«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الشروق) تسجل أول جولة ميدانية لناشطي حملة جمع التوقيعات للبرادعي
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 04 - 2010

قبل أيام نظمت الحملة الشعبية لدعم محمد البرادعي في الدقهلية أول جولة في الشارع لجمع التوقيعات على بيان يطالب بالإصلاح السياسي في مصر.
اختارت الحملة جزيرة ابن سلام في بحيرة المنزلة، شمال الدقهلية. وعلى مدار ساعتين التقى 6 ناشطين من الحملة بعشرات الفلاحين والصيادين، ودارت مناقشات طويلة وشيقة، لإقناعهم بأن مستقبلهم رهن "تغيير هذا النظام الحاكم".
ربط الناشطون بين التوقيع على البيان، وبين تحسين ظروف المعيشة لأهالي ابن سلام، من توصيل خطوط الكهرباء التي لا تعرفها الجزيرة المظلمة، إلى توفير العلاج المجاني تعبيد الطرق.
الثانية والنصف ظهرا، اقترب موعد التحرك إلى الجزيرة. يجلس "الناشطون الثلاثة" على المقهى في انتظار مكالمة.
علي الطاولة فناجين القهوة والشاي وعلب السجائر.
"بصراحة، الماتش امبارح كان من حق الزمالك"، علي مقهي بمدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، كان وليد شوقي يوم السبت الماضي يناقش أحداث القمة الكروية 151 مع زميليه إحسان سلطان وأحمد البرماوي.
يضع أحمد أمامه كاميرا فيديو، في حين يحمل وليد علي ساقيه حقيبة رياضية داخلها أقلام، وتيشيرتات، وختامة حبر لجمع البصمات، ومئات النسخ من "توكيل البرادعي". يقول وليد أن الكثير من مكاتب تصوير الورق تخاف من تصوير التوكيل، إلا أن بعد قليل من البحث وجد محل لا يرفض طباعة التوكيل ويتعامل معه كأي ورقة عادية.
تطرق إحسان إلي الحديث عن أحوال المدرسة التي يعمل بها معلما للحاسب الآلي، بعد أن ترك عمله القديم كمعيد منتدب في جامعة الأزهر لأن "المرتب كان 180 جنيه في الشهر، وكنت بادفع نصفهم في المواصلات".
أما وليد فهو طبيب أسنان في سنة الامتياز يقول أنه يتمني أن يصير طبيبا ماهرا، "رغم إن طموحي الأكبر بعيد خالص عن الطب، وقريب من العمل السياسي".
البرماوي أصغرهم سنا مازال طالبا في جامعة المنصورة.
يتلقي إحسان المكالمة التي تخبره بوصول باقي الزملاء فيبدأ الثلاثة في حمل حاجياتهم استعدادا لبدء المهمة التي يخططون لها منذ أسبوع مع رفاقهم في الحملة الشعبية لدعم البرادعي بالدقهلية.
خارطة الطريق
الخطة هي اختيار منطقة سكنية والذهاب إليها دون إعلان مسبق لتعريف وإقناع أهلها بتوقيع توكيلات البرادعي المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، وفرض رقابة دولية علي الانتخابات وغيرها.
في المؤتمر الذي أقامه في منية سمنود في مارس الماضي، دعا البرادعي إلي التوقيع علي البيان كأولي خطوات الإصلاح. ليس للتوكيلات قيمة قانونية، ولكنها دليل إثبات علي رغبة قطاعات عريضة من الشعب في التغيير، علي حد وصف البرادعي.
"دي أول تجربة لينا في النزول للشارع بالطريقة دي"، طبقا لإحسان فالمرات القليلة السابقة لجمع توقيعات لتوكيل البرادعي في المحافظة كانت تتم من خلال إقناع الأصدقاء والمعارف، أو داخل الجامعة، أو علي هامش حدث سياسي مثل زيارة البرادعي لمدينة المنصورة واعتصام 6 إبريل.
يقول إحسان أن العمل داخل الحملة يتسم باللامركزية، "فكل مجموعة بتشوف الأنسب لشغلها حسب ظروف مكانها". الإعداد لهذه الجولة كان بمبادرة فردية من أعضاء الدقهلية، دون اتفاق مسبق مع حملة القاهرة التي ينسقها عبد الرحمن يوسف، أو أفراد "جبهة التغيير" التي ينسق أعمالها حسن نافعة.
