رئيس الرقابة المالية يشارك فى اجتماع مجلس إدارة المنظمة الدولية لهيئات أسواق المال    «معلومات مجلس الوزراء»: السيارات الكهربائية تحدث تحول جذري في قطاع النقل وتعيد تعريف سوق السيارات    لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك.. إنزال نصف مليون «زريعة بلطي» بنهر النيل في قنا    استقبال 12774 طلبًا لاستخراج شهادات بيانات التصالح على مخالفات البناء بالشرقية    وكالة إيرانية: طهران زودت الحوثيين في اليمن بصاروخ باليستي يطلق من البحر "يشكل تحديات خطيرة لمصالح أمريكا وإسرائيل    عاجل| السيسي يعقد جلسة مباحثات مع الرئيس الصيني    القنوات الناقلة ل مباراة فيورنتينا ضد أولمبياكوس في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    الأهلي يخاطب الاتحاد الافريقي بسبب الزمالك    ترقب نتائج الصف الثالث الإعدادي بمحافظة القاهرة للفصل الدراسي الثاني 2024    للمرافعة.. تأجيل محاكمة 4 متهمين بالتزوير في محررات رسمية للغد    قبل 4000 عام.. دراسة: المصريون القدماء حاولوا إجراء جراحة لإزالة السرطان في الدماغ    مدير الأغاخان عن ترميم المارداني: تابعت كل المراحل وسيمثل تجربة فريدة للجمهور    بعد حصوله على جائزة الدولة..مصطفي كامل يهنئ الدكتور رضا بدير أستاذ آلة الناي    «نقص 17 ألف صنف متداول»..تدخل برلماني لحل أزمة نواقص الأدوية    بغداد بونجاح ينضم لصفوف الأهلي.. شوبير يكشف الحقيقة    أردوغان: روح الأمم المتحدة ماتت في غزة    جوتيريش يدين بشدة محاولة كوريا الشمالية إطلاق قمر صناعي عسكري    "تعليم الجيزة" يكرم أعضاء المتابعة الفنية والتوجيهات وأعضاء القوافل المركزية    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    ضبط 10 آلاف عبوة سجائر مستوردة داخل مخزن غير مرخص بطنطا    وزير خارجية النرويج: نتطلع على مدار عقود للاعتراف بالدولة الفلسطينية    السفير اليمني يبحث مع رئيس جامعة الأزهر تعزيز التعاون    البحيرة: توريد 222 ألف طن قمح للشون والصوامع حتى الآن    ليكيب: مبابي لم يحصل على راتبه من باريس منذ شهر إبريل    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    حلم «عبدالناصر» الذى حققه «السيسى»    جيش مصر قادر    3 فنانات يعلن خبر ارتباطهن في شهر مايو.. مي سليم آخرهن    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    تعرف على جدول قوافل «حياة كريمة» الطبية في البحر الأحمر خلال يونيو    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    ضبط سلع غذائية منتهية الصلاحية بالفيوم    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    رئيس جامعة حلوان يتفقد كلية التربية الرياضية بالهرم    رئيس جهاز 6 أكتوبر يتابع سير العمل بمحطة مياه الشرب وتوسعاتها    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    مصر للطيران تسير اليوم أولى رحلات الجسر الجوى لنقل حجاج بيت الله الحرام    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    «شمتانين فيه عشان مش بيلعب في الأهلي أو الزمالك»..أحمد عيد تعليقا على أزمة رمضان صبحي    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين.. وساعة المكتب
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2024

تعطلت ساعة الحائط فى غرفة المكتب، وتوقف عقربا الساعات والدقائق عن مبارحة مكانيهما، ولكن لأسباب فيزيائية متعلقة بما تبقى فى البطارية من جهد، ما برح عقرب الثوانى ينتفض فى حركة مبتورة لا تُقدم أو تؤخر من موضعه، ولكن يصدر عنها تكتكة مخادع حال دون إدراكى لتعطل الساعة، وكنت أتعجب من قدرتى الخارقة على مطالعة الساعة فى التوقيت ذاته كل يوم، وصرت أشعر بأن الوقت لا يمر أو ربما مر دهر وأنا لا ألحظ، حتى أدركت أن للزمن فى غرفة مكتبى صوتا دون حركة.
• • •
ذكرتنى الساعة المخبولة بمقولة شكسبير الشهيرة «الزمن بطىء جدا لمن ينتظر، سريع جدا لمن يخشى، طويل جدا لمن يتألم، قصير جدا لمن يحتفل، لكنه الأبدية لمن يحب»، إذن الزمن ليس واحدا، فى الوقت الذى يركض فيه لاهثا فى بقعة ما، يرقد تحت ركام عاجزا عن الحركة فى مكان آخر، وتُحسب هذه أعمارا متساوية على الجميع لمن عاش وأثمر، ومن دُفن حيا.
