مصطفى الفقي: لا أتوقع استمرار برلمان 2025 كامل مدته.. وهذه دلالة تصريحات السيسي    بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس    الديوان الملكي الأردني يعلن تفاصيل اتصال هام بين الملك عبدالله وولى عهد السعودية    دوري أبطال أوروبا، ليفركوزن يهزم مانشستر سيتي بثنائية في دوري الأبطال بمشاركة مرموش    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    الهلال الأحمر الإماراتي يطلق حملة مساعدات شتوية لدعم 1.8 مليون شخص في 24 دولة    الفنان محمد صبحي يكشف حالته الصحية: أصابني فيروس بالمخ فترة حضانته 14 يومًا    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء عملية فرز أصوات الناخبين في الغربية (صور)    نجوم الفن على الريد كاربت بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"    بدء عملية فرز أصوات الناخبين بانتخابات النواب فى الغربية.. فيديو وصور    غدا.. غلق المخرج أسفل كوبرى سيدى جابر بالإسكندرية للقادم من شارع المشير    مراسل إكسترا نيوز: ما رأيناه باللجان عكس حرص المواطنين على الإدلاء بأصواتهم    الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض    تطوير 5 عيادات صحية ومركز كُلى وتفعيل نظام "النداء الآلي" بعيادة الهرم في الجيزة    محافظ الإسماعيلية يتفقد المقار الانتخابية بمدرستيِّ الشهيد جواد حسني الابتدائية وفاطمة الزهراء الإعدادية    رماد بركان إثيوبيا يشل حركة الطيران في الهند ويتمدّد نحو الصين    انتخابات مجلس النواب.. إقبال كثيف على لجان الغربية    ألونسو: تدريب ريال مدريد مرهق.. وعلاقتي جيدة باللاعبين    إدريسا جايي: أعتذر عن صفعي زميلي في إيفرتون    محافظ الدقهلية يتفقد جاهزية اللجنة العامة للانتخابات في السنبلاوين    مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور    فى حضور 2000 من الجمهور بلندن.. ليلة استثنائية لأعمال عبد الوهاب بصوت فاطمة سعيد    خصوصية الزوجين خط أحمر.. الأزهر يحذر: الابتزاز والتشهير محرم شرعا وقانونا    ما حكم عمل عَضَّامة فى التربة ونقل رفات الموتى إليها؟ أمين الفتوى يجيب    «النقل» تكشف حقيقة نزع ملكيات لتنفيذ مشروع امتداد الخط الأول لمترو الأنفاق    لتعذر حضوره من محبسه.. تأجيل محاكمة طفل الإسماعيلية المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته لمدة أسبوعين    استمرار حبس رمضان صبحي حتى 30 ديسمبر للنطق بالحكم    محامية فضل شاكر ل اليوم السابع: حالة المطرب الصحية جيدة ومعنوياته مرتفعة    الصفدي: الاحتلال سجل 500 خرق لاتفاق وقف النار في غزة.. ولن ننشر قوات بالقطاع    تامر هجرس يكشف تفاصيل دوره في فيلم "عائلة دياب ع الباب" مع محمد سعد    منتخب الكويت يهزم موريتانيا ويتأهل لمجموعة مصر في كأس العرب 2025    نائب رئيس حزب المؤتمر: وعي الشعب أسقط حملات الإخوان لتشويه الانتخابات    وكيل توفيق محمد يفجر مفاجأة بشأن انتقاله للأهلي في يناير    ملحمة انتخابية علي الحدود الشرقية .. شيوخ وقبائل سيناء يقودون الناخبين لصناديق الاقتراع | صور    متابعة حية | مانشستر سيتي يستضيف باير ليفركوزن في مباراة حاسمة بدوري أبطال أوروبا    منح جائزة صلاح القصب للتونسى فاضل الجعايبى فى أيام قرطاج المسرحية    الداخلية تكشف تفاصيل تعطيل شخص حركة المرور    ضبط 15 طن دقيق في حملات تموينية خلال 24 ساعة    ضبط 4 أشخاص يستقطبون الرجال عبر تطبيق هاتفي لممارسة الأعمال المنافية للآداب بالإسكندرية    رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة    وزير التعليم الإيطالى: أشكر مصر على الاهتمام بتعليم الإيطالية بالثانوية والإعدادية    مكتب الإعلام الحكومي يوثق بالأرقام: مؤسسة غزة تورطت في استدراج المُجوّعين إلى مصائد موت    مواجهة نارية في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وتشيلسي لايف    إقبال كثيف على لجان شبين القناطر في اليوم الثاني لانتخابات النواب    وزير التعليم: أتوجه بالشكر للرئيس السيسى تقديرا على اهتمامه البالغ بالتعليم    الصين: أجواء المكالمة الهاتفية بين شي وترامب كانت "إيجابية وودية وبناءة"    وزير الصحة: مصر وتركيا شريكان استراتيجيان في بناء أمن صحي إقليمي قائم على التصنيع والتكامل    الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات    بث مباشر| مؤتمر صحفي ل«الوطنية للانتخابات» لمتابعة انتخابات النواب 2025    بالصور.. الطوابير تزين لجان انتخابات مجلس النواب في بورسعيد    قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    إزالة 327 حالة تعدٍ على نهر النيل في 3 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطالب التغيير.. فى دولة أخرى
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 05 - 2010

زرت تايلاند ثلاث مرات، خرجت بعد كل زيارة من الزيارات الثلاث مقتنعا بأن هذه البلاد تخضع لإرادة ملك قوى يستمد قوته من نظام ملكى عتيد يحظى باحترام النخبة السياسية والجيش وعامة الناس. كان صعبا، من خلال زيارات قصيرة، الحكم بدرجة الاستبداد فى هذا النظام.
