أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خبير: العالم أدرك أن دولة الاحتلال مارقة ولا تستمع لأحد (فيديو)    ترتيب مجموعة منتخب مصر في تصفيات إفريقيا المؤهلة إلى كأس العالم 2026    إصابة 8 أشخاص في اصطدام سيارة نقل وأتوبيس وميكروباص على الدائري الإقليمي    الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    وزيرة البيئة تستعرض إنجازات مشروع دمج صون التنوع البيولوجي في السياحة    خطة السكة الحديد لتحقيق السلامة والأمان في القطارات.. منها إنشاء ورش جديدة    بث مباشر| كلمة رئيس الوزراء أمام ملتقى بنك بنك التنمية الجديد    تداول 73 ألف طن و953 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    التحليل الفني لمؤشرات البورصة صباح اليوم الثلاثاء 11 يونيو 2024    محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى المبارك    انطلاق فعاليات الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد بحضور رئيس الوزراء    روسيا تبدأ المرحلة الثانية من مناورات القوات النووية    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    عاجل| صدمة ل مصطفى شوبير في الأهلي بسبب كولر    منتخب هولندا يكشف بديل دي يونج في يورو 2024    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في نهائي دوري السوبر لكرة السلة والقناة الناقلة    خبير تحكيمي يوضح هل استحق منتخب مصر ركلة جزاء أمام غينيا بيساو    «الزراعة» تشدد الرقابة على الأسواق وشوادر بيع اللحوم والأضاحي    تعليم الشرقية: بدء تلقي التظلمات على نتائج الشهادة الإعدادية    إصابة 8 في تصادم تريلا وميكروباص بالدقهلية    تحرير 502 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    سفير الكونغو بالقاهرة يزور مكتبة الإسكندرية    وزيرة الثقافة: المعرض العام من أهم الأحداث الفنية المُعبرة عن روح الحركة التشكيلية    «لا يكتفي بامرأة واحدة».. احذري رجال هذه الأبراج    في ذكرى ميلاد نجاح الموجي أسطورة السينما المصرية.. كيف كان يتعامل مع بناته؟    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    متى يكون طواف الوداع وهل تركه يبطل الحج.. الإفتاء توضح    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    محافظ بني سويف يوافق على تجهيز وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى الصدر    "الصحة" تنظم ورشة عمل على تطبيق نظام الترصد للأمراض المعدية بالمستشفيات الجامعية    محافظ بني سويف يوافق على تجهيز وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى الصدر    الخارجية الروسية: مشاكل إيرانية وراء تعليق اتفاق التعاون الشامل    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    مباريات اليوم.. تصفيات كأس العالم.. ودية منتخب مصر الأولمبي.. وظهور رونالدو    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    للحجاج، نصائح مهمة تحمي من التعب والإجهاد أثناء أداء المناسك    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    حكم الشرع في ارتكاب محظور من محظورات الإحرام.. الإفتاء توضح    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    إيلون ماسك يهدد بحظر استخدام أجهزة "أبل" في شركاته    ضياء السيد: تصريحات حسام حسن أثارت حالة من الجدل.. وأمامه وقتًا طويلًا للاستعداد للمرحلة المقبلة    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    التحقيق في إصابة 4 أشخاص في حريق مبنى على طريق إسكندرية مطروح الساحلي    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الشروق) تسجل أول جولة ميدانية لناشطي حملة جمع التوقيعات للبرادعي
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 04 - 2010

قبل أيام نظمت الحملة الشعبية لدعم محمد البرادعي في الدقهلية أول جولة في الشارع لجمع التوقيعات على بيان يطالب بالإصلاح السياسي في مصر.
اختارت الحملة جزيرة ابن سلام في بحيرة المنزلة، شمال الدقهلية. وعلى مدار ساعتين التقى 6 ناشطين من الحملة بعشرات الفلاحين والصيادين، ودارت مناقشات طويلة وشيقة، لإقناعهم بأن مستقبلهم رهن "تغيير هذا النظام الحاكم".
ربط الناشطون بين التوقيع على البيان، وبين تحسين ظروف المعيشة لأهالي ابن سلام، من توصيل خطوط الكهرباء التي لا تعرفها الجزيرة المظلمة، إلى توفير العلاج المجاني تعبيد الطرق.
