التشكيل – بيلينجهام يقود دورتموند ضد راموس مع مونتيري    الدولار ب49.41 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 2-7-2025    أكسيوس: إسرائيل مستعدة لمحادثات مع حماس لإتمام صفقة الرهائن    لإنقاذ نتنياهو.. ترامب يعلن اقتراب اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    مصدران أمريكيان: إيران أجرت استعدادات لتلغيم مضيق هرمز    المبعوث الخاص ل بوتين يعلق على تعليق توريدات الذخيرة الأمريكية لأوكرانيا    الكشف الطبي على المتقدمين لانتخابات الشيوخ في مستشفى الفيوم- صور    لحظة بلحظة.. بروسيا دورتموند ضد مونتيري 2-1    سخر من أحدهما.. نجم باريس سان جيرمان يثير الجدل بخصوص رونالدو وميسي    "بعد المونديال".. 7 صور لخطيبة مصطفى شوبير أثناء انتظاره في المطار    وزارة البترول: تفعيل خطة الطوارئ فور انقلاب بارج بحري بخليج السويس    3 وزراء يُتابعون تداعيات حادث غرق بارجة بحرية في خليج السويس    بسبب تشاجرها مع شقيقتها الصغرى.. أم تقتل ابنتها خنقا بسوهاج    أنغام عن اتهامها بالهجوم على شيرين: كذب وافتراء.. ومش هسكت    الفنان رضا البحراوى يُعلن وفاة المطرب أحمد عامر    "بعد حفل زفافه".. أبرز المعلومات عن زوجة إبراهيم عادل لاعب بيراميدز    حارس الأهلي وقائد المنتخب السابق.. نجوم الرياضة في العرض الخاص لفيلم أحمد وأحمد    بعد استغاثة سيدة.. رئيس جامعة المنيا يجرى جولة ليلية بمستشفى النساء والأطفال- صور    محافظ كفرالشيخ يجري جولة ويلتقى المصطافين ويستمع لملاحظاتهم حول مشروعات التطوير    عراقجي: إيران تسعى للحصول على تعويضات عن أضرار هجمات أمريكا وإسرائيل    دورتموند يضرب مونتيرى بثنائية جيراسى فى 10 دقائق بمونديال الأندية.. فيديو    وزير المالية فى اليوم الأول لمؤتمر التمويل من أجل التنمية بأسبانيا: لا بد من التعاون والتنسيق على كافة المستويات    محاولات في الأهلي لتسويق أوبونج وريندوف.. وتوصية بقيد لاعب إيفواري    بلال: بقاء أفشة والشحات مع الأهلي قرار جيد.. وشريف أبلغني برغبته في العودة للأهلي    الصحة: 4 وفيات و22 مصابًا في حادث غرق بارجة بخليج السويس.. ونقل المصابين جواً إلى مستشفى الجونة    بكام طن الشعير؟ أسعار الأرز اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 بأسواق الشرقية    «بالونة».. عبد الواحد السيد يتحدث عن أزمة اعتزال شيكابالا في الزمالك    الكشف الطبي على المتقدمين لانتخابات الشيوخ 2025 بمستشفى الفيوم العام.. صور    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 29، حرب ينتقم لوالده ووالد ثريا في أزمة    حالة الطقس اليوم الأربعاء، انخفاض طفيف بدرجات الحرارة وارتفاع الرطوبة    مقتل مسن طعنًا على يد نجله في الدقهلية بسبب خلافات أسرية    مقترح برلماني باستثناء المستأجر الأصلي من قانون الإيجار القديم وربط إخلاء الجيل الأول بالسكن البديل    هل يجوز شرعًا صيام «عاشوراء» منفردًا ؟    ترامب: إسرائيل وافقت على شروط هدنة في غزة مدتها 60 يومًا.. ومصر وقطر تعملان للمساعدة في إحلال السلام بغزة    ملف يلا كورة.. تفاصيل عقد فيريرا.. رحيل ميدو.. وتأهل ريال مدريد    هاشتاج #ارحل_يا_سيسي يتفاعل على التواصل مع ذكرى الانقلاب على الشرعية    إيران تدرس شراء مقاتلات صينية متطورة (تفاصيل)    رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات: كافة الاستعدادات اللوجستية لانتخابات الشيوخ جاهزة    المجلس الأعلى للجامعات يعلن البرامج الجديدة بالجامعات الحكومية..