ومع ذلك كانت، ومازالت، تسيطر على تقديرى لمثل هذه الأمور، فكرة استحالة وجود حاكم، ملكا كان أم رئيسا، أتاح له الدستور سلطات فائقة وسمحت له ظروف البلد أن يستعبد ولم يستعبد.
قد يختلف معى صديق هنا أو كاتب هناك حول عدم جدوى النقاش لمعرفة إن كان الحاكم مستبدا عادلا أم مستبدا ظالما، فالاستبداد فى رأيى نوع واحد، ولا يهم إن كان المستبد طيب القلب وكريم الخصال وحسن النوايا.
تكونت عندى، من قراءات وزيارات ومتابعات إخبارية عن تايلاند، انطباعات استمرت سنوات. ساعد فى تكوين هذه الانطباعات، أو ربما أثر فيها أكثر من غيرها عاملان أولهما أننى كنت ذات يوم، ومازلت. معجبا بالفيلم السينمائى بعنوان «الملك وأنا» المأخوذ من المسرحية الغنائية الشهيرة التى بقيت تحتل مكانها فى مسارح نيويورك عقودا عديدة.
كان خيال الكاتبين خصبا، ولكنهما قدما بالفعل صورة قريبة من واقع الحياة فى البلاط الملكى التايلاندى، حيث إرادة الملك لا تعلو عليها إرادة وكلمته لا ترد، وفى النهاية يقع الملك أسير الرقة والقدرية والجمال شأنه شأن أى إنسان عادى.
أما العامل الثانى الذى ساعد فى تكوين انطباعاتى عن بلاد سيام فكان أهلها. ظللت لفترة طويلة منذ زيارتى الأولى أعتقد أنه لم يخلق شعب آخر بالطيبة والدعة والنعومة التى يتسم بها الشعب السيامى، رجاله ونساؤه على حد سواء.
رأيتهم فى الريف التايلاندى وسط حقول الأرز الغارقة معظم الوقت تحت المياه، ورأيتهم فى الجبال والغابات يزرعون الفواكه المدارية، كما رأيتهم فى المدينة الكبيرة صاحبة الصيت الذائع والليل الساحر، ولكن أيضا صاحبة سمعة الرطوبة الفائقة..
هناك فى هذه المدينة حيث ترتفع البنايات الحديثة إلى عنان السماء وقد شيدت فى غير نظام، تماما كما يتحرك الزحام فى الشوارع بغير نظام حتى تكاد من فرط الزحام والتنوع فى شارع معين تنسى هوية المدينة والناس. ترى كافة وسائل النقل التى يمكن تصور وجودها، ولكن يستحيل أن تتصورها متجمعة فى مكان واحد، إلا ربما فى بعض المدن المصرية، وإن عاشت حتى عهد قريب من دون «التوك توك»، هذا الاختراع السيامى الأشهر.
لا أذكر أننى عندما كنت أمشى وسط هذا الزحام مختنقا بالرطوبة ومنبهرا بالابتسامات التى تكتسى بها كل الوجوه، شاهدت يوما اشتباكا أو مشاجرة أو خناقة بصوت عال. كنت أقول، لعلها البوذية وكانوا يقولون إنها الاحترام المتبادل بين البشر.
حلت العولمة وكتب توماس فريدمان الكاتب الأمريكى المعروف عن وصولها إلى أرصفة بانجكوك حيث النساء كبار السن يفترشن الأسفلت وأمامهن تصطف علب مالبورو المهربة أو المرخصة. كان فريد مان منبهرا بالعولمة وبخاصة بالتغيير فى سلوكيات أهالى جنوب آسيا ومنطقة الخليج العربى. كان مؤمنا بأن العولمة الطريق الوحيدة المتاحة لنهضة شعوب آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. هو الآن مهتم بالهند والصين، ولا يشير إلا عابرا إلى تايلاند وإندونيسيا وماليزيا، الدول التى ركز اهتمامه عليها فى عقد التسعينيات.
