معنى النكبة فى الجوهر تحريض على استرجاع المقاومة ووحدة مرجعيتها واستعادة الارتباط مع مسيرة الوحدة العربية.أضع اليوم عنوان «معنى النكبة» بين هلالين لأن من صاغ هذا العنوان هو أستاذنا المرحوم قسطنطين زريق، الذى أرسى مسيرة فكر القومية العربية المرتبط بالنهج التقدمى المترافق مع مستلزمات التطور والقدرة على التكيف مع المستجدات. فعندما كتب الدكتور زريق معنى النكبة، اعتبر اغتصاب فلسطين من قبل المشروع الصهيونى ينطوى على أخطار تتجاوز فلسطين، وبالتالى تحريف التوجه بالانزلاق إلى الاستقالة من العمل المنظم لقيام الوحدة العربية. واليوم إذ نشاهد ما تقوم به الجماهير الفلسطينية فى المسيرات التى انطلقت لمناسبة مرور 62 عاما على النكبة، نرى أن الوحدة الوطنية آخذة باستعادة نجاحها مع بدايات تصميم على تجاوز ما يفرق بين فصائل المقاومة الفلسطينية، والتأكيد على ما يجمع كما رأينا قبل أيام المسيرات المشتركة التى قادتها فى غزة حماس وفتح، كما فى القدس حيث تم التلاحم الوحدوى شعورا وسلوكا وعملا بين من أشعرهم المشروع الصهيونى بأنه قادر على شطب هويتهم العربية، والتأثير بصلابة تمسكهم بأرضهم داخل ما يسمى «الخط الأخضر» ومن ثم التناغم مع إصرار متنام على حق العودة. أجل إن وحدة مكونات قطاعات الشعب الفلسطينى تجلّت فى كل أنحاء فلسطين التاريخية. وبالتالى فإن النكبة تؤكد على وحدة الشعب الفلسطينى وهويته العربية، وعلى مصيره المشترك مع شعوب أمته. صحيح أيضا أن يوم تذكر النكبة الذى شاهدناه يوم الجمعة الماضى يجب ألا يكون نهاية المطاف بل نقطة الانطلاق، لأنه ليس المطلوب مجرد التعبير والتأكيد على أن الذاكرة الجماعية قائمة، بل الأهم أن تكون الذاكرة قادرة، وقادرة على إخراجنا من الاكتفاء بذكرى النكبة. هذا هو المعنى الحقيقى لما يجب أن ينطوى عليه يوم 15 مايو من هذا العام. والأهم أن نباشر فورا على المستوى الوطنى الذاتى، وعلى المستوى العربى عامة عملية مراجعة نقدية لما نحن عليه من تشرذم فى صفوفنا، فلسطينيا وعربيا وتبعثر فى طاقاتنا، وتلعثم فى خطابنا وافتقاد الاستراتيجية العربية لرؤية قومية متماسكة، وأن هذه المعوقات فى سلوكنا وبين ما نقول فى العلن وبين ما نضمر تفسر ما نحن عليه من تآكل فى مصداقيتنا، واستساغتنا للطبطبة على العديد من قياداتنا، كونها ارتضت استبدال الممانعة المطلوبة بتوصيف «الواقعية المعتدلة»، حيث ثبت أن الواقعية تحولت إلى وقيعة و»الاعتدال» إلى عدم اعتدال فى الالتزام وإدمان على الكذب والفرقة. إن نقد الذات على المستوى الفلسطينى يجب أن يأخذ مداه من دروس مسيرات يوم النكبة. فالمراجعة تقتضى أن تعود الوحدة العضوية إلى مرجعية المقاومة الفلسطينية. وعندما نشير إلى مرجعية المقاومة فإن علينا إعادة الثنائية «احتلال ومقاومة»، ثم إن كون «إسرائيل» لا تعتبر نفسها كما أشرنا مرارا سلطة محتلة، فهى إذا سلطة مغتصبة تتصرف وكأن لها حق التملك. وهذا بدوره يؤدى إلى تصحيح فى بناء هيكلية وثقافة المقاومة الفلسطينية بشكل سريع قبل أن يستمر الضغط الأمريكى، خاصة الاستمرار فى ما وصف زورا ب«المفاوضات». الواقع أن مسيرات يوم النكبة بالأمس كشفت عن حالة سائدة من نقمة شعبية فلسطينية عارمة. لذا شاهدنا كيف وظفت النقمة إلى إيقاع السلطة الفلسطينية فى المصيدة الخانقة لاتفاقية أوسلو، هذه الاتفاقية التى كادت تحول السلطة إلى ما يمكن وصفه بمحمية أمريكية، ومقاومة الحكومة المقالة فى قطاع غزة إلى مجرد مسلسل من عمليات انتقامية مردودها فى كثير من الأحيان أكثر ضررا مما تلحقه بالعدو «الإسرائيلى». إذا أية مراجعة فى هذا الصدد لا مفر أن تكون نتيجة وحدة مرجعية المقاومة الفلسطينية بشتى تجلياتها اللاعنفية، واستنادها إلى شرعية القوانين الدولية وميثاق الأممالمتحدة، أى الكفاح المسلح أسوة بكل حركات التحرير. أما أن تبقى السلطة الوطنية مستمرة ب«المفاوضات» المباشرة وغير المباشرة فينبغى إيصال رسالة للشعب الفلسطينى كون يوم النكبة هو يوم فى السنة، وليس مقدمة لاسترجاع وحدة وثقافة المقاومة. لذا عندما تستقيم المعادلة داخل فلسطين عندئذ لن تعود هناك إفرازات مسيئة للعمل القومى العام.. لن يعود الأردن أولا، مصر أولا، لبنان أولا، وغيرها من الشعارات الساعية لديمومة التفكك بين الأقطار العربية والذى يستولد التفتيت داخل المجتمعات العربية، وما هو حاصل فى العراق والسودان والصومال واليمن إلخ، ليس سوى أحد مظاهر التفكك فى الواقع الفلسطينى الذى كان انشطاره فى السنوات الماضية المستحيل الذى حصل. معنى النكبة فى الجوهر تحريض على استرجاع المقاومة ووحدة مرجعيتها واستعادة الارتباط مع مسيرة الوحدة العربية، معنى النكبة اليوم استقواء بين وحدة المقاومة الفلسطينية ومشروع الوحدة العربية. فلنباشر بالمراجعة فورا إن أمكن!