تعرف عليها (الرابط)    6 مستشفيات.. وكيل صحة الشرقية يتابع أعمال الكشف الطبي لمرشحي الشيوخ بالزقازيق    بعد تصدرها التريند وخلعها الحجاب.. من هي أمل حجازي؟    4 أبراج «بتتوقع الكارثة قبل ما تحصل».. أقوياء الملاحظة إذا حذروك من شيء لا تتجاهل النصيحة    نشرة التوك شو| أحمد موسى يهاجم الحكومة.. والبحر المتوسط يواجه ظواهر غير مسبوقة    من دعاء النبي.. الدعاء المستحب بعد الوضوء    بدء إجراءات تسليم مجزر كفر شكر الألي للتشغيل قريبا لتوفير اللحوم الحمراء    خبير عقاري يطرح 3 سيناريوهات متوقعة ل قانون الإيجار القديم    تراجع ستاندرد آند بورز 0.11% خلال جلسة الثلاثاء    وكيل صحة دمياط يتابع استعدادات الكشف الطبى على مرشحى مجلس الشيوخ    مصرع عنصر إجرامي وحبس 8 آخرين لجلبهم المخدرات وحيازة أسلحة نارية بالقليوبية    أمين «البحوث الإسلامية»: الهجرة النبويَّة تأسيسٌ لمجتمع قيمي ينهض على الوعي    بالصور.. محافظ بورسعيد يشهد حفل زفاف اثنين من أبطال ذوي الهمم    مهرجان إعلام 6 اكتوبر للإنتاج الإعلامى يكرم الفنان الكبير محمد صبحي وإبداعات طلاب كليات الإعلام    وفد من وزارة الشباب يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للخماسي الحديث    حادث غرق الحفار إد مارين 12 .. التفاصيل الكاملة    أحمد بنداري: 75 منظمة تقدمت لمتابعة انتخابات "الشيوخ"    هل يحق للزوجة طلب مسكن مستقل لضمان استقرار؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: وسعوا على أهاليكم في يوم عاشوراء كما أوصانا النبي    بدء التشغيل الرسمي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في محافظة أسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عنصريتنا.. وعنصريتهم

ربما لا يوجد مجتمع على وجه الأرض يخلو من داء العنصرية أو لم يعرف فى مرحلة من مراحل تاريخه شكلا من أشكالها مثل التنميط، والتمييز، والفصل العنصرى، والعبودية. ورغم أن العنصرية طالت عناصر وأعراقا بشرية مختلفة، فإن الإنسان ذا العرق أو اللون الأسود هو أكثر من تعرض ويتعرض للعنصرية فى معظم أصقاع المعمورة.
ونحن فى عالمنا العربى جزء من هذا السياق، نسمع ونشاهد ونطالع ونتابع ونمارس أشكالا من أشكال التمييز والعنصرية خاصة تجاه العرق واللون الأسود. وأظن أننى لا أحتاج إلى ضرب الأمثلة أو تقديم البراهين والأدلة على وجود داء العنصرية فى مجتمعاتنا العربية. فهى موجودة فى الشارع، والمدرسة والعمل، والأفلام والأغانى والبرامج، والمسرحيات وعلى وسائل التواصل الاجتماعى التى تعج بالتعليقات والنكات العنصرية أو التى تسخر من شخص بسبب لونه أو شكله. وقد استمعت منذ أسابيع فى ندوة أكاديمية عن العنصرية واللون فى السودان، الذى معظم سكانه من أصحاب البشرة الداكنة، وكيف يتم التمييز فى المجتمع السودانى بناء على درجة دكانة لون البشرية التى تنتهى باللون الأزرق.
ومنذ عام أو يزيد، حضرت جلسة فى مؤتمر جمعية دراسات الشرق الأوسط فى الولايات المتحدة المعروفة اختصارا باسم «ميسا»، وكان محور التقديمات والأوراق عن العنصرية فى الشرق الأوسط، وما زلت أتذكر أن أحد الأوراق كانت تتحدث عن مصر بعنوان «تحسين النسل»، فى إشارة إلى تفضيل الزواج من أصحاب البشرة الفاتحة، وغنى عن القول إن كثيرا من الرجال العرب يحلمون بالزواج من شقراء وعيونها زرقاء!.
ولا يتوقف الأمر عند المجتمعات العربية، فقد عرفت الهند والصين واليابان وغيرها من المجتمعات غير الغربية فى مراحل مختلفة من تاريخها العنصرية والشعور بالتفوق على الآخر.
