الأسهم الأمريكية تفتتح على تباين مع ترقب الأسواق لاجتماع الاحتياطي الفيدرالي    ظريف يتلاسن مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    سفير اليونان يشارك احتفالات عيد سانت كاترين بمدينة جنوب سيناء    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    وزير الصحة يبحث مع الأوروبي للاستثمار إطلاق مصنع لقاحات متعدد المراحل لتوطين الصناعة في مصر    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    أمين الأعلى للمستشفيات الجامعية يتفقد عين شمس الجامعي بالعبور ويطمئن على مصابي غزة    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    نادي قضاة المنيا يستعد لتشييع جثامين القضاة الأربعة ضحايا حادث الطريق الصحراوي    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    السفير الأمريكى فى لبنان: اتصالات قائمة لزيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن    «هجرة الماء» يحصد أفضل سينوغرافيا بمهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طريق الدموع
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 02 - 2025

عند إعلان استقلال الولايات المتحدة فى 4 يوليو 1776، كانت المساحة الكلية للولايات الثلاث عشرة هى حوالى 1.1 مليون كيلومتر مربع، وقد أصبحت الآن 9,84 مليون كيلومتر مربع، أى تضاعفت تسع مرات، فكيف حصلت أمريكا على هذه الأراضى؟

وفقًا للمصادر الرسمية لمواقع وزارتى الخارجية والداخلية الأمريكيتين، فإن أهم الوسائل التى حصلت بها أمريكا على هذه الأراضى الشاسعة هى الحرب والاحتلال مثل كاليفورنيا، أو الشراء مثل لويزيانا وألاسكا، أو الاستحواذ مما يعنى الحصول عليها بوسائل الضغط.. وهى وسائل كلها تتضمن قدرًا كبيرًا من الإكراه، وهذا ما يفسر النظرة الأمريكية لأراضى الغير.. سواء كانت تلك الأراضى تابعة لدولة أخرى مستقلة ذات سيادة، أو لها وضع قانونى أقل من ذلك.
وإذا نظرنا إلى رغبة دونالد ترامب فى شراء جزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك وإعلانه الصريح عن عزمه إعادة احتلال قناة بنما والاستحواذ عليها ومطالبته بضم كندا للولايات المتحدة.. نجد أن كل العناصر المذكورة آنفا متوفرة سواء التطهير العرقى أو الاستحواذ بالضغط أو الشراء بما يشبه الإكراه أو الضم بالقوة..
وتصرفات أمريكا هذه تنطلق من النظرة المادية العقارية لأراضى الغير.. فلا يوجد اعتبار إلى التعلق الوجدانى بأرض الوطن أو الانتماء الثقافى والحضارى وعناصر التاريخ وما إلى ذلك.
• • •
يشير موقع nbs. Gov التابع للحكومة الأمريكية الفيدرالية والمعنى بالآثار والمواقع التاريخية... إلى التطهير العرقى لقبائل الهنود الحمر التى كانت تقطن الجانب الشرقى ومن أهمها قبيلة الشيروكى -وهو الاسم الذى اتخذته صناعة السيارات الأمريكية كماركة لإحدى أنواع سيارات الدفع الرباعى،.. ويشير الموقع الرسمى إلى أن الرئيس الأمريكى أندرو جاكسون قرر إعادة توطين الهنود الشرقيين (أى طردهم).. واستخدمت قوة الجيش الأمريكى فى طردهم من الشرق إلى الغرب فى رحلة طولها 800 ميل، ولم يمهلهم الجيش وقتًا كافيًا لأخذ متاعهم بل هاجمهم الجنود وأوسعوهم ضربًا ونهبًا.. ويصف أحد الناجين رحلتهم القاسية الحزينة بهذه الكلمات:
«كان السفر طويلًا فى طريقنا إلى الوطن الجديد.. وكان شعور الناس سيئًا. وهم يتركون أوطانهم، بكت النساء وولولن فى صرخات حزينة، وبكى الأطفال وكثير من الرجال، ولكن لم يتكلم أحد، فقط البكاء والرءوس منكسة مطأطأة والأقدام تسير نحو الغرب، مرت أيام كثيرة ومات الكثير الكثير»، ولهذا أطلق المؤرخون على هذا الطريق اسم طريق الدموع Trail of Tears.
وتكرر ذلك مع باقى الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين حتى أصبحوا أثرًا بعد عين.. واتجهت الولايات المتحدة بعد أن وصلت الشاطئ الشرقى بالغربى إلى التوسع عن طريق الحرب وضم الأراضى بالقوة فقامت بغزو المكسيك فى عام 1846، وحققت انتصارات كثيرة حتى وصلت إلى عاصمتها ما أجبر المكسيك على قبول معاهدة جوادالوب التى تنازلت فيها عن ثلث مساحة بلدها إلى أمريكا، وهى الأراضى التى تشكل الآن ولايات نيفادا وكاليفورنيا ويوتا وأريزونا ونيو مكسيكو.
ومما يذكر أن أمريكا استخدمت نفس أساليب إسرائيل الوحشية، فقد فرضت على المكسيك حصارًا بحريًا قاسيًا ما ضاعف أزمتها الاقتصادية وعانت من نقص فادح فى الغذاء وعجز الجيش المكسيكى عن توفير الغذاء لجنوده.