الثانية والنصف ظهرا، اقترب موعد التحرك إلى الجزيرة. يجلس "الناشطون الثلاثة" على المقهى في انتظار مكالمة.
علي الطاولة فناجين القهوة والشاي وعلب السجائر.
"بصراحة، الماتش امبارح كان من حق الزمالك"، علي مقهي بمدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، كان وليد شوقي يوم السبت الماضي يناقش أحداث القمة الكروية 151 مع زميليه إحسان سلطان وأحمد البرماوي.
يضع أحمد أمامه كاميرا فيديو، في حين يحمل وليد علي ساقيه حقيبة رياضية داخلها أقلام، وتيشيرتات، وختامة حبر لجمع البصمات، ومئات النسخ من "توكيل البرادعي". يقول وليد أن الكثير من مكاتب تصوير الورق تخاف من تصوير التوكيل، إلا أن بعد قليل من البحث وجد محل لا يرفض طباعة التوكيل ويتعامل معه كأي ورقة عادية.
تطرق إحسان إلي الحديث عن أحوال المدرسة التي يعمل بها معلما للحاسب الآلي، بعد أن ترك عمله القديم كمعيد منتدب في جامعة الأزهر لأن "المرتب كان 180 جنيه في الشهر، وكنت بادفع نصفهم في المواصلات".
أما وليد فهو طبيب أسنان في سنة الامتياز يقول أنه يتمني أن يصير طبيبا ماهرا، "رغم إن طموحي الأكبر بعيد خالص عن الطب، وقريب من العمل السياسي".
البرماوي أصغرهم سنا مازال طالبا في جامعة المنصورة.
يتلقي إحسان المكالمة التي تخبره بوصول باقي الزملاء فيبدأ الثلاثة في حمل حاجياتهم استعدادا لبدء المهمة التي يخططون لها منذ أسبوع مع رفاقهم في الحملة الشعبية لدعم البرادعي بالدقهلية.
خارطة الطريق
الخطة هي اختيار منطقة سكنية والذهاب إليها دون إعلان مسبق لتعريف وإقناع أهلها بتوقيع توكيلات البرادعي المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، وفرض رقابة دولية علي الانتخابات وغيرها.
في المؤتمر الذي أقامه في منية سمنود في مارس الماضي، دعا البرادعي إلي التوقيع علي البيان كأولي خطوات الإصلاح. ليس للتوكيلات قيمة قانونية، ولكنها دليل إثبات علي رغبة قطاعات عريضة من الشعب في التغيير، علي حد وصف البرادعي.
"دي أول تجربة لينا في النزول للشارع بالطريقة دي"، طبقا لإحسان فالمرات القليلة السابقة لجمع توقيعات لتوكيل البرادعي في المحافظة كانت تتم من خلال إقناع الأصدقاء والمعارف، أو داخل الجامعة، أو علي هامش حدث سياسي مثل زيارة البرادعي لمدينة المنصورة واعتصام 6 إبريل.
يقول إحسان أن العمل داخل الحملة يتسم باللامركزية، "فكل مجموعة بتشوف الأنسب لشغلها حسب ظروف مكانها". الإعداد لهذه الجولة كان بمبادرة فردية من أعضاء الدقهلية، دون اتفاق مسبق مع حملة القاهرة التي ينسقها عبد الرحمن يوسف، أو أفراد "جبهة التغيير" التي ينسق أعمالها حسن نافعة.
خطوات ويصل الثلاثة إلي أتوبيس نقل عام ينتظرهم بداخله 3 فتيات من الحملة. مني عطية، طالبة الجامعة، ورشا بدوي، الخريجة التي لا تعمل، ترتديان تيشيرت 6 أبريل. والجامعية مني شوقي تضع صورة البرادعي على التيشيرت.
بحيرة السموم
يتحرك الأتوبيس حتي يصل إلي مركز المريوطية لتنزل المجموعة إلي مرسي متواضع بمدخل ترعة ضيقة متصلة ببحيرة المنزلة. يتفاوض وليد مع أحد المراكبية علي سعر التوصيلة إلي جزيرة داخل البحيرة.