خطوات ويصل الثلاثة إلي أتوبيس نقل عام ينتظرهم بداخله 3 فتيات من الحملة. مني عطية، طالبة الجامعة، ورشا بدوي، الخريجة التي لا تعمل، ترتديان تيشيرت 6 أبريل. والجامعية مني شوقي تضع صورة البرادعي على التيشيرت.
بحيرة السموم
يتحرك الأتوبيس حتي يصل إلي مركز المريوطية لتنزل المجموعة إلي مرسي متواضع بمدخل ترعة ضيقة متصلة ببحيرة المنزلة. يتفاوض وليد مع أحد المراكبية علي سعر التوصيلة إلي جزيرة داخل البحيرة.
يقول وليد أنه متفائل بأهل هذه المنطقة ويتوقع أن يكون استقبالهم لأعضاء الحملة إيجابيا. عندما زار وليد المطرية منذ سنتين في جولة للتصوير الفوتوغرافي الذي يحبه، ودون أي أهداف سياسية، عاد بذكريات جميلة.
"أول ما الناس شافوا الكاميرا استقبلوني كويس جدا، وعزموني علي شاي وأكل". يفسر وليد رد فعل أهل المنطقة وقتها بأنه مزيج من كرم الضيافة، وشعورهم بالتهميش والانقطاع عن العالم الخارجي، الذي يدفعهم للترحيب بكل من يشعرون أن له اهتماما شخصيا بهم، "ناس كتير افتكروا إني صحفي وبدأوا يحكولي عن مشاكلهم".
تتكدس المجموعة داخل مركب شديد الصغر، قارب خشبي يتحرك بقوة دفع موتور قوي جدا لا يتناسب مع جسم المركب المتهالك. "أنت تعالي شوية يمين، وعايزين واحد تخين شوية يقعد في الشمال"، يحاول المراكبي إعادة ترتيب الجالسين لحفظ التوازن بالمركب.
تمثل بحيرة المنزلة أحد أهم موارد الثروة السمكية في مصر، فهي تحتل موقعا متميزا بين محافظات بورسعيد ودمياط والشرقية والدقهلية. إلا أن أعمال التجريف والتعديات المتتالية علي البحيرة قلصت مساحتها من ربع مليون فدان إلي ما يقارب 100 ألف فدان فقط، في حين تولت الملوثات الصناعية بمصرف بحر البقر ومنطقة الاستثمار تسميم أسماكها.
"تفرجت علي الظروف المعيشية الصعبة جدا لسكان جزر بحيرة المنزلة". رشا شاهدت برنامجا تليفزيونا يتحدث عن انعدام الخدمات وشظف العيش في إحدي جزر المنزلة، وكان اقتراحها أن تبدأ الحملة بالاتجاه إلي هذه المنطقة. يضيف وليد أن الجزر بعيدة نسبيا عن أعين الأمن، مما قد يسهل المهمة.
لا أحد من أعضاء المجموعة سبق له أن زار الجزيرة.
تنطلق المركب بسرعة جنونية إلي جزيرة ابن سلام، على بعد كيلومترين من المطرية. كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف عصرا حين رست المركب علي شاطئ الجزيرة. فضاء صحراوي كبير يتخلله مسجد صغير، وخلف المسجد شواهد قبور.
تبدو الجزيرة وكأنها خالية من السكان.
يدخل الشباب إلي المسجد لتغيير ملابسهم وارتداء تي شيرتات البرادعي. يتوافد نفر قليل للمسجد لصلاة العصر. ما أن تقابل المجموعة أول سكان الجزيرة حتي يبدأ العمل.
التوقيع الأول
"إيه مشاكل الجزيرة دي؟ فيها كهربا؟ مياه نظيفة؟ مدرسة؟".
وابل من الأسئلة تلقيه رشا علي أول رجل تقابله علي باب المسجد. يتفاجأ الرجل من الأسئلة ومشهد الشباب الغريب بالملابس الموحدة. يرد بأن "الحزب الوطني حيحل مشاكلنا، وإن فيه أكثر من مسئول زار الجزيرة قبل كدا".
ترد رشا بانفعال: الحزب الوطني بقى له 30 سنة في الحكم. فيه حاجة تغيرت من ساعتها؟".
