ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن فكرة "الترحيل" عادت إلى صدارة الأحاديث داخل إسرائيل بقوة، مع تزايد في قائمة المعجبين بهذه الفكرة، ويتضح ذلك من خلال تصريحات القادة في كيان الاحتلال، الذين ينادون منذ بداية العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر، بالتخلص من الفلسطينيين وإعادة الاستيطان إلى القطاع. وكشف عضو في الكنيست من حزب الليكود، في ديسمبر 2023، أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعتزم تشكيل فريق للنظر في ترحيل آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، وجاء هذا الإعلان خلال اجتماع لليكود استجابة لدعوة عضو الكنيست داني دانون، حيث أصبح ترحيل الفلسطينيين أكثر شعبية بين أحزاب اليمين الإسرائيلي، ولجعله أكثر قبولا، يقترحون الإطلاق عليه هجرة طوعية". وقال دانون، إنه تم الاتصال به من قبل "دول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا ترغب في استقبال اللاجئين من قطاع غزة"، ووصف دانون هذا الحل بأنه: إنساني للغاية"، وبحسب عضو الكنيست، فهذه "هجرة طوعية للفلسطينيين الراغبين في المغادرة". والمتتبع للمشروع الصهيوني للاحتلال منذ بدايته ثم تطوره وفرض سيطرته في أربعينيات القرن الماضي، سيجد أن فكرة "الترحيل" ليست حديثة أو وليدة الأحداث الأخيرة وإنما هي ركيزة من ركائز الفكر الاستيطاني الذي تتبعه الحركة الصهيونية، وقد ذكرت الكثير من المصادر التاريخية هذا. - خطط ومسميات مختلفة والهدف "الترحيل" أفرد الباحث والمتخصص في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، سعيد جميل تمراز، كتابا كاملا حول فكرة الترحيل لدى العقيدة الصهيونية، تحت عنوان "طرد الفلسطينيون في الفكر والممارسة الصهيونية 1882 - 1948"، وقال: "منذ عام 1937 كان هناك إجماع صهيوني ينادي بطرد العرب الفلسطينيين ودارت نقاشات تتعلق بترحيلهم، وذلك على هيئات الحركة الصهيونية، فقد طرح الأمر في المؤتمر العالمي لإيحود بوعالي تسيون، والمؤتمر الصهيوني العشرين". وأوضح تمراز، أنه بالفعل شُكلت لجان للترحيل ضمت عددا من قادة الحركة الصهيونية حينها، وهدفت لوضع دراسات ورسم خطط لطرد الفلسطينيين وعند النظر في الأفكار والخطط الصهيونية التي طرحت نتيجة لتلك المناقشات، يتبين أن قاسما مشتركا بينها هو تأييد ترحيل العرب الفلسطينيين بشكل جماعي من وطنهم إلى شمال سورياوالعراق وغيرها من البلدان المجاورة باعتباره شرط لإقامة دولة يهودية". اقترحت اللجان التي شكلت ما سٌمي بالترحيل الإيجابي، أي إقناع السكان بالترحيل والهجرة بالإغراءات المالية، كما طرحوا فكرة التبادل السكاني وتقوم هذه الفكرة التي تستخدم كغطاء للنوايا الصهيونية الحقيقية، وفق تمراز، على أساس تنفيذ عملية تبادل سكاني قائم على ترحيل الفلسطينيين إلى الدول العربية مقابل استيعاب يهود الدول العربية. وقد دخلت هذه الأفكار حيز التنفيذ أثناء حرب فلسطين 1947 -1948، والتي اتبع فيها أساليب أخرى مثل ارتكاب المذابح والجرائم المخيفة لإجبار السكان على الفرار بأنفسهم وأطفالهم. من أبرز مشاريع الترحيل التي ظهرت في هذه المرحلة، مشروع الدكتور جوزيف شختمان، والذي أوكلت له الحكومة الإسرائيلية، بعد شهر واحد فقط من الإعلان الرسمي للموافقة على إقامة دولة إسرائيل، عملية وضع خطة لترحيل الفلسطينيين، وكان شختمان يعتبر "أن وجود الفلسطينيين على الدوام داخل دولة إسرائيل الحديثة كابوسا، والهدف الأساسي للحركة الصهيونية هو إقامة دولة يهودية تضم أكثرية يهودية". كان شختمان صاحب اقتراح القيام بعمليات التبادل السكاني بين الطرفين (العرب –اليهود) مستندا في ذلك إلى إرشادات إلياهو بن حورين، لترحيل العرب إلى العراق واستعان بمثال تبادل السكان اليونان والأتراك والهنود والباكستانيين، وتبلور مشروعه هذا في الاجتماع الثالث للجنة الترحيل في سبتمبر 1948. - بذور الفكرة احتلت فكرة طرد الشعب العربي الفلسطيني من وطنه موقعاً مركزياً في الفكر الصهيوني، ورافقت مختلف مراحل تطور مشروعهم، فهي فكرة قديمة قدم تلك المشاريع، تعود جذورها إلى عام 1840م، عندما روج اللورد شافتسبري لشعار "وطن بدون شعب لشعب بدون وطن"، الذي شكل الأساس العملي لفكرة طرد الفلسطينيين من وطنهم، حيث يتضمن أهم ركيزة لهم وهي "إنكار الوجود العربي على أرض فلسطين". ويقول تمراز: "ليس غريبا أن معظم الزعماء الصهاينة قد طالبوا بتفريغ فلسطين من أهلها، ونقلهم إلى البلاد المجاورة، وكانت الإشارة الأولى لفكرة طرد الفلسطينيين قد طرحها إدوارد ميتفورد الذي اقترح عام 1845 إجلاء الفلسطينيين وتوطينهم في أجزاء أخرى من الدولة العثمانية، وأصبحت فكرة الطرد منذ عام 1882 وحتى قيام دولة إسرائيل من أهم الأهداف لقياديي الحركة الصهيونية، إذ شرعت القيادة الصهيونية في الترويج لمبادئها، وهي أن الحقوق الوطنية في فلسطين تعود حصرا إلى الشعب اليهودي ككل".