يقول وليد أنه متفائل بأهل هذه المنطقة ويتوقع أن يكون استقبالهم لأعضاء الحملة إيجابيا. عندما زار وليد المطرية منذ سنتين في جولة للتصوير الفوتوغرافي الذي يحبه، ودون أي أهداف سياسية، عاد بذكريات جميلة.
"أول ما الناس شافوا الكاميرا استقبلوني كويس جدا، وعزموني علي شاي وأكل". يفسر وليد رد فعل أهل المنطقة وقتها بأنه مزيج من كرم الضيافة، وشعورهم بالتهميش والانقطاع عن العالم الخارجي، الذي يدفعهم للترحيب بكل من يشعرون أن له اهتماما شخصيا بهم، "ناس كتير افتكروا إني صحفي وبدأوا يحكولي عن مشاكلهم".
تتكدس المجموعة داخل مركب شديد الصغر، قارب خشبي يتحرك بقوة دفع موتور قوي جدا لا يتناسب مع جسم المركب المتهالك. "أنت تعالي شوية يمين، وعايزين واحد تخين شوية يقعد في الشمال"، يحاول المراكبي إعادة ترتيب الجالسين لحفظ التوازن بالمركب.
تمثل بحيرة المنزلة أحد أهم موارد الثروة السمكية في مصر، فهي تحتل موقعا متميزا بين محافظات بورسعيد ودمياط والشرقية والدقهلية. إلا أن أعمال التجريف والتعديات المتتالية علي البحيرة قلصت مساحتها من ربع مليون فدان إلي ما يقارب 100 ألف فدان فقط، في حين تولت الملوثات الصناعية بمصرف بحر البقر ومنطقة الاستثمار تسميم أسماكها.
"تفرجت علي الظروف المعيشية الصعبة جدا لسكان جزر بحيرة المنزلة". رشا شاهدت برنامجا تليفزيونا يتحدث عن انعدام الخدمات وشظف العيش في إحدي جزر المنزلة، وكان اقتراحها أن تبدأ الحملة بالاتجاه إلي هذه المنطقة. يضيف وليد أن الجزر بعيدة نسبيا عن أعين الأمن، مما قد يسهل المهمة.
لا أحد من أعضاء المجموعة سبق له أن زار الجزيرة.
تنطلق المركب بسرعة جنونية إلي جزيرة ابن سلام، على بعد كيلومترين من المطرية. كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف عصرا حين رست المركب علي شاطئ الجزيرة. فضاء صحراوي كبير يتخلله مسجد صغير، وخلف المسجد شواهد قبور.
تبدو الجزيرة وكأنها خالية من السكان.
يدخل الشباب إلي المسجد لتغيير ملابسهم وارتداء تي شيرتات البرادعي. يتوافد نفر قليل للمسجد لصلاة العصر. ما أن تقابل المجموعة أول سكان الجزيرة حتي يبدأ العمل.
التوقيع الأول
"إيه مشاكل الجزيرة دي؟ فيها كهربا؟ مياه نظيفة؟ مدرسة؟".
وابل من الأسئلة تلقيه رشا علي أول رجل تقابله علي باب المسجد. يتفاجأ الرجل من الأسئلة ومشهد الشباب الغريب بالملابس الموحدة. يرد بأن "الحزب الوطني حيحل مشاكلنا، وإن فيه أكثر من مسئول زار الجزيرة قبل كدا".
ترد رشا بانفعال: الحزب الوطني بقى له 30 سنة في الحكم. فيه حاجة تغيرت من ساعتها؟".
يتدخل أحمد ووليد لشرح هويتهم كمؤيدين للبرادعي، ويعطونه نسخة من البيان، مؤكدين له أن الحل الوحيد لتحسين أوضاع الجزيرة هو "التغيير الجذري للحكومة كلها".
الرجل الأربعيني يقول أنه فلاح يذرع "الذرة والغلة"، أي القمح، إلا أن شرطة المسطحات المائية أزالت أرضه كلها في حملة موسعة استهدفت جزر المنزلة منذ شهر تقريبا. "حاليا ماليش شغلانة غير تربية البهائم"، وهي المهنة الأساسية لسكان الجزيرة التي يقطنها 100 أسرة تقريبا بحسب تقدير سكانها.
