أطفال وشباب المنيا يحتفلون على مسرح المحافظة بالذكرى 52 لانتصارات أكتوبر المجيدة    وفد «السياحة والآثار» يزور نقاط مسار العائلة المقدسة ببني سويف    متحدث الوزراء يحسم الجدل بشأن اتخاذ قرار لزيادة أسعار الكهرباء والوقود    هل علق ماكرون عبر مقطع فيديو رسمي على احتجاجات المغرب؟    مسؤول يكشف الجوانب «الأكثر تعقيدا» في محادثات خطة ترامب بشأن غزة    من الطفولة إلى ذاكرة الوطن.. حكاية بطل سطر التاريخ ب متحف السادات ميت أبو الكوم    الرئيس السيسي يتلقى اتصالًا من الرئيس التونسي للتهنئة بانتصارات أكتوبر    شاهد كواليس سفر منتخب مصر إلى المغرب لمواجهة جيبوتي    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعاطى المخدرات بمقهى فى دمياط    المعامل المركزية تتولى سحب عينات المخدرات من المرشحين لانتخابات النواب    خالد العنانى: تعاونت مع مساعدين أحيوا حلمى باليونسكو ونحتاج لمنظمة مؤثرة    وزيرة التضامن مهنئة خالد العناني بمنصب مدير اليونسكو: أسعدت قلوبنا وشرفت مصر    تدهور الحالة الصحية للدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر    آية سويلم تحصد الذهب في بطولة نيويورك للقوة البدنية    شاهيناز بعد طرح «إيد في إيد»: تعكس حبي لبلدي مصر    نعم، ولكن !    أمين الفتوى: أكتوبر ليس مجرد نصر عسكري بل تذكر يوم عظيم من أيام الله    أمينة الفتوى: المرأة المصرية نموذج فريد في التوازن بين البيت والعمل    نجاح فريق طبي بوحدة الجراحات الميكروسكوبية في إنقاذ يد شابة بعد بتر شبه كامل    ذا أثلتيك تكشف طبيعة إصابة ريس جيمس    سلة – الأهلي يهزم الأولمبي في دوري المرتبط    «البترول» تستعد لحفر بئر جديدة في البحر المتوسط    السعودية تتيح أداء العمرة لجميع حاملي التأشيرات ضمن مستهدفات رؤية 2030    نائب رئيس جامعة أسيوط يتفقد سير العمل بقطاع المكتبات الجامعية    سر صفاء الذهن..عشبة صباحية تمنحك تركيزًا حادًا وذاكرة قوية    خطوات التسجيل في برنامج الهجرة العشوائية إلى أمريكا 2026.. كل ما تحتاج معرفته عن اللوتري الأمريكي    شاهد فرحة 2735 نزيلا مفرج عنهم بعفو رئاسى فى ذكرى انتصارات أكتوبر    4 متهمين: جنايات المنيا تحجز قضية قتل واستعراض قوة.. للأربعاء القادم    موعد امتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل 2025-2026.. (تفاصيل أول اختبار شهري للطلاب)    تصادم ميكروباص برصيف كورنيش الإسكندرية وإصابة 8 أشخاص    عضو بالبرلمان الإستوني: الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل اختبارا قويا لحلف الناتو    منافسة شرسة بين 8 لاعبين على جائزة نجم الجولة السابعة فى الدوري الإنجليزي    «العمل» تعلن 720 فرصة عمل بسلسلة محلات شهيرة    أسعار الحديد في أسيوط اليوم الإثنين 6102025    موعد عرض مسلسل المدينة البعيدة الحلقة 32 والقنوات الناقلة في مصر    «عاوز الحاجة في نفس الثانية».. 3 أبراج غير صبورة ومتسرعة    "Taskedin" تطلق مبادرة لدعم 1000 رائد أعمال بالتزامن مع انطلاق قمة "تكني سميت" بالإسكندرية    الجريدة الرسمية تنشر عدة قرارات لرئيس مجلس الوزراء    آخر مستجدات مصير فيريرا مع الزمالك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة الأقصر    الأهلي يحدد 16 أكتوبر موعدا مبدئيا لرحلة بوروندي    هل تقدم جيفرسون كوستا بشكوى ضد الزمالك.. مصدر يوضح    ممثلًا عن إفريقيا والشرق الأوسط.. مستشفى الناس يشارك بفريق طبي في مؤتمر HITEC 2025 العالمي لمناظير الجهاز الهضمي العلاجية المتقدمة    وزير العمل: القانون الجديد أنهى فوضى الاستقالات    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير ورفع كفاءة نفق "كوبري السمك" بحي غرب شبين الكوم    أفلام لا تُنسى عن حرب أكتوبر.. ملحمة العبور في عيون السينما    3 علماء يفوزون بجائزة نوبل في الطب لعام 2025 (تفاصيل)    التوعية والتمكين وتحسين البيئة للعاملين ..