على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    «يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    المجمعات الاستهلاكية تستقبل الجمهور خلال عطلة شم النسيم    أسعار أراضي الإسكان الأكثر تميزًا بالمدن الجديدة.. تعرف على الشروط ورابط التقديم    التقديم غدًا.. 14 شرطًا لتلقي طلبات التصالح في قنا    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء.. غدًا    تراجع كبير في أسعار الحديد اليوم الاثنين 6-5-2024    مطار العريش الدولي يستقبل طائرة مساعدات إماراتية لصالح الفلسطينيين بغزة    فرنسا: أي تهجير قسري للمدنيين يمثل جريمة حرب    بمناسبة عيد ميلاده.. كوريا الشمالية تدعم الزعيم كيم جونج أون بقسم الولاء    الجونة يستعيد خدمات أحمد حسام في لقاء فاركو    القناة الناقلة لمباراة باريس سان جيرمان ضد بوروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    استياء في الزمالك بعد المشاركة الأولى للصفقة الجديدة    «الرياضة» تستعد لإطلاق 7 معسكرات شبابية جديدة في مختلف أنحاء الجمهورية    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    بالفيديو| أطفال يحوّلون النافورات إلى حمامات سباحة في احتفالية عيد شم النسيم    «الداخلية»: 4 متهمين وراء مقتل «مسن الوادي الجديد» بسبب خلافات مالية    إقبال كبير على كورنيش النيل للاحتفال بشم النسيم في الأقصر (صور)    فنانون عادوا للساحة الفنية بعد غياب سنوات.. آخرهم يوري مرقدي    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    رانيا محمود ياسين تُعلن وفاة عمها    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    معهد أمراض العيون: استقبال أكثر من 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال 2023    استشاري تغذية توجّه نصائح لتفادي خطر الأسماك المملحة    بالأطعمة والمشروبات.. طريقة علاج عسر الهضم في شم النسيم    «الدواء» تقدّم 7 نصائح قبل تناول الفسيخ والرنجة    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الاتحاد الأوروبي يعتزم إنهاء إجراءاته ضد بولندا منذ عام 2017    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    كشف ملابسات وفاة سيدة إثر حادث تصادم بسيارة وتحديد وضبط مرتكب الواقعة    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجراح المتمرد.. كتاب يحكي أسطورة مجدي يعقوب

اختار دراسة طب القلب فى الخامسة بعد وفاة عمته الشابة
والده استبعد نجاحه فى دراسة جراحة القلب لأنه غير منظم.. والدكتور هولمز سيلورز نصحه بالبحث عن تخصص آخر
مجدى يعقوب: كنت محظوظا بدراسة الطب بمصر فى فترة ازدهاره
مجانية التعليم فى مصر غلبت الكم على الكيف فكانت النتيجة سلبية
لم أغادر مصر لأننى قبطى ولكن بحثا عن تحقيق طموحاتى العملية والمهنية
شعرت بصدمة كبيرة عندما فشلت فى اختبار الالتحاق بوظيفة طبيب مقيم بمستشفى «شمال ستافوردشاير الملكى»
التجربة الإنسانية والمهنية الاستثنائية للدكتور مجدى يعقوب، نموذج متجدد لحقيقة أن النجاح الاستثنائى والامتياز لا يأتى من فراغ، ولا هو وليد للصدفة ولا حتى مجرد القدرة على بذل قدر من الجهد أكثر من الآخرين وإنما يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، يحتاج إلى التمرد واستقلالية التفكير والثقة الكاملة فى النفس وفى القدرة على الوصول إلى الهدف بغض النظر عن رؤية الآخرين له، مع السعى الدائم إلى امتلاك كل أدوات النجاح والوصول إلى الهدف.
هذه الكلمات ليست مجرد «كلاشيهات ولا عبارات مكررة» لكنها حقيقة أثبتها الكاتبان البريطانيان سيمون بيرسون وفيونا جورمان فى كتابهما الصادر باللغة الإنجليزية عن مطبوعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومكتبة الإسكندرية تحت عنوان:
«A Surgeon and a Maverick: The Life and Pioneering Work of Magdi Yacoub»
«جراح ومتمرد».. حياة وأعمال مجدى يعقوب الرائدة
وجاء اختيار كلمة «Maverick» كعنوان رئيسى للكتاب موفقا للغاية لأنها تحمل العديد من المعانى باللغة العربية فهى «المتمرد» أو «المتفرد» أو «المنشق»، وتعنى باللغة الإنجليزية «الشخص الذى يظهر أكبر قدر من الاستقلالية فى أفكاره وأفعاله».