تركت الساعة دون تغيير البطارية بسبب الكسل من إحضار السلم وإنزالها عن الحائط، كسل غير مبرر، ولكن أتاحت لى تلك العقارب المشلولة الفرصة للتفكير فى الزمن الذى نعيش فيه، وهنا أخص بالذكر أبناء جيلى وفى هذه البقعة من الكوكب، حيث كانت طفولتنا ومراهقتنا صراعا من أجل تحصيل تعليم يُتيح لنا دخول كليات القمة، وفجأة تكشف لنا أن العالم به حيوات أخرى وإنجازات أكثر تشويقا من مجرد الحصول على شهادة لن تُسهم كثيرا فى تشكيل مستقبلنا الذى يعتمد تأسيسه على معطيات أخرى.
ينصحنا العارفون الفاهمون الأكبر سنا دوما بأن نقرأ التاريخ حتى نعرف المستقبل، ونتعلم من أخطاء الماضى، ولهذا أجد متعتى فى قراءة الصحف القديمة بالذات، انتهزت الفرصة اليوم وأخرجت حفنة من المقتنيات الورقية القديمة التى اشتريتها من سوق السبت، ولأنى أعشق تفسير كثير من الأحداث بأنها جرت ضمن متوالية تحت وطأة تقاطع للصدف القدرية، طالعتنى صحيفة «المقطم» عدد الخميس 15 فبراير 1951 بخبر فى الصفحة الأولى بعنوان «إعانة أطفال اللاجئين» ونصه كالتالى:
«فى اجتماع المجلس التنفيذى لصندوق الطوارئ الدولى لمساعدة الأطفال المنعقد الآن تحدث نائب رئيسه الأستاذ عونى الخالدى مندوب العراق فى هيئة الأمم مطالبا بأن يوجه الجانب الأكبر من الاعتمادات لمساعدة الأطفال فى الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وقال إنه لاحظ أن هناك ميلا لجعل النصيب الأكبر لأوروبا. وأيده فى هذا القول ممثلو البرازيل وجمهورية الدومينيكان وسيلان. وقرر المجلس تخصيص 159 ألف دولار للاستمرار فى تقديم المساعدات إلى الأمهات والأطفال العرب من لاجئى فلسطين لغاية آخر شهر يوليو المقبل».
استكمالا للصدف وتكرار التاريخ لذاته، كان فى العدد ذاته خبر فى صفحة 3 بعنوان «أسبوع اللاجئين العرب» نصه كالتالى:
«نظرا لأن حالة اللاجئين العرب الفلسطينيين فى منطقة غزة وما يعانونه من الضيق قد لفتت أنظار سيدات الأسر الكريمة إلى التفكير فى وسائل سريعة تخفف عنهم بعض ما يعانونه من بؤس وهم يجتازون أيام الشتاء الحالى بعوامله الجوية القاسية التى تفترس أجسامهم الهزيلة وبطونهم الخاوية».
• • •
لا تتوقف إعلانات الراديو والتلفزيون منذ بداية الحرب فى غزة عن جمع تبرعات من أجل أهالى فلسطين، وهو الامتداد للخبر السابق ذكره من سعى نساء الأسر الميسورة فى مصر لجمع تبرعات، مرت السنون ولم يتغير الواقع البائس قيد أنملة، بل زاد قسوة ووحشية، فالمعاناة لا تزال مستمرة، والعجز ذاته، وفقط تعلو أصوات المناشدة لجمع الدعم، ولم تُثمر عشرات السنين من جمع الطعام والأغطية عن إنصاف الشعب الفلسطينى وحسم القضية.
كأنه كلما تقدم وتحضر العالم (وربما نقصد بهذا العالم الأول)، تراجعت الإنسانية فى بقعتنا، ولم ينلنا من التقدم سوى حفنة من الوسائل والتطبيقات التى نتوهم من خلالها أننا نعيش حياة براقة ونحصل على عدالة مُتخيلة من التضامن الإلكترونى.
لو لم تكن الصحيفة بين يدى الصادرة منذ ثلاثة وسبعين عاما مؤرخة، لصلحت كعدد جديد فى نهار أحد أيام يناير البارد فى 2024، إذ تتحدث العناوين والأسطر عما يحدث للأطفال والنساء والأحياء كافة فى فلسطين، ليس فقط معاناة الحرب، ولكن تحمل البرد والجوع والمرض.
مطالعة تاريخ منطقة ما وفى الوقت ذاته من العام بعد عشرات السنين فيبدو كأن الفرق بين البارحة واليوم لا يُذكر، تعنى أن الزمن فى هذه البقعة لا يختلف عن الزمن فى غرفة مكتبى، له دبيب ولكن لا يمر أو ربما يمر الدهر، ولا يهتم أحد بإحضار السلم وإنزال الساعة وتغيير البطارية وإعادة ضبط الوقت، لأن هذه المسئولية وهذا الفعل سيكشفان كم تكاسل كثيرون عن أداء الأدوار المنوط بهم أداؤها.
• • •
أتممت تغيير البطارية فى الساعة، وعادت تعمل بشكل طبيعى، تلف العقارب فى دوائر مفرغة، نستنزف معها طاقتنا وبهجتنا فى مقابل مزيد من الغضب والشعور بالعجز وضبابية تحول دون أن نرى موطئا لأقدامنا، فالغد هو نظير اليوم، وشبيه الأمس، وفى منطقتنا الأخيار من بنى جلدتنا ينتصرون فقط فى أفلام الأكشن محلية الصنع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.