عبد الهادي القصبي: ملف حقوق الإنسان يحظى باهتمام بالغ يتجسد في الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية للانتخابات لإعلان نتائج جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    تجديد ندب الدكتور جمال هاشم مستشارًا لوزير التعليم العالي لشؤون المعاهد العالية الخاصة    أسعار الفاكهة اليوم الخميس في محافظة الغربية    رئيس الوزراء يتابع مشروعات مدينتي «رأس الحكمة الجديدة» و«شمس الحكمة»    وزير التعليم العالي يشهد توقيع اتفاق ثلاثي مع الخارجية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي    الهلال الأحمر المصري يدفع ب5900 طن مساعدات إنسانية و شتوية عبر قافلة زاد العزة ال102 إلى غزة    تموين الفيوم تضبط 61 مخالفة متنوعة بينها 14.4 ألف صاروخ ألعاب نارية تحت التصنيع وكميات من الدقيق قبل طرحها بالسوق السوداء    أشرف زكي يفجر مفاجأة عن أزمة ريهام عبد الغفور الأخيرة    وزير الصحة يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية    استشهاد لبنانيين بغارة إسرائيلية في البقاع    تريزيجيه: كنا الأفضل أمام زيمبابوي ونعمل على تحسين استغلال الفرص    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    محافظ الغربية يتفقد إدارات الديوان العام في جوله مفاجئة ويوجه بتسهيل الإجراءات ورفع كفاءة الخدمات للمواطنين    مصرع وإصابة 3 أشخاص في تصادم سيارتى نقل بإدفو    بابا الفاتيكان يندد بالأوضاع الكارثية للفلسطينيين في خيام غزة    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    أمم أفريقيا 2025.. صلاح ومرموش في صدارة جولة تألق نجوم البريميرليج    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤر إجرامية بالإسكندرية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    أحدهم حليف ستارمر.. ترامب يمنع بريطانيين من دخول أمريكا.. اعرف السبب    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    قرار هام مرتقب للبنك المركزي يؤثر على تحركات السوق | تقرير    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    الصور الأولى لقبر أمير الشعراء أحمد شوقي بعد إعادة دفن رفاته في «مقابر تحيا مصر للخالدين»    وزير الخارجية: سنرد بالقانون الدولي على أي ضرر من سد النهضة    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    أحمد البطراوي: منصة "مصر العقارية" الذراع التكنولوجي لوزارة الإسكان وتستوعب مئات آلاف المستخدمين    «تغليظ عقوبات المرور».. حبس وغرامات تصل إلى 30 ألف جنيه    التشكيل المثالي للجولة الأولى في كأس الأمم الإفريقية.. صلاح ومرموش في الصدارة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    أشرف فايق يطمئن الجمهور على حالة الفنان محيى إسماعيل: تعافى بنسبة 80%    «مدبولي»: توجيهات من الرئيس السيسي بسرعة إنهاء المرحلة الأولى من حياة كريمة    التطرف آفة العصر، ساويرس يرد على كاتب إماراتي بشأن التهنئة بعيد الميلاد    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي ويؤكد دعم تطوير المنظومة الصحية    نائب رئيس جامعة الإسماعيلية الأهلية يتابع سير اختبارات كلية الصيدلة    25 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    أزمة فيديو ريهام عبد الغفور.. رئيس شعبة المصورين بالصحفيين: من أمن العقاب أساء الأدب    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    تواصل تصويت الجالية المصرية بالكويت في ثاني أيام جولة الإعادة بالدوائر ال19    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    بشير التابعي يكشف عن الطريقة الأنسب لمنتخب مصر أمام جنوب إفريقيا    وزير الثقافة: المرحلة المقبلة ستشهد توسعًا في الأنشطة الداعمة للمواهب والتراث    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأحداث فى باب المندب.. تداعيات ومخاطر جسيمة
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 12 - 2023

الحديث عن مضيق باب المندب يعنى مباشرة الحديث عن المدخل الجنوبى لقناة السويس، وهو أمر لا يتعلق بدولة بمفردها، أو بمنطقة إقليمية محددة، بل يتجاوز الأمر ذلك لأبعاد وتداعيات دولية، فمضيق باب المندب تعبره سنويا من وإلى قناة السويس 18 ألف سفينة تحمل التجارة الدولية، لذلك فالبحر الأحمر عند باب المندب هو مضيق ملاحى عالمى تتعلق به مصالح العديد من الدول والشركات الكبرى فى كل أنحاء العالم.