فهكذا كان مجدى يعقوب كما صوره الكاتبان اللذان احتاجا إلى إجراء مقابلات استمرت أكثر من 25 ساعة مع السير مجدى يعقوب وأفراد أسرته وأصدقائه وزملائه ومرضاه السابقين، ونقبوا فى أوراق المستشفيات والجمعيات الطبية التى عمل معها يعقوب خلال رحلته الثرية كلها وراجعوا أرشيف الصحف البريطانية التى تابعت رحلة مجدى يعقوب على مدى عقود، منذ مولده فى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية يوم 16 نوفمبر 1935 وحتى حصوله على وسام الاستحقاق من ملكة بريطانيا فى عام 2014.
كان حبيب يعقوب والد مجدى يعقوب طبيبا ممارسا عاما فى وزارة الصحة المصرية، ويتنقل بين مدن مصر وفقا لاحتياجات الوزارة، وكانت أسرته المكونة من الزوجة مادلين والأبناء مجدى وجمال وسامى ومهجة، تنتقل معه إلى حيث يعمل.
حرص حبيب وزوجته مادلين ابنة أحد القضاة على غرس قيمة الجد والمثابرة والالتزام فى أبنائهما لكى يكونوا أشخاصا ناجين. ومن الرسائل التى غرسها الأب فى عقل وروح أبنائه قوله «لا أريد أن أترك لكم بعد وفاتى مالا، وعموما ليس لدى مال كثير، لكن أريد توفير التعليم والمعرفة الجيدة لكم وهذه أشياء لن تخذلكم أبدا. سأموت سعيدا وراضيا عندما تصبحون قادرين على رعاية أنفسكم».

وعندما كان مجدى فى الخامسة من عمره ماتت عمته إيوجين وهى فى ريعان الشباب بسبب مرض فى القلب. كان رحيل إيوجين فى الثانية والعشرين من عمرها وعجز شقيقها الأكبر الدكتور حبيب عن إنقاذها من المرض، حدثا مأساويا للأسرة كلها. ورغم أن مجدى كان صغيرا، لكن ذكرى وفاة عمته الشابة ظلت تلازمه، وجعلته يفكر منذ هذه السن المبكرة فى أن يصبح طبيبا ويتخصص فى علاج القلب. ولما قال لوالده إنه يعتزم عندما يكبر أن يصبح جراحا للقلب فرد عليه بقوله «لا يمكن أن تكون جراح قلب، لأنك غير منظم. لن تنجح فى أن تصبح جراح قلب، أنت اخترت الاختيار الخطأ».
وكان هذا الموقف أول تحدٍ يواجهه مجدى يعقوب فى رحلته الطويلة نحو المجد. ويقول مجدى إنه كان منذ صغره معجبا بوالده ويرافقه أغلب الوقت أثناء عمله، لكنه قرر فى هذه اللحظة أن يثبت أن حبيب كان مخطئا، «ومن هذه اللحظة أصبحت أكثر إصرارا على تحقيق هذا الهدف».
ومرت سنوات وأصبح مجدى فى المرحلة الثانوية، دون أن يتخلى عنه هدفه أن يصبح جراح قلب. وفى هذا الوقت دعاه خاله الطبيب الذى كان يتدرب مع والده لحضور عملية جراحية. وبمجرد أن شاهد الفتى يعقوب منظر الدم بعد بدء العملية أصيب بالإغماء. وبعد أن فاق من الإغماءة قال له خاله ساخرا «تريد أن تصبح جراح قلب وأنت لا تتحمل منظر الدم؟».
وبعد سنوات قال مجدى تعليقا على هذا الموقف «فعلا أنا لا أستطيع رؤية منظر الدم. وهنا يمكن أن تتساءلوا كيف يكون ذلك وقد أمضيت أغلب سنوات عمرى داخل غرف العمليات الجراحية؟ الحقيقة أننى عندما أكون داخل غرفة العمليات أكون مستغرقا تماما فى الأمر وأشعر بالسيطرة التامة على كل شىء فلا يفزعنى منظر الدم. لكن إذا حدث وكنت فى الشارع وشاهدت دماء تسيل نتيجة حادث فإنا لا أكون مسيطرا على الأمر».