وبالتالى لا يمكن إنكار أن مظاهر العنصرية وأشكالها موجودة فى كل مكان وزمان تقريبا. ومع ذلك فمن الظلم أن نساوى بين هذا الطيف الواسع والمتفاوت للعنصرية، مع عنصرية الثقافة الغربية التى تراكمت عبر قرون لتصبح طبقة من طبقات الثقافة ضاربة فى بنية العقل الغربى.
• • •
إن العنصرية فى الثقافة الغربية، ليست مجرد نكتة أو تعليق، أو مشهد فى فيلم يسخر من عرق أو لون، وهى ليست تمييزا وتنميطا فحسب، بل أيديولوجية وبنية عميقة فى تكوين العقل الغربى الذى يشعر بالتفوق العرقى والاستعلاء البيولوجى على الأجناس الأخرى. ويا ليت الأمر توقف عند الشعور بالاستعلاء والتفوق، ولكن شهدت المجتمعات الغربية على مدار قرون ممارسات شنيعة، وعنف وجرائم ترقى إلى حد التطهير العرقى والإبادة.
لقد كان الشعور بالتفوق الحضارى يزداد فى الغرب منذ القرن السادس عشر، وكان الاعتقاد السائد حتى بين النخبة فى الغرب أن السود أقل قدرة من الآخرين على التفكير أو الإبداع، وقد أضفى بعض كتاب النخبة الغربية الشرعية على العنصرية من خلال الترويج للنظرية العنصرية العلمية التى ساهمت فى انتشار نظرية تفوق الجنس الآرى، وأن الأجناس البشرية غير متساوية.
كما ارتكب الغرب على مدار قرون كل أشكال الجرائم العنصرية الشنيعة التى يندى لها جبين الإنسانية، فقد وضع ملك بلجيكا العنصرى ليوبولد الثانى السود من الكونغو فى حدائق حيوان شرق العاصمة بروكسل، وقامت ألمانيا فى ناميبيا بالبحوث الطبية والتشريحية على السكان السود لإثبات تفوق الجنس الآرى الأبيض بيولوجيا. أما فى ولايات الجنوب الأمريكى، فقد عاش العرق الأسود أبشع أشكال العبودية وجرائمها، وأقل ما يمكن وصفه ورصده أن أسماء عائلات الأمريكيين السود ليست أسماء أجدادهم، ولكن أسماء عائلات ساداتهم من البيض، فجاكسون، وديفيز، وواشنطن، ووينفرى... إلخ، كلها أسماء عائلات السادة. ومن ثم، لم يفقد الأمريكى الأسود إنسانيته وحريته وكرامته، بل فقد أصوله وتاريخه واسم عائلته. كان التعامل مع السود فى ولايات الجنوب الأمريكى تحديدا بوصفهم كائنات وممتلكات وأشباه حيوانات. ولا يتناسب هذا السياق وسرد قصص العنصرية الوحشية التى عاشها السود فى المجتمعات الغربية، التى لا تكفيها مجلدات من الكتب.
والمدهش أن الممارسات العنصرية كانت مقبولة فى أوساط المجتمعات الغربية على المستوى الدستورى والقانونى والعرفى الاجتماعى. ولنا فى نظام الفصل العنصرى البائد فى جنوب إفريقيا مثالا ودليلا. وهذا لم يحدث فى أى مجتمع مارس شكلا من أشكال العنصرية فى العالم غير الغربى. بل إن العبودية التى مارستها شعوب الشرق عبر التاريخ، كانت فى العالم العربى والإسلامى وفى الصين لا تستهدف عرقا محددا، كما هو الحال فى الغرب الذى استعبدالعرق الأسود حصرا.
ولم تتراجع هذه الممارسات إلا بعد سن القوانين فى الستينيات والسبعينيات بتجريم العنصرية وأشكالها فى المجتمعات الغربية، وتحديدا فى الولايات المتحدة. ومع ذلك لم تنتهِ العنصرية، ولكن تحولت إلى عنصرية جديدة لا تنتهك القوانين، فما زالت الغالبية العظمى من السود يقيمون فى مناطق وأحياء فقيرة أو معدمة، والفجوة الاقتصادية بينهم وبين الأعراق الأخرى فى المجتمعات الغربية شاسعة، وسياسات إفقار وتجهيل مجتمع الأمريكيين من أصل إفريقى وإغراقه بالمخدرات والعنف قائمة ولم تنتهِ يوما. وما زال التوتر العرقى كامنا فى بنية المجتمع، ويظهر بين الحين والآخر فى حوادث مثل حادثة مقتل جورج فلويد الشهيرة عام 2020 على يد شرطى أبيض عنصرى.