يتدخل أحمد ووليد لشرح هويتهم كمؤيدين للبرادعي، ويعطونه نسخة من البيان، مؤكدين له أن الحل الوحيد لتحسين أوضاع الجزيرة هو "التغيير الجذري للحكومة كلها".
الرجل الأربعيني يقول أنه فلاح يذرع "الذرة والغلة"، أي القمح، إلا أن شرطة المسطحات المائية أزالت أرضه كلها في حملة موسعة استهدفت جزر المنزلة منذ شهر تقريبا. "حاليا ماليش شغلانة غير تربية البهائم"، وهي المهنة الأساسية لسكان الجزيرة التي يقطنها 100 أسرة تقريبا بحسب تقدير سكانها.
يقول أنه سمع عن البرادعي "الراجل بتاع الطاقة النووية" من التليفزيون، وإن كان لا يعلم شيئا عن آرائه السياسية، أو جولته بالدقهلية الشهر الماضي.
"الموضوع فيه انقلاب ولا حاجة؟" يتساءل بتوجس، فيرد عليه أعضاء الحملة بأنهم حركة للتغيير السلمي للدستور والدعوة لانتخابات حارة، وأن لا علاقة لهم بأي إنقلاب أو ثورة.
10 دقائق استغرقها الشباب في الحديث مع الرجل بحماس شديد. "إحنا نفسنا ننهي حالة الطوارئ، هو أنت مش بني آدم زينا ونفسك في كده برضو؟"
"بتقول إن فيه مدرسة في آخر الجزيرة، طب هو التعليم اللي بياخده ابنك كان تعليم كويس؟"
"أنت ابنك بيروح المدرسة بالفلوكة؟ طب ليه الحكومة ما تعملش طريق يمشي فيه؟"
"بتجيبوا الميه بالجراكن من المطرية وما عندكوش مياه نضيفة ليه؟ مش بتدفع ضرايب ومن حقك تاخد قصادها خدمات؟"
يذعن الرجل لحماس المجموعة. يمد يده إلى جيبه، يخرج الرقم القومي، ويكتب رقمه علي بيان البرادعي، ثم يوقع ويبصم. بعدها ينقلب تردد الرجل إلي حماس زائد، ويتطوع بمرافقة أعضاء الفريق في مداخل وطرق الجزيرة، حتى لا يتوهوا.
بداية الجولة
ليس بالجزيرة طرق ممهدة، بل أميال من المدقات الرملية التي لا تسع لمرور أكثر من فرد واحد بصعوبة، يقطعها عشرات الترع والمصارف العشوائية. رائحة المياه المختلطة بالصرف الصحي، الطحالب التي تتكاثر في المصارف.
لا يستطيع السائر داخل الجزيرة أن يمضي أكثر من 100 متر علي الأكثر دون أن يمر فوق قنطرة خشبية بدائية لا تحتمل سوي فرد واحد وإلا انهارت، أو ركوب فلوكة متهالكة تقطع به الترعة، أو أن يستجمع قواه ويقفز للبر المقابل.
صاحب التوقيع الأول، الذي أصبح دليلا للمجموعة يدق علي باب بيت خشبي متهالك، تفتح أم عادل كاشفة عن بيت بغرفتين مفروشتين بالحصير والمخدات. يعرفها الرجل "دول ناس بيتكلموا عن مشاكل الجزيرة، لو عندك حاجة قوليها". كانت هذه الكلمات كافية لكي تنطلق أم عادل في مونولوج حزين طويل. "إحنا أهالينا علمونا وماتوا متحسرين علينا".
أم عادل سيدة بيت حاصلة علي مؤهل فوق المتوسط، ولم تستطع أن تجد وظيفة، فصارت مثل غير المتعلمات، تجمع الحشائش للبهائم وترعي الأطفال وكفي.
الرئيس غنيم
تخرج من البيت امرأة منتقبة تحمل طفلة صغيرة، تشير إليها أم عادل "البنت دي عمرها 4 سنين وعندها إعاقة ذهنية، ومش عارفين نطلع لها علاج علي نفقة الدولة. يرضي ربنا دا؟".
ترد عليها رشا الشكوي بشكوي "وكمان من حقنا نشتغل، أنا بقالي 3 سنين متخرجة ومش لاقية شغل".
