مظاهرة بتركيا دعما لاحتجاجات طلاب الجامعات الأمريكية ضد الحرب بغزة    ماكرون يعرب عن استعداده لمناقشة مسألة الأسلحة النووية للدفاع عن أوروبا    ياسر سليمان: جميعًا نحمل نفس الألم والمعاناة.. وكل الشكر لمركز أبو ظبي لدعمه للرواية العربية    كم حصيلة مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج؟ وزير المالية يجيب    تباين البورصات الخليجية في ختام التداولات وسط ارتفاع أسعار النفط    كنائس كفر الشيخ تحتفل بأحد السعف | صور    مذكرة لرئيس الوزراء لوقف «المهازل الدرامية» التي تحاك ضد المُعلمين    بوريل: الأوروبيون لن يذهبوا للموت من أجل دونباس لكن عليهم دعم كييف    وزير الخارجية يشارك بمائدة مستديرة حول اضطرابات التجارة وسلاسل الإمداد بالشرق الأوسط    «جورجييفا»: العالم لم ينجح في تشارك منافع النمو مع المناطق الأكثر احتياجاً    انطلاق مباراة المقاولون العرب وسموحة بالدوري    سامسون أكينيولا يضيف الهدف الثاني للزمالك في شباك دريمز الغاني    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    المئات يشيعون جثمان ضحية زوجها بكفر الزيات وانهيار أطفالها.. صور    حزب الوفد: نرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح الفلسطينية    وزير الصحة: إشادات عالمية بنجاح مصر في القضاء على فيروس سي    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    بحضور محافظ مطروح.. قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات    «أبو الهول» شاهد على زواج أثرياء العالم.. 4 حفلات أسطورية في حضن الأهرامات    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    «بحوث القوات المسلحة» توقع بروتوكولًا مع «المراكز والمعاهد والهيئات البحثية بالتعليم العالي»    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    تحرير 78 محضرا في حملة للمرافق لضبط شوارع مدينة الأقصر    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    عاجل| البيت الأبيض: إسرائيل طمأنت واشنطن بأنها لن تدخل رفح الفلسطينية حتى يتسنى لنا طرح رؤانا ومخاوفنا    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 18886وظيفة معلم مساعد بوزارة التربية والتعليم    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قرار جديد من القضاء بشأن 11 متهماً في واقعة "طالبة العريش" نيرة صلاح    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيلان.. قديمٌ وجديد
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 02 - 2024

تحدث مفاجآت عندما يلتقى عربى ابن جيل ستينات وسبعينيات القرن الماضى مع شابٍ عربى، أو شابّة عربيّة، من جيل الألفيّة الثالثة. وتكون المفاجآت أكبر عندما يكون هذان الأخيران من المتفوّقين علميّا وهما يسعيان لصناعة مستقبلهما عبر التحصيل العلمى فى بلادهم أو فى الخارج.
• • •
تكمُن المفاجأة الأولى فى لغة الحديث. إذ لم يعُد كثيرٌ من هؤلاء الشباب والشابات يستطيعون اليوم إجراء حديثٍ دون أن تتدخّل الإنجليزيّة أو الفرنسيّة فى كلّ جملة، ليس فقط للتعبير عن مفاهيم تقنيّة، بل حتّى عن مفاهيم الحياة الإنسانيّة. إذ إنّ العديد منهم تربّى فى مدارس خاصّة، لم تشكّل اللغة العربيّة فيها سوى مادّة ثانويّة، تكميليّة أو ثقافية أو تجميليّة. بينما تدرّس جميع العلوم بالأجنبيّة. وكذلك فى الجامعات أيضا، حتّى الحكوميّة منها.
هذا ليس حكرا على لبنان أو المغرب، مع خصوصيّتهما، وحيث تستطيع أن تجِد ابن أو ابنة وزيرٍ لا يستطيعان حتّى التحدّث بالعاميّة. بل أصبح الأمر سائدا فى دول الخليج ومصر والعراق... وما أضحى يشكّل حقّا خصوصيّة «عربيّة»، تتشارك مع إفريقيّا فيها. لا مثيل لها من أقاصى آسيا إلى شمال أوروبا، بل حتّى فى إسرائيل حيث تمّ إحياء اللغة العبريّة الحديثة فى القرن الماضى.