لذلك لم يمنعه خوفه من الدم من التقدم لاختبار الحصول على منحة لدراسة الطب مجانا فى جامعة القاهرة التى كانت تسمى فى ذلك الوقت جامعة الملك فؤاد. ورغم أنه كان فى السادسة عشرة من عمره تقريبا، نجح فى الحصول على المنحة، وجاء ضمن العشرة الأوائل من بين آلاف الطلاب الذين تقدموا للامتحان. فقد قرر بالفعل ألا يحمل والده تكاليف دراسته الجامعية لمدة 7 سنوات.
وفى جامعة القاهرة أنهى دراسته بتفوق وتم تكريمه من الرئيس جمال عبدالناصر، والتقاط صورة له وهو يصافح الرئيس وهى الصورة التى تحتفظ بها الأسرة حتى الآن. وكان جمال عبدالناصر زعيما قوميا ساهم فى تغيير شكل العالم، وهو ما فعله مجدى يعقوب فيما بعد، ولكن فى مجال مختلف. فقد كان لكلا الرجلين رؤيته للعدالة الاجتماعية. وكانت شعارات عبدالناصر القوية عن العدالة والمساواة وحقوق الفقراء، متوافقة مع مثالية طالب الطب الشاب. لكن نسخة عبدالناصر للعدالة الاجتماعية لم تكن تتفق بسهولة مع سعى يعقوب للتفوق والامتياز.
وعندما سئل فيما بعد عن سبب خروجه من مصر عبدالناصر، قال يعقوب «كان هناك وعى بأنه كان فى مصر فئة تتمتع بالكرامة وفئة محرومة منها. وحاول عبدالناصر إتاحة التعليم المجانى للجميع. وكانت النتيجة انهيار مستوى التعليم. وأدى حل عبدالناصر إلى تدمير التفوق والامتياز.
وأضاف يعقوب «التعليم الطبى فى مصر كان رائعا. فقد كان عدد طلاب الدفعة الواحدة 60 طالبا. لكن عبدالناصر قال إن التعليم الجامعى يجب أن يكون من حق الجميع، وفتح مدرجات الجامعة أمام مئات الطلاب. لقد كنا 60 طالبا، والآن الدفعة تبلغ 1000 طالب، لذلك يقف الطلبة الآن على أطراف أصابعهم حتى يستمعوا للمحاضرة. فقد التعليم الجامعى فى مصر الجودة والتفوق.. أعتبر نفسى محظوظا للغاية. فقد درست فى العصر الذهبى للتعليم الطبى فى مصر».
ولأنه رأى أن مصر لم تعد كافية لتحقيق طموحه فى الطب والعالم، قرر ترك الحياة المهنية والشخصية المريحة فى مصر بحثا عن تحقيق حلمه فى أن يصبح واحدا من أهم جراحى القلب فى العالم والانطلاق إلى آفاق غير مطروقة فى هذا المجال. وفى أواخر مايو 1961 استقل مجدى القطار من محطة باب الحديد فى القاهرة، برفقة شقيقه الطبيب جيمى متجهين إلى الإسكندرية لكى يركبا السفينة التى ستقلهما إلى ميناء مارسيليا الفرنسى فى طريقهما إلى لندن لاستكمال دراسة الطب فى بريطانيا.
فى ذلك الوقت كان سن مجدى يعقوب 25 عاما وقد بلور رؤيته للمستقبل وهى أنه يجب أن يستخدم العلم لخدمة المجتمع. وتجسدت هذه الرؤية من خلال تطوير جراحة القلب سواء فى تلك القرية البريطانية المعزولة هارفيلد أو فى مدينة أسوان فى أقصى جنوب مصر.
وعلى غير المعتاد فى ذلك الوقت بدأ يعقوب النظر إلى العلم كوسيلة لخدمة جراحة القلب. وكان يقول إن «الأبحاث الناجحة يمكن أن تنقذ ملايين البشر». وفى ذلك الوقت كان على الطبيب أن يختار إما أن يكون جراحا يمارس عمله فى المستشفيات وغرف العمليات أو عالما فى مجال الطب يمارس عمله فى المعامل وقاعات البحث، ولكن مجدى يعقوب استطاع تغيير هذه النظرية ونجح فى الجمع بين البحث العلمى والممارسة العملية فى مجال جراحة القلب.