لم يبذل أحد مجهودا في إقناع أم عادل بالتوقيع علي البيان، التي قرأت ما فيه علي عجل، ثم سارعت بإحضار الرقم القومي لتنقل رقمه وتبصم جانب توقيعها.
تحكك إبهامها في باب البيت الخشبي لتزيل ما علق به من حبر، وتتطوع هي الأخري بمصاحبة الحملة بين بيوت القرية.
الشكاوي تتكرر من بيت لبيت.
إزالة الأراضي الزراعية، عدم وجود كهرباء، فالقرية تستمد طاقتها من مولدات بدائية تعمل بالسولار.
ينتظرون المياه النظيفة التي تصلهم بالجراكن من المطرية. المرض يهدم الأجساد ولا أمل في تحمل نفقة العلاج.
"أنا اختي مخطوبة بقالها سنتين ومش عارفة تتجوز علشان مافيش فلوس". شكوى محمود، الذي يعاني من وجود مياه بيضاء في عينه اليمني منذ سنوات، وفشل في الحصول علي قرار علاج علي نفقة الدولة. عظام وجهه البارزة والتجاعيد العميقة لا تنبئ أن عمره الحقيقي لا يتجاوز 21 سنة.
يقول أحد السكان أن بطاقاتهم الشخصية تشير إلي أنهم من سكان الدقهلية، في حين أن الإدارة التعليمية والجمعية الزراعية التي يتبعونها تنتمي لبورسعيد. هي مشكلة تواجه الكثير من جزر المنزلة التي لا تقع علي الحدود بين المحافظات. "والتدخل ده بيبطأ إن الخدمات تدخل عندنا، وما بنعرفش نشتكي لمين".
يتجمهر أهل الجزيرة في تجمعات صغيرة حول أعضاء الحملة، كل يحمل شكواه. حين يتسائل البعض عن هوية الشباب، يجيبونه "تعرف الدكتور محمد غنيم؟ دا يبقي رئيسنا". فالجراح الشهير مدير مركز زراعة الكلي ومسئول المحافظات في الجبهة الوطنية للتغيير، يتمتع بشعبية جارفة، واسمه يكفي لفتح الأبواب والقلوب المغلقة.
تستجديهم امراة عجوز "لفوا في الجزيرة كلها وانقلوا حالتها. إحنا مساكين خالص".
الباقي على ربنا
"لا نوقع يا عم ولا وجع دماغ". قالتها امرأة تمسك بطرف حجابها لتداري وجهها. تنظر إلي المجموعات المتجمهرة بعين الشك ولا تري في كلامهم فائدة. يرد عليها أحمد البرماوي: "لو قعدتم كدا 100 سنة حيفضل الوضع 100 سنة كدة برضو".
تشرع رشا في الحديث معها "بنتك دي المتعلمة مش من حقها تعيش في بيت كويس وتتوظف؟". ترد المرأة "إحنا بنعمل اللي علينا والباقي علي ربنا". تستفزها رشا بالسؤال، "بتعملي إيه، مانتي ساكته أهو". ترد المرأة بابتسامة ساخرة، " أهو أمر ربنا".
تكرار لفظ الجلالة في كلام المرأة الرافضة للتوقيع يجعل رشا تغير من أسلوب الإقناع، "لازم تعرفي إن أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر. حتروحي لربنا تقولي يا رب أنا قصرت. الساكت عن الحق شيطان أخرس. وربنا قال نقف في وش الظلم." تكرر المرأة "أمر ربنا، دي حكومة. حد يقدر يقف قدام الحكومة؟".
ترد رشا السؤال بمثله "حتقولي لربنا أنا خفت من الحكومة وما خفتش منك؟".
ينتهي الحوار دون أن توقع المرأة.
مرافعة الحاج أحمد
رغم شكواه من صعوبة المعيشة، يسخر الحاج أحمد ساكن ابن سلام من "البهوات اللي بيجونا وقت ما بيحتاجونا بس". يقول الحاج أحمد أن بين الفترة والأخري يأتي أعضاء الحزب الوطني ليأخذوا أرقام بطاقاتهم و 10 جنيهات ثمن الاشتراك في الحزب، "وبعد ما يظهروش غير من الانتخابات للانتخابات".
يقول له البرماوي "إحنا مش جايين بس علشان الانتخابات. إحنا هدفنا إن أنت تختار حكومتك. أنت اللي تشارك". يرتفع صوت الحاج أحمد "لو حد جه يؤذيني، انتم حتعملوا لي إيه؟". يتدخل إحسان في الحوار محاولا تهدئة الرجل الذي قد علا صوته والتف الناس من حوله.