• • •
صحيح أن أنماط وأشكال العنصرية قد تراجعت بشكل كبير. وصحيح أن السود فى المجتمعات الغربية الآن متساوون أمام القانون مع مواطنيهم ومواطناتهم من مختلف الأعراق والألوان. وصحيح أنهم قد حققوا مكاسب وحقوقا، وأصبح من بينهم الرياضى البارز والممثل المشهور والأستاذ الجامعى والقاضى والمدير والوزير، بل حتى الرئيس، ولكن معظم هؤلاء الذين بلغوا تلك الدرجات والمناصب لا يمثلون المجتمع الأسود فى الغرب تمثيلا منصفا. فالرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، على سبيل المثال ينتمى إلى الثقافة البيضاء ويمثلها أكثر من أى شىء آخر. لقد تعلم فى أغنى وأرقى الجامعات الأمريكية وعاش حياة المواطن الأبيض منذ نعومة أظافره.
العنصرية الغربية هيكلية وبنيوية وهى أيديولوجية تفوق فكرى وعقلى قائم على أسس بيولوجية تقسم البشر إلى رتب ودرجات حسب العرق والجنس. وهى متأصلة بعمق فى الثقافة الغربية البيضاء التى ازداد شعورها بالتفوق منذ الكشوف الجغرافية، والثورة الصناعية، وتبنى المذهب الرأسمالى والأفكار الداروينية، ومن ثم كان الاستعمار الغربى وما تلاه من هيمنة.
والعنصرية كما يذكر الباحث والسياسى الأمريكى، دينيش دى سوسا، نقلا عن عالم السياسة، أندرو هاكر، متأصلة بعمق فى لغات الغرب وفى مقدمتها الإنجليزية، فكل ما يدعو إلى التشاؤم والسلبية هو أسود؛ السوق السوداء، والقائمة السوداء، والسحر الأسود، والأغنام السوداء، والحارس الأسود، والراية السوداء، والحصان الأسود، والقط الأسود، وغيرها من التعبيرات التى تحتوى على الخوف والهواجس والشر. وللأسف نتيجة سيطرة الثقافة الغربية ومركزيتها فى العالم، ترجمت هذا المصطلحات إلى لغات العالم واستعملت دون مراجعة أو نقد إلا قليلا، مثل نزوع العرب إلى استعمال لفظ أسمر بدلا من أسود، فنقول القارة السمراء، والشاب الأسمر بدلا من الأسود.
ورغم أن دينيش دى سوسا شخصية مثيرة للجدل، ومتهم بالعنصرية، فإنه قد شهد فى دراسة كتبها عام 1995 بعنوان «هل العنصرية فكرة غربية؟» باختلاف عنصرية الغرب عن باقى الأشكال والأنماط حول العالم قائلا: من الواضح أن العرب والصينيين لم يطورا أيديولوجية منهجية للعنصرية كما فعل الغرب، ربما كان هناك غطرسة حضارية وشعور بالتفوق السياسى والاقتصادى والعسكرى، وهذا موجود فى كل الثقافات فى مرحلة ما من مراحل تاريخها، ولكن عندما تتحول هذه الغطرسة إلى بيولوجيا تكون النتيجة العنصرية القميئة بكل بشاعاتها.
• • •
حاول الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقديم النموذج الديمقراطى الإنسانى، خاصة فى ظل أجواء الحرب الباردة والمنافسة العسكرية والسياسية والثقافية مع الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشرقى. وفى ظل رغبة المعسكر الغربى كسب معركة العقول والقلوب حول العالم، كان على الغرب والولايات المتحدة تحديدا التوقف عن سياسات الفصل العنصرى والتمييز ضد مواطنيها ومواطناتها السود. ولا يمكن التقليل فى هذا السياق من ضغط وتأثير كفاح حركة الحقوق المدنية فى الستينيات ضد القوانين والممارسات العنصرية.
ولا أزعم أن المجتمعات الغربية كلها مجتمعات عنصرية تخلو من أصحاب الضمائر والنزعات الإنسانية التى لا تفرق بين دين أو لون أو عرق، بل إن كثرا منهم يتعاملون بحساسية مفرطة وشعور بالذنب فى التعامل مع الأقليات العرقية، خاصة السود. ولكن حديثى عن السائد والشائع وعن القيم العنصرية الكامنة فى أعماق الإنسان وتاريخه وثقافته. خاصة وأن معظم الشعوب والحكومات والمجتمعات الغربية تدعى احترام حقوق الإنسان وتبنى قيم الحداثة الأخلاقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.