مع تفاقم الأمور وفى ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على غزة، قام الحوثيون باحتجاز إحدى سفن ناقلات السيارات المملوكة لأحد رجال الأعمال الإسرائيليين، ولم يمر وقت طويل حتى تم استهداف ناقلة نفط نرويجية ثم استهداف إحدى سفن الحاويات لشركة ميرسك الدنماركية الكبرى، وسفينة حاويات أخرى لشركة هاباج لويد الألمانية.
أى يكن أسباب أو دوافع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق باليمن وحدها أو إسرائيل، فمضيق باب المندب هو ممر ملاحى دولى، وليست اليمن هى الدولة الوحيدة المطلة عليه، فجيبوتى أيضا تطل على المضيق وهى مقر لعدة قواعد عسكرية بحرية لعدة دول متباينة التوجهات والمصالح، وإن كانت تتفق جميعا على حجة ضمان أمن وسلامة الملاحة عبر المضيق.
• • •
الرؤية الاستراتيجية الأمريكية وقاعدتها معسكر ليمونيه فى جيبوتى تقوم على توفير الإمدادات اللوجيستية للسفن البحرية الأمريكية وقوات المارينز والتدخل السريع، وفى ذات الإطار فإن القاعدة العسكرية الفرنسية فى جيبوتى تضم عناصر من القوات الجوية والبحرية والبرية بمعداتها الثقيلة، أما القاعدة العسكرية الصينية فتضم ثكنات عسكرية ومهابط للهليكوبتر ومستودعات للطائرات الموجهة بدون طيار، وتسهيلات بحرية للسفن الحربية، فضلا عن إدارة الصين لميناء دوراليه.
أيضا توجد فى جيبوتى القاعدة العسكرية اليابانية، وهى أول قاعدة عسكرية خارجية لليابان، وتضم تسهيلات للطائرات وخفر السواحل، ثم القاعدة العسكرية الإسبانية وهى موجودة فى إطار دعم عملية أطلانطا التابعة للاتحاد الأوروبى، حيث تشارك بنشر طائرات دورية بحرية واستطلاع، ثم القاعدة العسكرية الإيطالية وهدفها دعم النشاط البحرى الإيطالى فى المنطقة وحماية السفن التجارية وتتبع أيضا عملية أطلانطا.
على الجانب الآخر، الحوثيون المدعومون بالفعل من إيران بالسلاح والخبرة التكنولوجية والمعلومات الاستخبارية، بالإضافة لذلك يمكنهم تطوير منظومات الصواريخ الموجودة لديهم وتعديل أنظمة الملاحة والتوجيه لها، وقد يكونون قد حصلوا على النسخة الأحدث للطائرة الإيرانية المسيرة «شاهد 136» التى تم تطويرها مؤخرا برأس باحث كهروضوئى، مما يجعلها قادرة على البحث عن الأهداف المتحركة ومهاجمتها بدقة، هذا فضلا عما هو متاح لديهم من صواريخ وتوربيدات وألغام بحرية، مما يعطى للأحداث عند باب المندب بعدا أخطر وأبعد مدى.
لكن الحوثيين ليسوا وحدهم فى باب المندب، فعلى مرمى حجر منهم تتواجد قوات ضاربة لعدة دول فى جيبوتى لحماية مصالحها فى شرق أفريقيا وبحر العرب وخليج عدن، ولكل منها مخططاتها وسياساتها بشأن تلك المنطقة الحساسة، وفى ذات الوقت فإن الحجة القائمة والمشروعة لوجودها جميعا هى حماية وتأمين حركة الملاحة الدولية.
• • •
والسؤال الجوهرى الذى يجب طرحه هو هل سيؤدى احتجاز الحوثيين لسفينة ما أو قصف سفينة أخرى تحقيق مطلبهم بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة وإمدادها بالمؤن والمياه؟! واقع الأمر يقول عكس ذلك، فالقدر الأكبر من المساعدات والدعم لإسرائيل يأتى أساسا من الولايات المتحدة وأوروبا عن طريق الموانئ على البحر المتوسط وعن طريق النقل الجوى كذلك، وبالتالى فتأثير هجمات الحوثيين على السفن لم يُحدث حتى الآن سوى تأثير محدود على حركة النقل والتجارة من وإلى إسرائيل، وتأثير محدود على ميناء إيلات.