يقول أنه سمع عن البرادعي "الراجل بتاع الطاقة النووية" من التليفزيون، وإن كان لا يعلم شيئا عن آرائه السياسية، أو جولته بالدقهلية الشهر الماضي.
"الموضوع فيه انقلاب ولا حاجة؟" يتساءل بتوجس، فيرد عليه أعضاء الحملة بأنهم حركة للتغيير السلمي للدستور والدعوة لانتخابات حارة، وأن لا علاقة لهم بأي إنقلاب أو ثورة.
10 دقائق استغرقها الشباب في الحديث مع الرجل بحماس شديد. "إحنا نفسنا ننهي حالة الطوارئ، هو أنت مش بني آدم زينا ونفسك في كده برضو؟"
"بتقول إن فيه مدرسة في آخر الجزيرة، طب هو التعليم اللي بياخده ابنك كان تعليم كويس؟"
"أنت ابنك بيروح المدرسة بالفلوكة؟ طب ليه الحكومة ما تعملش طريق يمشي فيه؟"
"بتجيبوا الميه بالجراكن من المطرية وما عندكوش مياه نضيفة ليه؟ مش بتدفع ضرايب ومن حقك تاخد قصادها خدمات؟"
يذعن الرجل لحماس المجموعة. يمد يده إلى جيبه، يخرج الرقم القومي، ويكتب رقمه علي بيان البرادعي، ثم يوقع ويبصم. بعدها ينقلب تردد الرجل إلي حماس زائد، ويتطوع بمرافقة أعضاء الفريق في مداخل وطرق الجزيرة، حتى لا يتوهوا.
بداية الجولة
ليس بالجزيرة طرق ممهدة، بل أميال من المدقات الرملية التي لا تسع لمرور أكثر من فرد واحد بصعوبة، يقطعها عشرات الترع والمصارف العشوائية. رائحة المياه المختلطة بالصرف الصحي، الطحالب التي تتكاثر في المصارف.
لا يستطيع السائر داخل الجزيرة أن يمضي أكثر من 100 متر علي الأكثر دون أن يمر فوق قنطرة خشبية بدائية لا تحتمل سوي فرد واحد وإلا انهارت، أو ركوب فلوكة متهالكة تقطع به الترعة، أو أن يستجمع قواه ويقفز للبر المقابل.
صاحب التوقيع الأول، الذي أصبح دليلا للمجموعة يدق علي باب بيت خشبي متهالك، تفتح أم عادل كاشفة عن بيت بغرفتين مفروشتين بالحصير والمخدات. يعرفها الرجل "دول ناس بيتكلموا عن مشاكل الجزيرة، لو عندك حاجة قوليها". كانت هذه الكلمات كافية لكي تنطلق أم عادل في مونولوج حزين طويل. "إحنا أهالينا علمونا وماتوا متحسرين علينا".
أم عادل سيدة بيت حاصلة علي مؤهل فوق المتوسط، ولم تستطع أن تجد وظيفة، فصارت مثل غير المتعلمات، تجمع الحشائش للبهائم وترعي الأطفال وكفي.
الرئيس غنيم
تخرج من البيت امرأة منتقبة تحمل طفلة صغيرة، تشير إليها أم عادل "البنت دي عمرها 4 سنين وعندها إعاقة ذهنية، ومش عارفين نطلع لها علاج علي نفقة الدولة. يرضي ربنا دا؟".
ترد عليها رشا الشكوي بشكوي "وكمان من حقنا نشتغل، أنا بقالي 3 سنين متخرجة ومش لاقية شغل".
لم يبذل أحد مجهودا في إقناع أم عادل بالتوقيع علي البيان، التي قرأت ما فيه علي عجل، ثم سارعت بإحضار الرقم القومي لتنقل رقمه وتبصم جانب توقيعها.
تحكك إبهامها في باب البيت الخشبي لتزيل ما علق به من حبر، وتتطوع هي الأخري بمصاحبة الحملة بين بيوت القرية.
الشكاوي تتكرر من بيت لبيت.