يقرأ إحسان بيان البرادعي للرجل بهدوء، محاولا إقناعه بأن مطالب البيان شرعية وليس بها دعوة لأي شيئ ضد القانون، "يعني يبقي فيه رقابة علي الانتخابات علشان تضمن إن صوتك بيوصل ومش بيتزور. إن قانون الطوارئ يتشال علشان مافيش أمن يضايقك من غير وجه حق".
يقول الرجل بانكسار "أنا بقيت باخاف. أنا رجل كبير ومش عايز مشاكل مع حد". يصرخ فيه البرماوي "حتخاف علي إيه. وهو ممكن يحصل فيك حاجة أكثر من اللي أنت فيها؟". يصر الحاج أحمد أن شباب الحملة مترفون ومتعلمون ومثقفون، قادرون علي حماية أنفسهم من بطش الأمن، وبالتالي فلا يحق لهم مطالبته بما لا طاقة له به.
عضو الحملة إحسان سلطان ينظر للأمر بشكل عكسي تماما "أنا واحد بابدأ حياتي وبخاطر بكل حاجة علشان اللي أنا مؤمن بيه. الرجل دا خايف علي إيه بعد العمر دا كله؟"
لكن بعض أبناء الجزيرة الذي تركوا توقيعاتهم على البيان يشرعون الآن في مطالبة أعضاء الحملة باسترداد التوكيلات وتمزيقها.
ينصرف أعضاء الحملة بعد أن أزف المغيب.
يقول وليد شوقي أن اليوم كان أشبه بنسخة تجريبية مفيدة، ستفيدهم حين يكرروا التجربة في مكان أكبر ذي كثافة سكانية أعلي. "إنها لسعة نحلة"، علي حد وصف وليد، مستعيرا تشبيه بطل الملاكمة محمد علي كلاي الذي كان يقول عن نفسه "أتحرك كالفراشة، وألسع كالنحلة".
يرجع أعضاء الحملة للقارب، ويصر السائق علي ألا يتقاضي أجرا عن الرحلة كلها، "لأن أنتم ضيوف وناس محترمين".
يبدأ حساب المكسب. لقد التقوا حوالي 70 فردا في ساعتين. جمعت الحملة خلالها 25 توقيعا. يقول وليد أنه كان يتوقع نتيجة أكبر من هذه الزيارة، لكنه سعيد بأن الناس علي فقرهم وانعزالهم عن الدنيا يعرفون البرادعي جيدا. يأمل وليد أن يتحقق ذلك بتنظيم أفضل في المستقبل. تسأل رشا سؤال يدور في عقل الجميع، "انتم متفائلين؟ تفتكروا فيه أمل؟".
يبقى السؤال معلقا في الهواء دون إجابة.
حكاية البرادعي في الدقهلية
بدأ نشاط الحملة الشعبية لدعم البرادعي في الدقهلية في ذهاب بعض الناشطين السياسيين وأعضاء حركة 6 إبريل بشكل فردي لاستقباله في مطار القاهرة أواخر فبراير الماضي.
أربعة أفراد منهم 3 من حركة 6 إبريل قد بدأوا النشاط بشكل منظم أوائل مارس، لتبدأ أنشطتهم بتوزيع 4 آلاف منشور لتأييد البرادعي داخل جامعة المنصورة.
مع ازدياد عدد أعضاء الحملة استعانت الحملة بمدرب تنمية بشرية لتلقي محاضرات حول كيفية العمل الجماعي.
ازداد نشاط الحملة في جمع التوقيعات علي بيان البرادعي قبيل زيارته للدقهلية في مارس، والاشتراك في تنظيم جولته بالمنصورة ومنية سمنود. وصل أعضاء الحملة الناشطين بشكل منظم بالدقهلية إلي حوالي 40 فردا مقسمين علي 4 مجموعات في دكرنس والمنصورة وأجا والسنبلاوين، ينسق عملهم أحمد نديم الناشط في 6 إبريل. هذا الأسبوع بدأت الحملة أولي رحلاتها الميدانية بجزيرة ابن سلام ببحيرة المنزلة، وفي سبيل التخطيط لحملات أوسع لجمع التوقيعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.