وبعد أقل من عام على وصوله إلى بريطانيا تقدم لوظيفة طبيب فى «شمال ستافوردشاير الملكى» فى مدينة ستوك أون ترينت بوسط إنجلترا. وبعد المقابلة تصور أنه نال إعجاب لجنة الاختيار وأنه سيحصل على الوظيفة، لكن للأسف تم اختيار طبيب غيره. وكانت هذه صدمة كبيرة ومفاجئة للطبيب الشاب الذى اعتاد منذ طفولته على النجاح الباهر.
ويقول «شعرت بخيبة أمل كبيرة.. لأننى كنت مستعدا، عاطفيا، للانضمام إلى هذا المجتمع ومعالجة عمال المصانع فى ستوك. فقد كانت ضربة كبيرة لى».
وعاد إلى العاصمة البريطانية وقدم طلبا للالتحاق بوظيفة «طبيب مقيم مبتدئ» فى مستشفى صدر لندن بمنطقة بيثنال جرين والتى كانت مشهورة على مستوى لندن بعلاج أمراض المرىء والقلب وهو ما جعلها مناسبة لطموحات يعقوب فى أن يصبح جراح قلب.
وفى عام 1964 تمت ترقية يعقوب إلى أخصائى ليعمل مستشفيين بالعاصمة لندن فى وقت واحد وهما مستشفى صدر لندن ومستشفى برومبتون المتخصصة فى أمراض القلب والرئة. وفى وقت لاحق من العام نفسه انتقل مجددا ليعمل فى كل من برومبتون والمستشفى الوطنى للقلب فى ويستمنستر والتى كانت لها شهرة دولية فى التطوير السريع فى مجال أمراض وجراحة القلب.
لكن الأكثر أهمية فى هذه المرحلة هى دخول يعقوب مجال اللورد روسيل كلاود بروك طبيب القلب البريطانى المعروف فى مستشفى برومبيتون.
كانت شخصية بروك صارمة للغاية سواء فى غرفة العمليات أو خارجها، وكان الجميع يهابه. ويقول يعقوب «عندما كنا نرى سيارته تدخل إلى المستشفى كان الجميع يهرولون ليقفوا فى صف واحد يلقون عليه التحية «صباح الخير سير».
فى الوقت نفسه تعلم يعقوب من اللورد بروك الكثير بالنسبة لكيفية التفكير فى المرضى وطرق معالجتهم بالأساليب الطبية الجيدة والسيئة على السواء. وكذلك طريقة التصرف فى غرفة العمليات. وكانت نقطة عظمة اللورد بروك دقته الشديدة فى وصف حالة المريض وطريقة التعامل معها، فلم يكن يقبل من أى طيب زميل أو متدرب أن يتحدث بمصطلحات عامة عن حالة المريض ولا طريقة العلاج المقترحة.
ويتذكر يعقوب أنه فى إحدى المرات قال طبيب إن «المريض يحتاج إلى جراحة»، ففقد بروك أعصابه وقال بصوت مرتفع إن «الجراحة هى الفن أو التخصص ككل، والمفروض استخدام عبارة أن المريض يحتاج إلى عملية جراحية».
وعلم بروك يعقوب زملاءه كيفية التفكير فى العمليات الجراحية وطريقة التعامل مع المرضى. وقال إنه على طبيب القلب الشاب أن يسجل أى ملحوظة كتبها أطباء القلب أو الأطباء الذين شخصوا المرض. والنظر فى كل أشعة إكس لكل مريض يعالجه. ويجب أن تكون هذه الملاحظات وأشعات إكس فى ملفات لسبب وجيه. وطالب الأطباء بدراسة حالة مرضاهم بكل تفصيل ودراسة الاختلافات بينهم ومعرفة كيف يفكر طيب القلب.
ويضيف يعقوب أن بروك «علمنى كيف أكون أصليا وكيف أحل المشكلات. كان قوة فكرية هائلة».
وعندما اقترب اللورد بروك من سن التقاعد، بدأت إدارة المستشفى البحث عن خليفة له. وكان الأخصائى القديم المصرى يعقوب هو المرشح للمنصب. وفى ذلك الوقت كان الطبيب المصرى يعمل فى ثلاث مستشفيات بريطانية، ويتمتع بسمعة جيدة بين زملائه ورؤسائه سواء فيما يتعلق بقدرته على العمل لفترات طويلة أو بكفاءته كطبيب قلب.