أبرز حصاد العمل بالمحافظات    «الداخلية»: ضبط متهم بالنصب على مواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    نجم الزمالك السابق يعتذر لمحمد مجدي أفشة    نائبا رئيس الوزراء يشهدان اجتماع مجلس إدارة هيئة الدواء المصرية.. تفاصيل    «عبد الغفار» يشارك في ختام «مهرجان 100 مليون صحة الرياضي»    كجوك والخطيب: القطاع الخاص المصرى مرن وإيجابي وقادر على التطور والنمو والمنافسة محليًا ودوليًا    رئيس الوزراء الفرنسي بعد استقالته: لا يمكن أن أكون رئيسًا للوزراء عندما لا تستوفي الشروط    مياه القناة: تجارب عملية لمواجهة الأمطار والسيول والأحداث الطارئة في الشتاء    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو يُظهر اعتداء على مواطن وأسرته بدمياط    لماذا يستجيب الله دعاء المسافر؟.. أسامة الجندي يجيب    أسعار الخضراوات والفاكهة بكفر الشيخ الإثنين 6 أكتوبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نيفين النصيري تكتب: «الخواجاية» لفيموني عكاشة.. رحلة استكشافية عميقة بين الشخصي والعام
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 11 - 2024

«الخواجاية» (الصادرة عن دار الشروق) سيرة روائية غنية ومتعددة الأبعاد، تحمل فى طياتها مزيجًا فريدًا من التجارب الشخصية والتحليل الثقافى، مما يجعلها عملًا أدبيًا مميزًا. تتنقل السيرة بين الذات والآخر، بين الحاضر والماضى، لتكشف عن طبقات عميقة من الهوية والتفاعل الثقافى. تستعرض الكاتبة رحلة إنسانية مفعمة بالصراعات الداخلية والتحديات الثقافية، خاصة فى سياق التفاعل بين الثقافات الغربية (الهولندية) والشرقية (المصرية). مما يجعلها دراسة اجتماعية وسيكولوجية للنزاع الداخلى بين الاندماج والاحتفاظ بالهوية الأصلية. تتخذ فيمونى من سيرتها الذاتية ومن حياة والدتها «جيردا» الهولندية المقيمة فى مصر بعد زواجها من أنور مهندس النسيج المصرى، أداة لفحص أعمق لأبعاد الهوية، والاندماج الثقافى، والعلاقات الإنسانية. كما نستكشف من خلال الحكايات الشخصية لجيردا التحولات الاجتماعية والثقافية التى شهدتها مصر منذ فترة الحرب العالمية الثانية وحتى عصر ما بعد الثورة.
السيرة الذاتية والأبعاد الإنسانية
تبدأ الرواية بسرد تفاصيل دقيقة عن حياة والدتها جيردا، التى انتقلت من هولندا إلى مصر للزواج من أنور عكاشة، مشيرة إلى تحدياتها فى التأقلم مع ثقافة جديدة وسياق اجتماعى مختلف. تقدم فيمونى صورة لامعة عن الشخصية الإنسانية التى تتمتع بالقدرة على التكيف والتعاطى مع القيم والعادات المجتمعية الجديدة، كما تسلط الضوء على حبها العميق للموسيقى التى كانت ملاذًا لها فى الأوقات الصعبة. من خلال هذه التجربة، يعكس النص قدرة الإنسان على بناء هوية جديدة فى سياق ثقافى مغاير، وقدرة العلاقات الإنسانية، مثل علاقة جيردا بزوجها وأطفالها، على تشكيل مسارات الحياة. فى أحد الأمثلة، تصف فيمونى كيف كانت والدتها تواجه صعوبات فى تعلم اللغة العربية والتعامل مع العادات والتقاليد المحلية، ما يعكس الصراع الداخلى بين الرغبة فى الاندماج والاحتفاظ بالهوية الأصلية. وتبرز أيضًا علاقة جيردا بالموسيقى كوسيلة للهروب والتكيف، حيث كانت تقضى ساعات طويلة تعزف على التشيلو فى محاولة لخلق جو من الراحة النفسية.
أسلوب يجمع بين الواقع والخيال، الشخصى والعام، الماضى والحاضر
أسلوب السرد دقيق ومشحون بالعواطف، كما يتسم بالشفافية والحساسية، مع لحظات من الجرأة. هذه الديناميكيات بين الأم وابنتها، والمشاعر المتضاربة التى تنتج عن التباين الثقافى، تعكس صراعات نفسية داخليّة، وتثير تساؤلات حول مفهوم الهوية والانتماء فى عالم متغير. إن فحص العلاقة بين فيمونى ووالدتها جيردا يُبرز أيضًا كيف أن الذكريات، بالرغم من أنها مليئة بالألم، تظل تمثل مصدرًا للتواصل والتفاهم بين الأجيال. كما تقوم الكاتبة بتوظيف حكايات خالتها هيلدا لاستكمال الفجوات فى قصة والدتها، مما يتيح لها استكشاف جوانب جديدة من شخصية جيردا ويمنح الرواية بعدًا سرديًا غنيًا. فيمونى لا تكتفى بعرض صراع والدتها فى التكيف مع المجتمع المصرى، بل تذهب أبعد من ذلك لتطرح أسئلة فلسفية حول الانتماء والهوية، وكيفية بناء الذات وسط تضارب القيم الثقافية. وبينما تستعرض فيمونى الأحداث التاريخية التى أثرت فى الحياة اليومية، فإنها تدير أيضًا حوارًا مع التحولات الاجتماعية من مرحلة إلى أخرى، بدءًا من الحرب العالمية الثانية، مرورًا بحقب ما بعد الاستقلال والاقتصاد الاشتراكى، وصولًا إلى ثورة 25 يناير 2011. هذه التحولات تسلط الضوء على كيفية تأثر الهوية الشخصية بالنواحى السياسية والاجتماعية فى المجتمع.
