اختلاف رجال الدين في المملكة العربية السعودية حول شرعية عدم اختلاط الرجال والنساء قد يكون نقطة بداية ينطلق منها إصلاحيون موالون للملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عاهل السعودية لتطبيق المزيد من الإصلاحات الاجتماعية في المملكة المحافظة. ظهرت الانقسامات حين عدلت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قرار إعفاء أحمد الغامدي رئيس الهيئة في منطقة مكة. وقال محللون سعوديون ودبلوماسيون إن قرار العدول عن الإعفاء جاء من الدائرة المقربة من العاهل السعودي إن لم يكن من الملك شخصيا. وبعد أن افتتحت المملكة أول جامعة مشتركة للبنين والبنات في سبتمبر، وهو مشروع يرعاه الملك عبد الله، نشر الغامدي ورقة بحثية شككت في شرعية الفصل بين الجنسين في الإسلام بالطريقة التي تطبقها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال الخالد الدخيل، الكاتب السياسي السعودي المرموق: أجبرت الهيئة على سحب قرار إعفاء الغامدي، وهذا من شأنه أن يقوي دور الدولة. وأضاف أن: تأثير الدولة آخذ في التطور، في حين أن دور المؤسسات الدينية يتراجع، والسبب ببساطة هو تراجع رأيها في القرارات التي تتخذها الدولة. ويحكم آل سعود المملكة بالتحالف مع رجال دين ينتمون إلى التيار الوهابي المتشدد في الإسلام ويشرفون على المساجد والقضاء والتعليم بالإضافة إلى إدارة المطوعين. وتعمل شرطة وزارة الداخلية مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضمان عدم اختلاط الرجال والنساء الذين لا تربطهم صلة قرابة وضمان ارتداء النساء الحجاب والتأكد من تطبيق الشريعة الإسلامية، بما في ذلك حظر الخمور، كما لا يسمح للنساء في السعودية بقيادة السيارات. ويواجه حكام السعودية -أكبر مصدر للبترول في العالم- مسألة إضفاء قدر من الاعتدال على المدرسة الوهابية منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على الولاياتالمتحدة التي كان غالبية منفذيها سعوديين، وبعد ظهور تشدد القاعدة ضد الحكومة السعودية عام 2003. وينظر إلى الملك عبد الله على أنه من مؤيدي الإصلاحات لتخفيف بعض المعتقدات الوهابية المثيرة للجدل، ويقول محللون ودبلوماسيون إنه يلقى مقاومة من أمراء سعوديين كبار متحالفين مع المؤسسة الدينية القوية. وكان العاهل السعودي قد فصل عضوا في مجلس كبير لعلماء الإسلام في أكتوبر لأنه طالب بأن يراجع رجال الدين مناهج الدراسة للجامعة الجديدة. وقال مسئول كبير في الحكومة السعودية: "من شأن موضوع الغامدي أن يحفز تطورا كبيرا. يجب ألا تتفاجأوا إذا طلب الملك من مجلس الشورى البت في قضايا عدم الاختلاط وقيادة النساء للسيارات، هذا يمثل السبيل الأمثل للعائلة المالكة من أجل تجنب الاصطدام بالمؤسسة الدينية حول هذه القضايا". ودافع الغامدي عن آرائه بالاستشهاد بأحاديث نبوية، لكن منتقديه يقولون إنه ليس مؤهلا للحديث في الأمور الدينية. ودرس الغامدي المحاسبة وتسلق الدرجات داخل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويعتبر المتشددون من رجال الدين في المملكة قضية عدم الاختلاط بين الجنسين وضرورة مرافقة محرم للنساء في الأماكن العامة خطا أحمر سيقاتلون من أجله. وفي فبراير الماضي دعا الشيخ عبد الرحمن البراك، وهو رجل دين مستقل بارز، إلى إعدام المعارضين لعدم الاختلاط إذا لم يتخلوا عن آرائهم. ويُنظر إلى المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مستشار الدولة والمتحدث في الشؤون الدينية، على أنه حليف للملك عبد الله، لكنه ليس مستعدا للخروج عن المذهب الوهابي المتشدد بشأن عدم الاختلاط والمحارم. وقال جمال خاشقجي، رئيس تحرير صحيفة الوطن: "ما يجري الآن هو نقاش صحي داخل الهيئة. هذا تطور. هذا شيء ايجابي جدا للمملكة كلها".