اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    «الألماني للسياحة»: توقعات بزيادة الليالي السياحية خلال بطولة يورو لكرة القدم يوليو المقبل    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    مصدر مصري رفيع المستوى: استكمال المفاوضات بين كافة الأطراف بالقاهرة اليوم الأربعاء    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بسبب أولوية المرور في القليوبية    موقف مُحرج.. ياسمين عبدالعزيز تفسد فقرة إسعاد يونس بسبب «الرنجة والملوحة»    الأبراج التي تتوافق مع برج العذراء في الصداقة    شاهد.. أنغام تكشف عن جلسة تصوير بفستان حفل أوبرا دبي المميز    كاظم الساهر يحيي حفلًا غنائيًا في مصر الشهر المقبل    إغلاق المعبر سيفاقم الأزمة|ملك الأردن يطالب من واشنطن بمنع اجتياح إسرائيل لرفح    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    الخارجية المصرية: توقيت تصعيد الجانب الإسرائيلي الأحداث في رفح الفلسطينية خطير للغاية    عزت إبراهيم: مصر تحاول حل الأزمة الفلسطينية ورؤيتها شاملة ومنفتحة    أسامة كمال يشيد بدور الشيخ إبراهيم العرجاني ويترحم على نجله الشهيد وسيم    ماركينيوس: كنا نريد التتويج بالثلاثية.. والتفاصيل الصغيرة هي التي تحسم أبطال أوروبا    الكرخ: نرفض عقوبة صالح جمعة القاسية.. وسلكنا الطرق القانونية لاسترداد حقوقنا    طبيب الأهلي يكشف تفاصيل إصابة الثنائي ربيعة وكوكا    بالصور.. تكريم لبلبة وسلمى الشماع في ختام مهرجان بردية لسينما الومضة    مجلس المصري يتمسك بحقه في المشاركة الأفريقية حال اعتماد ترتيب الدور الأول    تشيلسي يستهدف ضم لاعبين من نادي بالميراس البرازيلي |تفاصيل    لهذا السبب.. غياب مدافع الأهلي عن مباراة بلدية المحلة المقبلة    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الجيزة، الجمعة    رحلة فرحة وتلاحم: أجواء عيد الأضحى في أرض العراق العريقة    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    «الداخلية»: تشكيل فريق بحث لكشف ملابسات مقتل رجل أعمال كندي    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    أسامة كمال يتلقى رسائل خاصة من أهالي سيناء وإشادة بدور الشيخ إبراهيم العرجاني    أسامة كمال: سبق والتقيت بالشيخ إبراهيم العرجاني في 2015.. رجل بسيط ووطني.. ولا تنسوا ابنه الشهيد    سليمان جودة: بن غفير وسموتريتش طالبا نتنياهو باجتياح رفح ويهددانه بإسقاطه    ياسمين عبد العزيز: النية الكويسة هي اللي بتخلي الشغل ينجح    تكريم لبلبة وسلمى الشماع في ختام مهرجان بردية لسينما الومضة    اليوم.. ذكرى رحيل فارس السينما الفنان أحمد مظهر    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    النفط يتراجع مع استئناف الحكومة الأمريكية شراء النفط لاحتياطيها الاستراتيجي    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات عبدالوهاب المنسية
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 03 - 2024

اكتشفت محمد عبدالوهاب أولًا كملحن من خلال صوت مطربنا المفضل عبدالحليم حافظ، وكنا نظن كأطفال أن عبدالحليم هو الذى يمنح فرصة التألق لعبدالوهاب، فيضحك أبى ويقول إن عبدالوهاب هو «الأستاذ»، وهو الأصل الذى خرج منه كل التلاميذ، ويحدثنى بسعادة عن ذهابه طفلًا مع جمع من أهل قريته فى الصعيد، لكى يشاهدوا فيلم «الوردة البيضاء».
بدأت تدريجيًّا فى تذوق أغنيات عبدالوهاب القديمة، فأصبحت من المريدين والعشاق، ثم فتنت بشخصية عبدالوهاب وحكاياته ودعاباته، فصرت أطرب لحواراته ولصوته متكلمًا، مثلما أطرب لأغنياته وألحانه، ويحضرنى هنا رأى عمار الشريعى عندما ذكر أنه ما من فكرة كانت تخطر على بالهم، إلا ويجدون عبدالوهاب قد سبقهم إليها.
أسعدنى كأحد عشاق الأستاذ، مطرب القرن العشرين، على حد وصف الناقد الموسيقى الكبير كمال النجمى، أن يصدر عن دار المرايا كتاب «مذكرات الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب»، جمع وتحقيق وتقديم محمد دياب، متضمنًا ما نشر بقلم عبدالوهاب عن حياته، وعن الشخصيات التى عرفها، سواء فى مجلة «الاثنين الفكاهة والكواكب» فى عام 1938، أو فى مجلة «الكواكب» فى عام 1954.
محمد دياب المحرر الفنى المرموق لم يكتشف المذكرات فحسب، ولكنه قام بالتعليق عليها، وبتصحيح ما ورد فيها من وقائع، نتيجة السهو أو النسيان، وكتب مقدمة ممتازة، أقرب ما تكون إلى مختصر سيرة عبدالوهاب، وحكايات مذكراته المتتالية، المنشورة فى الصحف، والمبثوثة فى الإذاعة، أو فى التليفزيون، وكأن المقدمة ترتب ما جاء فى سرد عبدالوهاب العفوى، وتضع النقاط على الحروف.