كما تجمع «الخواجاية» بين عناصر السيرة الذاتية والرواية، مما يُضفى عليها عمقًا إضافيًا. تمزج فيمونى بين السرد الشخصى والتفاصيل الروائية لتقديم حياة والدتها جيردا بعمق إنسانى. بينما تسرد تفاصيل حقيقية عن طفولة والدتها وتجاربهما المشتركة، تضيف عناصر روائية تمنح القصة طابعًا أدبيًا، مما يساعد على إضفاء الحياة على الأحداث والشخصيات. وهذا يمكّن القارئ من الدخول فى عوالم متعددة، تجمع بين الذكريات والتجارب الخاصة وتاريخ مصر فى أزمنة مختلفة.
بناء الهوية والتحولات الثقافية
رواية «الخواجاية» ليست مجرد سرد شخصى بحت؛ إنها أيضًا مرآة للتحولات الاجتماعية والثقافية التى مرت بها مصر فى حقب زمنية مختلفة. يلاحظ كيف أن السيرة الذاتية تتخطى الأبعاد الشخصية لتغدو تعبيرًا عن التفاعل بين الأفراد والمجتمع تقدم فيمونى فى سطور النص صورة غنية عن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت مدينة المحلة الكبرى فى الستينيات والسبعينيات مكانًا يلتقى فيه الغرب بالشرق؛ حيث التقاليد الغربية تجتمع مع الثقافة المصرية المحلية. من خلال تجارب والدتها، تكشف الكاتبة عن حقبة زمنية مليئة بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتطرح تساؤلات حول دور المرأة الغربية فى مجتمع شرقى وكيف يمكن للثقافات أن تتداخل وتؤثر فى تشكيل الهويات. فى مثال آخر، تصف فيمونى تفاصيل حياتها اليومية فى مصر وكيف كانت تواجه التحديات الاجتماعية والثقافية، مثل التمييز بين الجنسين والتقاليد المحلية. هذا الوصف يعكس كيفية تأثير السياقات الاجتماعية والسياسية على الهوية الشخصية والجماعية.
الصراع مع المرض: مرثية الأم
هذا الجزء من السيرة لا يقتصر على كونه توثيقًا لمعاناة عائلية، بل هو أيضًا محاولة لفهم كيف يُعيد المرض تشكيل الروابط الأسرية، ويُعيد النظر فى مفهوم الحياة والموت. الرواية تتعامل مع موضوع المرض بطريقة تجريدية؛ حيث يمثل المرض نقطة تحوّل حاسمة فى مسار السرد. يعكس هذا التحول العمق العاطفى للرواية، حيث يتحول الألم إلى مرثية حقيقية للأم ولعلاقة الأم بابنتها. هذه المرحلة من الكتابة تقدم سردًا يعكس الصمود والحب العميق فى مواجهة النهاية المحتومة، مما يُضيف بُعدًا إنسانيًا عميقًا للرواية. تتسم هذه المرحلة بالشفافية فى التعبير عن المشاعر، مما يعزز من تأثير الرواية ويجعلها أكثر قربًا من القارئ.
التفاعل الثقافى والأنثروبولوجيا الذاتى
تُعد «الخواجاية» مثالاً بارزًا على ما يعرف بالأنثروبولوجيا الذاتية (Autoethnography) وهى نوع من الكتابة التى تستخدم التجربة الشخصية كأداة لفهم الأنماط والتحولات الثقافية والاجتماعية الأوسع. وهكذا تكشف لنا «الخواجاية» من خلال أسلوبها السردى المبتكر، كيف أن الذكريات ليست مجرد مرآة لما مضى، بل هى مفتاح لفهم الحاضر والمستقبل. وتقدم لنا تجربة إنسانية فريدة وغنية تلامس أعماقنا، وتدفعنا للتساؤل عن مكاننا فى هذا العالم الذى تتداخل فيه الهويات والثقافات والتجارب. إنها رحلة إنسانية متكاملة، تنبض بالحياة، وتفتح الأفق على إمكانيات جديدة فرصة لرؤية العالم من زوايا متعددة.
د. نيفين النصيري
أستاذة بجامعة ويسكونسن ماديسن بالولايات المتحدة الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.