ومن جهة أخرى، أسفرت تلك الهجمات عن تحويل جانب من الأضواء والاهتمام العالمى عن الأحداث الجسيمة فى قطاع غزة والجرائم الإسرائيلية اليومية هناك، وإظهار أن إسرائيل تقاتل على عدة جبهات من أطراف متعددة، كذلك تسببت الهجمات فى استعداء الدول المالكة للسفن مثل النرويج والدنمارك وسويسرا وألمانيا، وكذلك استعداء الدول المتأثرة سلبيا من تداعيات الأحداث فى باب المندب على مصالحها الملاحية والتجارية الدولية.
أما الولايات المتحدة فقد تبدت لها الفرصة سانحة فأعلنت عزمها على تشكيل قوة ردع دولية فى البحر الأحمر، ستشارك فيها 39 دولة بقوات بحرية كبيرة، من ضمنها 35 سفينة حربية وطائرات مسيّرة، وأعلنت أن 27 دولة قد وافقت حتى الآن على الانضمام لهذه القوة، والمعلن بشأنها أنها تشكلت لحماية قواعد القانون الدولى بشأن الممرات الملاحية الدولية، والتى تم انتهاكها كما تعلن الولايات المتحدة وحلفاؤها بواسطة الحوثيين.
• • •
التداعيات الحقيقية المتوقعة على حركة الملاحة الدولية جاءت من الشركات التى تعرضت سفنها للهجوم، حيث أعلنت شركتان منهما، ميرسك وهاباج لويد، وهما من أكبر الشركات الملاحية العالمية للنقل بسفن الحاويات فى العالم، عن تعليق إبحارات سفنهما المتجهة للبحر الأحمر وقناة السويس لحين إشعار آخر، بينما أعلنت شركة عالمية ثالثة عن تحويل إبحارات سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح كطريق بديل لقناة السويس.
والوضع لا يتعلق فقط بسفن الحاويات إذ تعبر قناة السويس قرابة 20% من أسطول سفن الحاويات العالمى، بل يتعلق أيضا بما هو أخطر وهى ناقلات النفط وناقلات الغاز الطبيعى، والتى تبحر من الخليج العربى فى طريقها إلى جنوب وغرب أوروبا وأمريكا الشمالية، وهى أيضا شديدة الحساسية تشغيليا لأى أزمات سياسية وعسكرية فى مناطق المضايق البحرية أو القنوات الملاحية حيث تعرضها تلك الصراعات العسكرية والحروب لمخاطر جسيمة.
من جهة أخرى يجب ملاحظة أن مثل تلك الأحداث سواء فى مضيق باب المندب، كفيلة بإحداث تأثيرات كارثية على حركة النقل والتجارة الدولية، فمناطق النزاعات العسكرية والحروب تعدها شركات التأمين العالمية مناطق حروب War Zone يمكن للملاحة البحرية فيها أن تعرّض السفن لخطر الضرب أو الاعتداء ومن ثم الإصابة الجسيمة الفادحة أو الغرق بما تحمل من بضائع أو أفراد الطاقم، ومن ثم تزيد أقساط التأمين بنسب عالية على السفن والبضائع المتجهة أو المبحرة فى تلك المنطقة، فتجد أنه من الأوفر والأسلم لها تحويل مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
والتداعيات الأخطر لكل ذلك، أن مثل تلك الأحداث الخطيرة تحفز الدول، كل حسب توجهاتها ومخططاتها ومصالحها، وتدفعها دفعا للبحث عن طرق ومشروعات بديلة لقناة السويس، ولا يغيب عن أذهاننا المشروع الذى بشر به الرئيس الأمريكى منذ عدة شهور، ووقف نتنياهو يحمل خريطته على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليزعم بأن ممر الهند / الخليج العربى / إسرائيل سوف يغير خريطة الشرق الأوسط تغييرا جذريا.
• • •
الواقع أن التصعيد فى باب المندب لا يحمل فى طياته سوى الضرر الجسيم والمخاطر على مختلف الأصعدة، وليس تأجيج التوتر وعسكرة تلك المنطقة الجغرافية الحساسة تحت مختلف الحجج والذرائع إلا حلقة من حلقات الصراع الدولى المتناحر وصراع المصالح التى ستفعل كل شىء وأى شىء لتحقيق أهدافها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.