يبدو أن المشكلات التى تواجه الآثار المصرية فى الأقاليم واحدة، فجملة التعديات ومظاهر الإهمال وتجاهل المواقع والاكتشافات الأثرية التى فجرتها «الشروق» قبل أسبوعين فى محافظة بنى سويف، تم الكشف عن نسخة أخرى منها فى محافظة كفر الشيخ. حيث انطلقت بالتزامن فى منتصف أبريل الماضى صرختا كل من محافظ بنى سويف د. سمير سيف اليزل، ومحافظ كفر الشيخ اللواء أحمد زكى عابدين، اللذين استنكرا تجاهل المجلس الأعلى للآثار برئاسة د. زاهى حواس للآثار الموجودة فى محافظتيهما، والتقاعس عن ترميم وتجهيز المتحف الخاص بكل محافظة، الأمر الذى يترتب عليه، استمرار حشر الآثار داخل المخازن، وجعلها عرضة للنهب، فضلا عن حرمان أبناء المحافظة من المنافع المادية والأدبية التى كانت ستعود عليهم من عرض هذه الآثار بمتاحف خاصة بها. لكن الجانب الأخطر فى كفر الشيخ يتعلق بالآثار الثابتة أو الثقيلة، التى يصعب نقلها للمخازن لأن أوزانها تتجاوز الأطنان، فيتم الاكتفاء بتركها فى العراء، عرضة لكل الكوارث الطبيعية، كالزلازل والسيول، وعوامل التعرية والمياه الجوفية، فضلا عن تعديات الأهالى المنتشرين حول مناطق الكشوف الأثرية بالمحافظات. مائدة الآثار «الشروق» رصدت فى الحلقة الأولى من ملف الآثار المهملة فى الأقاليم، مجمل هذه المشكلات فى محافظة بنى سويف، أما فى كفر الشيخ فكانت المهمة أصعب، حيث لم يبد المحافظ زكى عابدين ترحيبا بفتح هذا الملف داخل محافظته، فيما رفض مدير عام الآثار بالمحافظة، د. محمد عبدالرافع الحديث ل«الشروق» نهائيا، وتعامل مع صحفيى الجريدة بشكل غير لائق لدرجة أنه طردنا من المكان. ورغم أن معظم العاملين بالإدارة التى يترأسها عبدالرافع، كانوا مصطفين حول مائدة إفطار طويلة من الفول والطعمية، رفض المدير العام استقبال مندوبى الجريدة بحجة أن لديهم اجتماعا، ويبدو أنه كان يقصد بذلك اجتماعهم على الإفطار!. ولم يقف الأمر عند ذلك، حيث استعمل عبدالرافع الصوت العالى والعنف اللفظى مع مراسل الجريدة بالمحافظة محمد نصار، مشددا على رفضه الحديث عن أى موضوعات تتعلق بإدارته. أمام تعنت المسئولين بمحافظة كفر الشيخ، لم يكن أمامنا سوى الاعتماد على مشاهداتنا الخاصة، ومحاولة تتبع الشكاوى التى رددها الأهالى، ونواب البرلمان، والمحافظ ذاته، الذى شهدت الفترة الماضية تبادلا للاتهامات بينه وبين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بسبب تعطيل العمل بمتحف المحافظة المشيد منذ ما يقرب من عشر سنوات، بتكلفة تتراوح مابين 4 و7 ملايين جنيه، لكنه لم يكن مستغلا سوى كقاعة أفراح، بينما آثار المحافظة تأكلها الرطوبة والعراء. تصعيد واتهامات متحف كفر الشيخ أو قاعة أفراحها طبقا للواقع، كان المحطة الأولى فى جولتنا بالمحافظة، وبصعوبةٍ بالغة استطعنا أن نخطف دقائق أو ثوانى قليلة داخله، بسبب رفض ممثلى شركة الإنشاءات الموجودة السماح لنا بدخول المكان، ولاحظنا اتساعه، وتميز موقعه فى مدخل