إزالة الأراضي الزراعية، عدم وجود كهرباء، فالقرية تستمد طاقتها من مولدات بدائية تعمل بالسولار.
ينتظرون المياه النظيفة التي تصلهم بالجراكن من المطرية. المرض يهدم الأجساد ولا أمل في تحمل نفقة العلاج.
"أنا اختي مخطوبة بقالها سنتين ومش عارفة تتجوز علشان مافيش فلوس". شكوى محمود، الذي يعاني من وجود مياه بيضاء في عينه اليمني منذ سنوات، وفشل في الحصول علي قرار علاج علي نفقة الدولة. عظام وجهه البارزة والتجاعيد العميقة لا تنبئ أن عمره الحقيقي لا يتجاوز 21 سنة.
يقول أحد السكان أن بطاقاتهم الشخصية تشير إلي أنهم من سكان الدقهلية، في حين أن الإدارة التعليمية والجمعية الزراعية التي يتبعونها تنتمي لبورسعيد. هي مشكلة تواجه الكثير من جزر المنزلة التي لا تقع علي الحدود بين المحافظات. "والتدخل ده بيبطأ إن الخدمات تدخل عندنا، وما بنعرفش نشتكي لمين".
يتجمهر أهل الجزيرة في تجمعات صغيرة حول أعضاء الحملة، كل يحمل شكواه. حين يتسائل البعض عن هوية الشباب، يجيبونه "تعرف الدكتور محمد غنيم؟ دا يبقي رئيسنا". فالجراح الشهير مدير مركز زراعة الكلي ومسئول المحافظات في الجبهة الوطنية للتغيير، يتمتع بشعبية جارفة، واسمه يكفي لفتح الأبواب والقلوب المغلقة.
تستجديهم امراة عجوز "لفوا في الجزيرة كلها وانقلوا حالتها. إحنا مساكين خالص".
الباقي على ربنا
"لا نوقع يا عم ولا وجع دماغ". قالتها امرأة تمسك بطرف حجابها لتداري وجهها. تنظر إلي المجموعات المتجمهرة بعين الشك ولا تري في كلامهم فائدة. يرد عليها أحمد البرماوي: "لو قعدتم كدا 100 سنة حيفضل الوضع 100 سنة كدة برضو".
تشرع رشا في الحديث معها "بنتك دي المتعلمة مش من حقها تعيش في بيت كويس وتتوظف؟". ترد المرأة "إحنا بنعمل اللي علينا والباقي علي ربنا". تستفزها رشا بالسؤال، "بتعملي إيه، مانتي ساكته أهو". ترد المرأة بابتسامة ساخرة، " أهو أمر ربنا".
تكرار لفظ الجلالة في كلام المرأة الرافضة للتوقيع يجعل رشا تغير من أسلوب الإقناع، "لازم تعرفي إن أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر. حتروحي لربنا تقولي يا رب أنا قصرت. الساكت عن الحق شيطان أخرس. وربنا قال نقف في وش الظلم." تكرر المرأة "أمر ربنا، دي حكومة. حد يقدر يقف قدام الحكومة؟".
ترد رشا السؤال بمثله "حتقولي لربنا أنا خفت من الحكومة وما خفتش منك؟".
ينتهي الحوار دون أن توقع المرأة.
مرافعة الحاج أحمد
رغم شكواه من صعوبة المعيشة، يسخر الحاج أحمد ساكن ابن سلام من "البهوات اللي بيجونا وقت ما بيحتاجونا بس". يقول الحاج أحمد أن بين الفترة والأخري يأتي أعضاء الحزب الوطني ليأخذوا أرقام بطاقاتهم و 10 جنيهات ثمن الاشتراك في الحزب، "وبعد ما يظهروش غير من الانتخابات للانتخابات".
يقول له البرماوي "إحنا مش جايين بس علشان الانتخابات. إحنا هدفنا إن أنت تختار حكومتك. أنت اللي تشارك". يرتفع صوت الحاج أحمد "لو حد جه يؤذيني، انتم حتعملوا لي إيه؟". يتدخل إحسان في الحوار محاولا تهدئة الرجل الذي قد علا صوته والتف الناس من حوله.