ومن بين رؤسائه فى العمل كان الدكتور سير توماس هيلمز سيلورز الاستشارى فى كل من المستشفى الوطنى للقلب ومستشفى هارفيلد فى غرب لندن. وقال سيلورز ليعقوب إنه لن يستطيع الوصول إلى القمة فى تخصص جراحة القلب وعليه البحث عن تخصص مختلف. وكما هى عادته لم يجعل هذا الرأى مجدى يتردد فى مواصلة طريقه الذى حددته منذ كان فى الخامسة من عمره. وفى أوائل عام 1967 طلبت منه إدارة مستشفى برومبتون التقدم بطلب لشغل وظيفة الاستشارى، وكان هناك اعتقاد بأن بروك سيدعمه.
وكان هناك معجبون آخرون بيعقوب بين كبار أطباء القلب فى بريطانيا ومنهم الاستشارى دونالد لونجمور استشارى القلب الذى قال عنه فى مقابلة مع صحيفة أوبزرفر البريطانية فى ذلك الوقت إنه «جراح مفكر.. يحاول دائما القيام بأشياء جديدة ويتعلم منها. إنه يعمل برأسه وليس فقط بيده فى غرفة العمليات. كما أن يديه مثيرة للانتباه. فهى كبيرة، ورغم أن اليد الكبيرة عادة ما تكون قبيحة فإن يد يعقوب جميلة للغاية».
فى المقابل يتذكر يعقوب الحوار الذى دار بينه وبين هولمز سيلورز على هامش إجراءات اختيار خليفة بروك حيث قال له سيلورز «أنت موهبة مهدرة». وعندما سأله لماذا قال «لن تحقق أى نجاح فى جراحة القلب لأسباب عديدة مختلفة. فقد قمنا بكل ما يمكن أن يصل إليه الطب فى هذا المجال، ولم نترك أى شىء يمكن اكتشافه. لذلك فإن عقليتك البحثية ستتبدد».
ويضيف يعقوب أن سيلورز «طلب منى البحث عن تخصص آخر لكننى شكرته، وكنت أشد إصرارا على مواصلة الطريق الذى اخترته لمهنتى. فحبى لجراحة القلب لم يكن مصادفة. كنت أعرف ما أريد عمله أكثر من أى شىء آخر. كنت أريد لعب دور فى تقدم هذا التخصص الطبى وتجاوز الحدود القائمة لجراحات القلب».
وفوجئ يعقوب باختيار طبيب غيره لمنصب الاستشارى خلفا للدكتور بروك فى مستشفى برومبتون. وشعر بإحباط شديد لآن كل المؤشرات كانت تقول إن فوزه بالمنصب شبه مؤكد.
وكما اعتاد دائما قرر القفز على هذا الفشل غير المعتاد فى حياته للمضى قدما فى طريقه نحو تحقيق طموحاته.
وفى هذا الوقت بدأ يعقوب التفكير فى السفر إلى الولايات المتحدة لأنه كان يرى أن «جراحة القلب السريرية جيدة فى بريطانيا، لكن الجراحات التجريبية أفضل فى الولايات المتحدة. وفى الأخيرة هناك علاقة وثيقة بين الجراحة والبحث العلمى».
وبمساعدة من الدكتور روس حصل يعقوب فى عام 1967 على وظيفة أستاذ مساعد فى كلية الطلب بجامعة شيكاغو الأمريكية مقابل 15 ألف دولار سنويا بما يعادل 118 ألف دولار حاليا. وكان العرض مذهلا بالفعل لكن كان عليه الانتظار عدة شهور حتى تنتهى الجامعة من إجراءات حصوله على تأشيرة دخول الولايات المتحدة للعمل فيها كأجنبى.
وفى أوائل صيف 1968 تلقى عرضا للعمل كاستشارى فى وحدة جراحة القلب المنشأة حديثا فى مستشفى هارفيلد غرب العاصمة البريطانية لندن، وهو المستشفى الذى سيشهد أمجاد الدكتور مجدى يعقوب الطبية.
فى ذلك الوقت كان الدكتور مالكلوم تاورز مؤسسة وحدة القلب فى المستشفى يريد العمل مع نوع مختلف من الأخصائيين، وأن يكون متخصصا تماما فى جراحة القلب وهو التخصص الذى كانت تطلق عليه كلية الأطباء الملكية البريطانية «المفهوم الأكثر تقدمية فى أى مستشفى فى ذلك الوقت».
ورغم تمسكه بالسفر إلى الولايات المتحدة، وافق مجدى على التقدم للوظيفة المعروضة فى مستشفى هارفيلد. وبدأ يعتقد أن فشله فى الحصول على وظيفة استشارى فى مستشفى برومبتون، كان فى صالح مستقبله.