فى المقدمة مثلًا ضبط التاريخ المنطقى لسنة مولد عبدالوهاب فى العام 1902، وليس 1910 كما كان يروّج، وفيها أيضًا جزء مهم وتفصيلى عن زيجات عبدالوهاب، خاصة زيجته الأولى السرية من السيدة زبيدة الحكيم، وهى سيدة ثرية حرصت على ألا يُعلن زواجهما، لأنها أرملة اشترط زوجها ألا تتزوج بعده، وإلا سيئول ميراثها منه إلى وزارة الأوقاف، وفيها أيضًا ذكر لشخصية مهمة للغاية هى محمود يوسف شمعون، شقيق الترزى الذى كان يعمل عنده الصبى عبدالوهاب، هذا الرجل تبنّى عبدالوهاب، وقدمه إلى فرقة فوزى الجزايرلى، لكى يغنى بين الفصول، بل إن شمعون تولى تدريب عبدالوهاب الصغير على الأغانى، وأقنع أسرته بالسماح له بالغناء تحت رعايته.
بين أوراق المذكرات المنسية نحو 16 عامًا، تكرست فيها أسطورة عبدالوهاب، لكن بين ما كتبه ملامح مشتركة، ففى المذكرات الأقدم فى عام 1938 يركز عبدالوهاب على الطرائف والفكاهات، وقد ضحكت كثيرًا مما كتبه من خلال سرد مدهش، ولا شك عندى فى أن عبدالوهاب كان أيضًا من ظرفاء العصر، ومن كبار الحكائين.
يقول إنه اختار منذ طفولته هيئة المتأمل الرزين والوقور، إلا أن فى داخله ابن بلد لماح، لا يفوت قفشة، حاضر البديهة، ولديه شجاعة نسبية لكى يتحدث عن شلاليت الناظر، وصفعات الأب والأخ الأكبر الشيخ حسن، وعن عشقه لفتاة جميلة، كان يلتقيها فى حديقة الأسماك، وعن دراسته الموسيقى فى معهد يديره أحد الخواجات، تحت ستار بعثة لوزراة المعارف، ودون أن يدفع مليمًا، ويحكى أيضًا عن مغامرة مليئة بالنزق والفوضى مع أحمد رامى.
ولكنه يقدم فى المذكرات الأولى أيضًا قراءة عظيمة لشخصية أستاذه ووالده الروحى أحمد شوقى، وفيها أيضًا دراسة مدهشة عن عبده الحامولى ومحمد عثمان، لا أعتقد أننى قرأت مثلها، تكشف عن فهم عميق للإضافة التى قدمها كل منهما، بل يقدم عبدالوهاب طريقة ذكية للتفرقة بين أعمالهما، والتى اختلطت على الباحثين، بسبب غنائهما لنفس الأدوار.
فى المذكرات الثانية، يحضر شوقى دائمًا بحكاياتٍ جديدة، ويقول عبدالوهاب، إنه تخرج فى ثلاث مدارس، هى: مدرسة الكتّاب، ومدرسة شوقى، ومدرسة محل حلوانى صولت، الذى اصطحبه إليه شوقى، وترددا عليه أكثر من مرة، وكان المكان أقرب إلى صالون للكبراء والشعراء، وهناك تعلّم عبدالوهاب الكثير بالصمت والاستماع.
ولكن تزيد فى المذكرات الثانية بورتريهات مكتوبة لشخصيات سياسية شهيرة، مثل مصطفى النحاس ومكرم عبيد، والأخير كان صاحب صوت جميل، وهو من لفت نظر عبدالوهاب إلى أهمية دور الكورس، فمنح عبدالوهاب الكورال دورًا مبتكرًا ومختلفًا فى أغنيته «القمح».
يتحدث عبدالوهاب أيضًا عن كراهية الملك فاروق له، بل وتهديد الملك بقتله، بسبب إعجاب النساء بالمطرب الكبير، وهناك أيضًا طرائف ظريفة للغاية عن كواليس أفلام عبدالوهاب.
يلفت النظر إلحاح عبدالوهاب على فكرة مهمة هى أنه يحب التلحين، وليس الغناء، وأنه يشعر بأن إضافته ستكون كملحن مجدد بالأساس، بل إن لقبه الأبرز كان منذ وقت مبكر هو «زعيم المجددين»، والذى كان ينافس لقبه الأشهر «مطرب الملوك والأمراء».
هناك وعى منه طوال الوقت بكل ما جدَّد فيه، ولذلك يربط إعجابه وانبهاره بسيد درويش بما قدمه من تجديد وإضافة إلى الغناء المصرى.
عمل عبدالوهاب مع سيد درويش فى فرقته المسرحية، لكن الفرقة فشلت، وحصل عبدالوهاب على سبعة قروش ونصف، نصيبه من الإيراد فى ثلاثة شهور، وأضاع فرصة أن يكون موظفًا فى هيئة المساحة، بعد أن «راحت عليه نومة»، وعمل مدرسًا للأناشيد فى المدارس، وكان من تلاميذه إحسان عبدالقدوس، ولجأ إلى تلحين الأخبار التى تنشرها جريدة «المقطم»، لأنه لم يكن يملك مالًا لشراء الكلمات من شعراء الأغانى.
رأيت فى المذكرات عبدالوهاب بطموحه وخفة ظله، وبحرصه على التعلم من الكبار: «شوقى بك مثلًا علّمه اللغة الفرنسية، وكان يحفّظه كل يوم كلمتين فقط.
كان عبدالوهاب أذنًا تسمع، وعقلًا يعى، وكان عبقريًّا فى زمن عباقرة».
كان يستحق مكانته، وكان الزمان يسمح بتلك المكانة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.