يقرأ إحسان بيان البرادعي للرجل بهدوء، محاولا إقناعه بأن مطالب البيان شرعية وليس بها دعوة لأي شيئ ضد القانون، "يعني يبقي فيه رقابة علي الانتخابات علشان تضمن إن صوتك بيوصل ومش بيتزور. إن قانون الطوارئ يتشال علشان مافيش أمن يضايقك من غير وجه حق".
يقول الرجل بانكسار "أنا بقيت باخاف. أنا رجل كبير ومش عايز مشاكل مع حد". يصرخ فيه البرماوي "حتخاف علي إيه. وهو ممكن يحصل فيك حاجة أكثر من اللي أنت فيها؟". يصر الحاج أحمد أن شباب الحملة مترفون ومتعلمون ومثقفون، قادرون علي حماية أنفسهم من بطش الأمن، وبالتالي فلا يحق لهم مطالبته بما لا طاقة له به.
عضو الحملة إحسان سلطان ينظر للأمر بشكل عكسي تماما "أنا واحد بابدأ حياتي وبخاطر بكل حاجة علشان اللي أنا مؤمن بيه. الرجل دا خايف علي إيه بعد العمر دا كله؟"
لكن بعض أبناء الجزيرة الذي تركوا توقيعاتهم على البيان يشرعون الآن في مطالبة أعضاء الحملة باسترداد التوكيلات وتمزيقها.
ينصرف أعضاء الحملة بعد أن أزف المغيب.
يقول وليد شوقي أن اليوم كان أشبه بنسخة تجريبية مفيدة، ستفيدهم حين يكرروا التجربة في مكان أكبر ذي كثافة سكانية أعلي. "إنها لسعة نحلة"، علي حد وصف وليد، مستعيرا تشبيه بطل الملاكمة محمد علي كلاي الذي كان يقول عن نفسه "أتحرك كالفراشة، وألسع كالنحلة".
يرجع أعضاء الحملة للقارب، ويصر السائق علي ألا يتقاضي أجرا عن الرحلة كلها، "لأن أنتم ضيوف وناس محترمين".
يبدأ حساب المكسب. لقد التقوا حوالي 70 فردا في ساعتين. جمعت الحملة خلالها 25 توقيعا. يقول وليد أنه كان يتوقع نتيجة أكبر من هذه الزيارة، لكنه سعيد بأن الناس علي فقرهم وانعزالهم عن الدنيا يعرفون البرادعي جيدا. يأمل وليد أن يتحقق ذلك بتنظيم أفضل في المستقبل. تسأل رشا سؤال يدور في عقل الجميع، "انتم متفائلين؟ تفتكروا فيه أمل؟".
يبقى السؤال معلقا في الهواء دون إجابة.
حكاية البرادعي في الدقهلية
بدأ نشاط الحملة الشعبية لدعم البرادعي في الدقهلية في ذهاب بعض الناشطين السياسيين وأعضاء حركة 6 إبريل بشكل فردي لاستقباله في مطار القاهرة أواخر فبراير الماضي.
أربعة أفراد منهم 3 من حركة 6 إبريل قد بدأوا النشاط بشكل منظم أوائل مارس، لتبدأ أنشطتهم بتوزيع 4 آلاف منشور لتأييد البرادعي داخل جامعة المنصورة.
مع ازدياد عدد أعضاء الحملة استعانت الحملة بمدرب تنمية بشرية لتلقي محاضرات حول كيفية العمل الجماعي.
ازداد نشاط الحملة في جمع التوقيعات علي بيان البرادعي قبيل زيارته للدقهلية في مارس، والاشتراك في تنظيم جولته بالمنصورة ومنية سمنود. وصل أعضاء الحملة الناشطين بشكل منظم بالدقهلية إلي حوالي 40 فردا مقسمين علي 4 مجموعات في دكرنس والمنصورة وأجا والسنبلاوين، ينسق عملهم أحمد نديم الناشط في 6 إبريل. هذا الأسبوع بدأت الحملة أولي رحلاتها الميدانية بجزيرة ابن سلام ببحيرة المنزلة، وفي سبيل التخطيط لحملات أوسع لجمع التوقيعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.