بالتأكيد يأتى هذا نتيجة سياسات «التحرّر الاقتصادى» التى بدأت فى السبعينيات وتبعا لنصائح مؤسّسات «توافق واشنطن»، أى صندوق النقد والبنك الدوليين، حينها للتخفيف من أعباء الديون العامّة بتخلّى الدول عن الإنفاق فى التعليم. وكان ذلك فى خضمّ «التسونامى الشبابى»، بينما كان أهمّ إنجاز لاستقلال الدول العربيّة هو نشر التعليم، كما الكهرباء، إلى أقاصى الريف...
وكان نتيجة ذلك أنّ أفضل ما تصدّره الدول العربيّة غير النفط والغاز هم المتعلّمون والمتفوّقون. كانت البلاد تُنفِق اجتماعيّا على تعليمهم ويذهبون لإتمام تحصيلهم والعمل والتجنُّس والإنتاج فى بلدانٍ مستوى المعيشة فيها... «أفضل». وعلى عكس نظرائهم الإسرائيليّين، لا يحقّ لهم الخدمة فى جيوش بلادهم أو العمل فى شركاتها التقنية دون عوائق.
• • •
أمّا المفاجأة الثانية فتكمُن فى وعى الهويّة والتاريخ بين الجيلين القديم والحديث. هنا تختلف بينهما الإجابة كثيرا عن سؤال ترتيب الهويّات: هل أنت مثلا مصرى أم عربى أم مسلم أم مسيحى أوّلا؟ وعن السؤال الرديف الأصعب الخاصّ بالانتماء إلى هويّة واحدة؟ لقد ترسّخت الوطنيّة المحليّة أكثر لدى الجيل الجديد، بشكلٍ ما. إلاّ أنّ اللافت هو بروز الهويّات ما دون الوطنيّة، المذهبيّة والإثنيّة والمناطقيّة وغيرها. وكذلك بروز مرجعيّة هذه الهويّات إلى الخارج. كمثال ذلك السياسى اللبنانى الذى ينادى بالوطنيّة اللبنانيّة ولكنّ اللبنانيّين الآخرين لا يشبهوننا! بمعنى أنّ مرجعيّته «للغرب» بينما مرجعيّة الآخرين لإيران مثلا. هذا النوع من وعى الهويّة أضحى أيضا خصوصيّة عربيّة، فى حين لا حرج عند الأوروبى بالتفاخر بهويّته الوطنيّة والأوروبيّة على السواء... دون مرجعيّة خارجيّة. ولم يكن هناك حرج عند الجيل العربى القديم بالافتخار بعروبته وبأنّ قضيّة فلسطين جزءٌ أساسى من... هويّته.
هنا أيضا يعود الأمر لمفاهيم التعليم المدرسى وما رسّخته فى الأذهان، ولكن يعود أيضا لوسائل الإعلام الحديثة. وجوهر الأمر فى وعى التاريخ. فأغلب المغاربة الشباب لا يعرفون أنّ المغرب، وخاصّةً منطقة الريف فى شماله، قاتل طويلا دفاعا... عن استقلال الجزائر. وأغلب هؤلاء، كما الشباب السعوديوّن والكويتيّون، لا يعرفون أنّ جيوش بلادهم، التى كانت ناشئة حينها، دفعت تضحيات كبيرة دفاعا عن فلسطين على جبهتى الأردن وسورية. وأغلب الإماراتيّون لا يعرفون أنّ العراق وليبيا قطعا علاقاتهما مع بريطانيا وتواجها معها، لأنّ بريطانيا مَنَحَت الجزر الثلاث مقابل سواحلهم لشاه إيران فى نفس الوقت الذى حصلت فيه الإمارات على الاستقلال. وأغلب المصريين لا يعرفون أنّ عبدالناصر لم يكُن السبب فى الصراع مع إسرائيل، بل كان يتفاوض على حلٍّ معها إلى أن أقنع البريطانيّون والفرنسيّون إسرائيل بالدخول فى العدوان الثلاثى سنة 1956 مقابل منحها وسائل صنع القنبلة النوويّة. وأنّ الاتحاد السوفياتى هدّد حينها البلدان الثلاث بالضربة النوويّة كى يتوقّف العدوان، فى حينّ حيّدت الولايات المتحدة نفسها. وأغلب الموارنة اللبنانيين لا يعرفون أنّ الصهاينة طردوا أيضا الموارنة من قراهم فى الجليل ودمّروها ولم يسمحوا لهم بالعودة إليها. وأغلب السعوديّين لا يعرفون أنّ شركة أرامكو لم تصبح سعوديّة إلاّ فى سياق حرب 1973. وغير ذلك الكثير...