وتشكلت لجنة تعيين الاستشارى الجديد فى مستشفى هارفيلد وأجرت مقابلات مع 4 مرشحين لوظيفة استشارى جراحة القلب، بينهم مجدى يعقوب، ليختاروا فى النهاية يعقوب الذى شاءت الأقدار أن يصبح خليفة الاستشارى الذى وصل إلى سن التقاعد السير توماس هولمز سيلورز، الذى كان قد نصح يعقوب بالبحث عن تخصص آخر غير جراحة القلب لأنه غير مؤهل للنجاح فيه.
فى الوقت نفسه طلبت لجنة الاختيار من يعقوب التخلى عن فكرة السفر إلى الولايات المتحدة لكنه رفض وقال إنه مستعد للعمل كاستشارى فى مستشفى هارفيلد ولكن بعد السنة التى سيقضيها فى الولايات المتحدة. وفى نهاية المطاف أبلغته اللجنة بأنها قررت تعيينه فى وظيفة استشارى مع تأجيل تسلمه العمل لمدة عام حتى يعود من الولايات المتحدة.
وفى يوليو 1968 استقل يعقوب الطائرة إلى الولايات المتحدة، ليبدأ تجربة جديدة فى كلية طب شيكاغو، وهى التجربة التى ساهمت بشدة فى الطريقة التى طور بها وحدة جراحة القلب فى مستشفى هارفيلد التى حولته من مجرد مستشفى فى قرية بريطانية صغيرة تحمل نفس الاسم إلى أحد أشهر مراكز جراحة القلب على مستوى العالم.
ويقول يعقوب إن العمل فى جامعة شيكاغو «كان نقطة تحول فى حياتى.. فهذه الجامعة واحدة من أهم الجامعات فى الولايات المتحدة حيث يعمل فيها العديد من الحاصلين على جائزة نوبل فى الطب والذين كانوا يدرسون موضوعات مثل العلاقة بين الهرمونات والسرطان. كما أنهم منحونى معملا للأبحاث فى المبنى الإكلينيكى. وانهمكت فى الأبحاث السريرية والجراحات التجريبية».
ومن بين الطلبة الذين قام يعقوب بالتدريس لهم كأستاذ مساعد فى جامعة شيكاغو الطبيب المصرى إسماعيل الحمامصى الذى كان يدرس بمنحة دراسية فى الجامعة الأمريكية، قبل أن يستكمل دراسته للدكتوراه فى إمبريال كوليدج بلندن مع مجدى يعقوب.
وعن استفادته من الدراسة معه يقول الحمامصى «لقد كان ملهما بصور كثيرة للغاية، سواء من عمق معرفته أو فضوله العلمى أو تواضعه أمام العلماء، وهو ما كان يسمح له بالتعلم باستمرار. لم أره أبدا يدعى أنه يعرف كل شىء. وعندما يتعلق الأمر بالعلم والأمور المجهولة، فقد كان يعتمد على الأساليب العلمية للوصول إليها».
ومع اقتراب فترة تعاقده مع جامعة شيكاغو من نهايتها عرضت عليه إدارة كلية الطب تعيينه كأستاذ مساعد بشكل دائم مع تخصيص معمل أبحاث له وتعيين مجموعة من الأطباء الشبان لكى يواصل أبحاثه فى مجال جراحة القلب. ورغم أن العرض كان مغريا من الناحية العلمية المهنية بالنسبة لطموحات مجدى يعقوب فى مجال جراحة القلب، لكنه أبلغهم بالتزامه باتفاقه مع مستشفى هارفيلد الصغير فى بريطانيا وأنه سيعود إليه بمجرد انتهاء فترة العام المقررة له فى الولايات المتحدة، لتبدأ مرحلة جديدة فى رحلة صعود يعقوب إلى القمة.

مؤلفا الكتاب:
أعد الكتاب الصحفيان سيمون بيرسون وزوجته فيونا جورمان. وعمل بيرسون فى صحيفة تايمز البريطانية لمدة 30 عاما وله ثلاثة كتب منها كتاب «الهارب العظيم» عن سيرة الجندى البريطانى الشهير روجر بوشيل الذى وقع فى أسر الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية وحاول الهرب ثلاث مرات حتى أعدمه الألمان فى عام 1944 بأمر من أودولف هتلر. أما الكاتبة فيونا جورمان فتعيش فى لندن وتكتب فى مجالات عديدة ومنها الصحة النفسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.