• • •
هكذا نرى أن الولايات المتحدة لا تجد غضاضة فى التوسع الاستعمارى من خلال التطهير العرقى أو الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة.. والآن وقد أصبح على رأس الولايات المتحدة مطور عقارى لا ينظر إلى الأوطان إلا من منظور المطور العقارى ويتعامل مع الجميع -الأعداء والأصدقاء- بمنظور الصفقات والربح والخسارة مع استخدام أسلوب فج، فإن العواقب ستكون وخيمة، ليس على الضحايا التى يستهدفها الثنائى ترامب ونتنياهو، ولكن فى المقام الأول على مستقبل الولايات المتحدة نفسها.
• • •
لقد بدأ حلف الأطلنطى فى مناقشة احتمال إرسال قوات إلى جزيرة جرينلاند الدنماركية بعد تهديد ترامب بالاستيلاء عليها، بل تمت مناقشة تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف التى تعتبر العدوان على أحد أعضائه عدوانًا على الجميع.. ومن المفارقات الغريبة أن إحدى أقوى دول الحلف وهى ألمانيا -التى عارضت إرسال قوات إلى أوكرانيا للدفاع عنها ضد روسيا- تبحث الآن إرسال قوات إلى الجزيرة الدنماركية للدفاع عنها ضد الولايات المتحدة.
• • •
لو كان الأمر كما يظنه ترامب من أن الناس تبيع أوطانها مقابل المال والحياة الأفضل فى بلد آخر، لكان الغزاويون قد وفروا على أنفسهم ما عانوه من أجل البقاء فى وطنهم، لقد صمدوا للقتل الممنهج والحصار القاتل ونزحوا أكثر من مرة وهم يحملون متاعهم القليل على ظهورهم ولم يبدلوا تبديلا.. ويكفى النظر إلى موكب العودة المهيب إلى الشمال وهم يعلمون أنهم سينامون فى العراء بلا أدنى مقومات الحياة.. أهذا الشعب العنيد يا مستر ترامب يقبل أن يترك هذه الأرض التى سال فيها دماء أحبائهم، والتى ما زالت عظام الآلاف منهم تحت الركام؟.. أيقبلون صفقتك العقارية لإخراجهم وتحويل القطاع لريفيرا يسكنها أشخاص من جميع أنحاء العالم مع "بعض" الفلسطينيين؟
إن قافلة العودة المهيبة هى أبلغ رد على هذا الترامب.. الذى يقول وزير خارجيته ماركو روبيو (الأمريكى المتصهين) أنه لا يجد حلا لمشكلة غزة أفضل من اقتراح التهجير الذى طرحه ترامب وأن من عنده اقتراح أفضل فليتفضل بالإدلاء به.. وأنا أقول للسيد روبيو أن أهالى غزة لن يخرجوا إلا إلى أراضى آبائهم وأجدادهم التى طردوا منها قسرا عام 1948.. لن يخرجوا إلا إلى يافا وحيفا وعسقلان.. فلا تستهينوا بالشعب الفلسطينى الجبار.. ولا تستهينوا بالشعب العربى فكبوته الحالية لن تدوم.
• • •
لقد أطلق الكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان (اليهودي) على اقتراح ترامب بأنه خير دليل على أن ترامب لا يفكر خارج الصندوق بل يفكر خارج العقل.
إنه -أى ترامب وغلاة الصهاينة المحيطين به- يرون أن هذا الاقتراح الجنونى سيؤدى إلى الاستقرار فى المنطقة، وإلى كفالة تحقيق الأمن لإسرائيل.
ولكننى أقول لهم أن العكس هو الصحيح.. فإذا فرضنا أنكم حققتم المطلوب وانتقل الشعب الغزاوى إلى أي مكان وهم صاغرون.. هل سينسون وطنهم؟.. أؤكد لك يا مستر ترامب أن المقاومة الفلسطينية سترتب أمورها بصورة أفضل فى المهجر الجديد .
عندئذ سينشأ وضع فى منتهى الخطورة على استقرار الشرق الأوسط، الأمر الذى يعد اعتداء مما ينهى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى دامت قرابة ال45 عاما، ويوقع المنطقة بأسرها فى دوامة يصعب الخروج منها.. فكيف تحكمون أيها الترامبيون؟ أهكذا تتخذ القرارات فى دولة عظمى مثل الولايات المتحدة دون دراسة للعواقب ودون حسابات للمواقف؟
• • •
الأمل الآن فى الموقف العربى الصامد الموحد الرافض لجريمة التطهير العرقى هذه، وكذلك الموقف المصرى الصلب الذى شرع فى إعداد خطة بديلة لتعمير غزة دون تهجير سكانها، والأمل أيضا أن يطرح الفلسطينيون خلافاتهم جانبًا ويوحدوا موقفهم قبل فوات الأوان.
مساعد وزير الخارجية الأسبق
الاقتباس:
لقد أطلق الكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان (اليهودي) على اقتراح ترامب بأنه خير دليل على أن ترامب لا يفكر خارج الصندوق بل يفكر خارج العقل.. إنه يرى أن هذا الاقتراح الجنونى سيؤدى إلى الاستقرار فى المنطقة، وإلى كفالة تحقيق الأمن لإسرائيل.. ولكننى أقول لهم أن العكس هو الصحيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.