مدينة كفر الشيخ، ملاصقا لحديقة صنعاء الشهيرة، وهى الحديقة التى طالبت الآثار بتخصيص المدخل المشترك بينها وبين المتحف للأخير فقط، واستجابت المحافظة مؤخرا، وبذلك يكون حظه أفضل من متحف بنى سويف الذى كان مطموسا من كل جوانبه بالمبانى، والمياه الجوفية التى كادت أن تأكل الآثار، الغريب هو أن المتحف فعلا كان تصميمه على هيئة قاعة أفراح، حيث يوجد به «بيست» لوقوف الدى جى وإجلاس العروسين. وكانت الأيام القليلة الماضية قد شهدت تصعيدا فى المواقف والتصريحات بين كلٍ من عابدين وحواس بسبب المتحف، ففضلا عن إلقاء كل طرف مسئولية تعطيل الانتهاء من المتحف ووضع الآثار داخله على الطرف الآخر، وصل التعنت إلى حد رفض تسليم موقع المتحف لشركة الإنشاءات المكلفة بتجهيزه. وهى المسئولية التى حملتها كل من المحافظة وهيئة الآثار للأخرى، ولكن المحافظ رفض الحديث مع «الشروق» عن تفاصيل المعركة التى احتدمت بين المجلس الأعلى للآثار والمحافظة مكتفيا بقول «كله هيتحل إن شاء الله». تل المهملين أما المحطة الأبرز فى جولتنا بالمحافظة فكانت زيارة تل الفراعين، الذى يعد أكبر تلال كفر الشيخ، حيث تبلغ مساحته 176 فدانا، ويقع شمال مدينة دسوق على بعد خمسة كيلو مترات من قرية العجوزين. فى هذا التل وجدت مدينة (بوتو) التى كانت عاصمة للوجه البحرى قبل عصر التوحيد، وهو يرجع لعهد رمسيس الثانى، حيث تم تنصيبه للعرش فى المعبد الموجودة بقاياه بالتل. رغم هذا فإن التل الذى يحتوى على عدد من المواقع الأثرية المهمة، يعانى إهمالا شديدا، ترتب عليه العديد من المشكلات. حيث إن معظم القطع الأثرية التى تم اكتشافها منذ الثمانينيات متروكة فى العراء، عرضه للسلب والنهب، ولظروف الجو السيئة من أمطار وغيرها، فضلا عن مشكلة الرطوبة والمياه الجوفية الناتجة عن قرب التل من البحر المتوسط وبحيرة البرلس التى أدت إلى تآكل الآثار وتفتتها وضياع معالمها. كما أن التماثيل ملقاة على ظهورها بالأرض، ولا يوجد فى حراستها سوى خفير يجلس فى غرفة مجاورة لمنطقة التل، كما أن الكثير من التماثيل يتضح عليها آثار عنف وضاعت منها أجزاء سواء بسبب السرقة والمتاجرة فى الآثار، أو بسبب عدم تقدير الأطفال لأهمية تلك الآثار ولهوهم عليها. ورغم أن الإسراع بإنجاز متحف كفر الشيخ، كان سيحل بعض المشكلة بنقل ما يمكن نقله من الآثار الموجودة بتل الفراعين إليه، ظل العمل أو الاستفادة من المتحف معطلة لما يقرب من عشر سنوات، وذلك بدلا من التفكير فى إنشاء متحف ثان داخل المنطقة الشاسعة بالتل، حتى لا تتعرض الآثار الثقيلة للأخطار الناجمة عن عملية النقل. الجدار العازل أمام كل هذه المخاطر والعبث الذى تتعرض له آثار منطقة تل الفراعين، اكتفت هيئة الآثار بتشييد سور طويل حول المنطقة تكلف بالطبع ملايين الجنيهات لكنه لم يترتب عليه سوى إفراز العديد من المشكلات، تجاوزت مجالها الأثرى وامتد تأثيرها إلى الأهالى والسكان المحيطين به. فقد تضررت الآثار