• • •
تكمُن الإشكاليّة فى مناهج تعليم التاريخ فى المدارس، هذا إذا تمّ تعليم مسيرة تاريخ البلاد فى المدارس الخاصّة. وفى الرموز التاريخيّة التى يتبنّاها التعليم لصنع الهويّة الوطنيّة. فى حين لا حرج فى فرنسا مثلا بالتباهى بإرث نابليون بونابرت مع أنّه كان فى النهاية... ديكتاتورا وغازيا لشعوب كثيرة. ولا يجرؤ ألمانيّ من الشمال أن يقول أنّ سكان بافاريا فى الجنوب... لا يشبهون أهل الشمال، رغم أنّهم يجدون صعوبة حتّى فى فهم لهجتهم. كما تكمُن الإشكاليّة فى وسائل الإعلام الحديثة، والتى لا يُمكِن فى البلدان العربيّة جميعها وصف أغلبيّتها المطلقة بأنّها مستقلّة... والقائمون عليها لهم ذات الخصوصيّة المهيمنة: إبراز الهويّات ما دون الوطنيّة والمرجعيّة الخارجيّة... وتبنّى ما يبرزهم أكثر فى التاريخ والأحداث الحالية.
ما زال مفهوم «استعمار» يعنى شيئا بالنسبة للجيل القديم. وكذلك مفهوما «تسويف» و«تلاعب» خارجى. لما شهده ذلك الجيل بحزنٍ وأسى وأدّى أمريكيا وسوفيتيّا لنكسة 1967 وكذلك للانتصار الإشكالى سنة 1973، حين دخل الجيش الإسرائيلى مئة كيلومتر غرب قناة السويس بعد «العبور المجيد». وما زالت ذاكرة الصراعات العربيّة العربيّة حاضرة لديه بمساهمتها فى صنع مشهد اليوم وما يسود من «هشاشة» وتشرذم كثيرٍ من الدول العربيّة فى حين تحلم أخرى بمستقبلٍ مشرق... لها وحدها. وما زال نفس الجيل القديم يذكُر أنّ هدف إنشاء الجيوش وأجهزة الأمن فى البلدان العربيّة كان حماية أمنها من التدخّلات الخارجيّة، فى حين أضحى من يقاوم اليوم «جيوش» غير نظاميّة. وما زال يذكر دبلوماسيين عربا لعبوا دورا أساسيّا فى صون بلادهم. وهذا الجيل القديم ما زال يتخوّف ممّا هو أسوأ، أن تستمرّ الإبادة الجماعيّة للفلسطينيين والفلسطينيات وتهجيرهم، وأن تستمرّ شرذمة البلدان العربيّة أكثر وألاّ تحصل الدول «الحالمة»... على ما تصبو إليه حتّى لو أعطت إسرائيل كلّ ما تريد...
ما يقوله الواقع أنّ أغلبيّة الجيل الجديد بعيدٌ عن هذا كلّه اليوم... خاصّة المتعلّم منه... مقابل حلمه بالهجرة بعيدا... إلى جانب حلمه بحريّات فى بلاده بعد أن مُنِعَت عنها طويلا... ويحلم بأن يعيش فى بلده بلا مبالاة كما فى أغلب بلدان الغرب... ما يحدث فى غزّة اليوم قضيّة إنسانيّة وليس قضيّة وجود... وقضيّة مستقبله هو.
وما بين المبالغة بمشاعر تشاؤم الجيل القديم أكثر من اللازم... وأحلام الجيل الجديد وما تثيره من نشوةٍ وتفاؤلٍ... تبقى الهوّة كبيرة بين هذه الأحلام وبين معرفة البلاد ووعى هويّتها وتاريخها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.