ليته يزور بانجكوك الآن حيث يعسكر فى وسطها عشرات الألوف من نساء ورجال يرتدون قمصانا حمر ويطالبون بالتغيير. بدأت حركتهم مسيرات واعتصامات احتجاجية لأسباب اجتماعية واقتصادية وتطورت إلى مطالب بحل البرلمان وإجراء الانتخابات. ثم نزل الفلاحون إلى المدينة، ومدن أخرى، يطالبون بأكثر مما يطالب به فقراء المدن حتى بات واضحا أن فى البلاد فتنة طبقية سياسية، طرف فيها يمثل الطبقة الحاكمة وطرف آخر يمثل فقراء تايلاند.
يقول خبراء فى شئون تايلاند، إن السنوات الأخيرة شهدت انقسامات طبقية خطيرة تجاوزت كل الحدود، حتى أن أحدهم وصف الاعتصام طويل الأمد فى وسط بانجكوك بأنه «كوميون باريس» يبعث مجددا بعد قرن ونصف وفى آسيا. يقول خبير آخر إن المسألة أبسط من كل هذه التبريرات الطبقية، فما يحدث فى بانجكوك حاليا، ورغم سقوط قتلى عديدين واغتيال قوات الجيش لضابط منشق انضم إلى المتظاهرين، لا يزيد على أن الفساد استشرى فى البرلمان حتى فقد دوره وثقة الشعب فيه، ولم يجد الناس بديلا من الخروج إلى الشارع لعرض مطالبهم.
أتصور أن عناصر اجتمعت على امتداد السنوات الأربع الماضية فشكلت التربة الصالحة لنشوب تمرد شعبى واسع. من هذه العناصر انفراط الإجماع الوطنى واتساع الفجوة بين طبقة رأسمالية توحش بعض أطرافها وطبقة من الفقراء ازدادوا فقرا تنافس على كسب ودها سياسيون متخاصمون.
إلا أن العنصر الأهم فكان التغير الذى أصاب مكانة ملك البلاد. كان الملك يحكم ويملك، وكانت له شعبية فائقة، وكان يقوم بدور خصص له، دور فى مرتبة ما فوق المؤسسات الدستورية والتقليدية، وهو التوسط بين القوى الاجتماعية والسياسية وحل المشكلات التى تنشب بينها. كان الملك، على امتداد فترة حكم تجاوزت أربعة وستين عاما، القوة الحقيقية فى الدولة قبل أن يفقدها لاعتبارات أهمها التقدم فى السن، إذ إنه مع تقدم الملك فى السن وضعف صحته ولأهمية مكانته فى الدولة حاولت كل الأطراف استخدام مكانته وتزييف قرارات وتوجيهات صادرة باسمه.
وحاولت المؤسسة العسكرية التدخل باسمه مرات معتمدة على تجارب سابقة حين كان الملك يستخدمها فعلا للتدخل وحسم الخلافات كما حدث فى عامى 1973 وفى 1992. وحاولت «البيروقراطية الملكية» التدخل باسمه مرارا لتثبيت مصالحها وزيادة ثرواتها. نشأت «البيروقراطية الملكية» من تحالف بين رجال القصر وعائلة الملك وبعض رجال الأعمال وعدد من كبار المسئولين فى الدولة. كذلك حاولت التدخل باسمه قيادات نقابية وفلاحية باعتبار سمعته كنصير الفقراء وحامى مصالحهم من جشع الطبقة الحاكمة.
فى كل الأحوال، تدهور حال الملك إلى حد لا يسمح له بالتدخل الفعال، الأمر الذى جعل القوى السياسية تفكر فى رفع مستوى مطالبهم إلى مطلب تغيير النظام القائم، بمعنى إلغاء الملكية كنظام حكم، بل إن وزير الخارجية كاسيت بروميا خرج أمام حشد من الأكاديميين فى جامعة جونز هوبكنز بواشنطن قائلا إنه يجب أن تتوفر فينا الشجاعة لنناقش بصراحة مستقبل النظام الملكى فى بلادنا.
لقد تعود الشعب لمدة طويلة على أن يقوم الملك بحل المشكلات.. حان الوقت لينضج هذا الشعب ويحل مشكلاته بنفسه ويفكر فى إصلاح النظام الملكى كمرحلة أولى ليكون أكثر اتساقا مع عصر العولمة بإيجابياتها وسلبياتها.
لن تفيد عودة ثاكسين شيناواترا رئيس الوزراء المنفى ذاتيا هربا من عقوبة السجن وصاحب الشعبية الفائقة بين الفلاحين. الناس عامة قد تحن إلى عصر أو مرحلة معينة، ولكنها تتمنى فى قرارة نفسها أن لا يعود العصر أو المرحلة. يكفيهم صيتها رصيدا فى معركتهم من أجل التغيير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.