المدفونة فى باطن الأرض، بفعل استخدام المعدات الثقيلة فى الحفر والبناء مثل الكراكات واللوادر، والتى أدت إلى تدمير ما اعترض مسار السور من آثار فى باطن الأرض. فضلا عن أزمة تعديات وانتهاكات الأهالى أصحاب الأراضى الزراعية المجاورين للتل، الذين حولوه إلى مرعى لأغنامهم ومواشيهم. لكن التعدى الأخطر الذى أخبرنا به الأهالى هناك يتمثل فى قيام أصحاب الأراضى الزراعية، باستقطاع أجزاء من التل وضمها إلى أراضيهم من خلال نقل حدودها إلى داخل المنطقة الأثرية بتل الفراعين. وكذلك بناء مدافن الموتى بالمنطقة الأثرية، وخلال سنوات التسيب والإهمال ضاعت أجزاء كبيرة من منطقة تل الفراعين دون رادع أو مساءلة من أحد. كسر تمثال أبى الهول الإهمال ليس فقط فى ترك الآثار عرضة للنهب ولكنه وصل حتى إلى عملية نقل الآثار، حيث تعرضت إحدى القطع الأثرية المهمة التى تنتمى لتل الفراعين مطلع العام الحالى، وهو تمثال أبى الهول، الذى يرجع لعصر الملك «هكر» للكسر إلى نصفين. وذلك أثناء محاولة نقله بمعرفة إدارة الآثار بالمحافظة إلى المخزن المتحفى لعرضه فى المتحف الجارى إنشاؤه، لكن عملية النقل التى تمت عن طريق ونش دخل إلى منطقة المعبد، تسبب فى كسر التمثال المصنوع من مادة الجرانيت الأسود إلى نصفين، وبالطبع جرى وقتها التعتيم على الواقعة وأُشيع أن التمثال اكتُشفَ على هذه الحالة، وأُعدَّ تقرير بذلك. حيوانات نافقة بأرض الآثار وبالانتقال إلى منطقة «مطوبس» الأثرية بالمحافظة، وجدنا 55 فدانا، استقبلنا على مدخلها العديد من جثث الحيوانات النافقة الملقاة على أرضها وتبعث روائح كريهة، ويدل المنظر على أنه لم تطأ قدم أى مسئول أثرى أرض هذه المنطقة منذ عصر الرومان. كما أننا وجدنا مجموعة من الصبية يلهون بالمنطقة التى هى عبارة عن تلال من التراب مكسوة بكسر الأوانى الفخارية التى كان يستخدمها الفراعنة والرومان من بعدهم، وتحت التراب تظهر العديد من أجزاء الآثار الثابتة التى تبحث عن مكتشف، وينبت حول الآثار الكثير من العشب الصحراوى الذى ترتع بينه الثعابين والحيات، وبالفعل تعرضنا لهجوم من أحد الثعابين خلال تفقدنا للمنطقة. وأخبرنا الصبية بأن الحفر المنتشرة فى المنطقة قام بها من يتاجرون بالآثار والذين يأتون إلى المنطقة المهجورة فى عز الظهر وينقبون عن الآثار ويستولون عليها، لدرجة انه فى كل متر بالمنطقة توجد حفرة. هذا ومن المعروف أن محافظة كفر الشيخ تشتهر بزراعة محاصيل تحتاج فى ريها إلى غمر كامل بالمياه لفترات طويلة مثل الأرز، هذه المياه بما تحمله من أسمدة وكيماويات، دمرت ولا زالت تدمر آثار المناطق المجاورة لها. أخيرا فإن هذه المشكلات، نضعها الآن بين يدى د. زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار، الذى من المؤكد أنه على علم بها أكثر منا، ونكرر مناشدته إنقاذ آثار مصر المظلومة فى الأقاليم، بنفس حرصه على إنقاذ الآثار المصرية المنهوبة فى الخارج، حتى لا تلاقى نفس المصير