مضى شهران كاملان على اندلاع الحرب بقطاع غزة، سقط فيهما الآلاف من الشهداء والجرحى، لكن رحى القصف المدمر لا تزال تدور بلا هوادة، وسط مساع لتجديد تهدئة لم تدُم إلا أسبوعا. وزعم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليئور بن دور، أن إسرائيل نجحت خلال هذين الشهرين في تحقيق "إنجازات" مهمة على الأرض، لكنها لم تنته بعد من تحقيق كل أهدافها ومنها القضاء على حركة حماس. وأضاف في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): "نجحنا من الناحية العسكرية في القضاء على أكثر من ستة آلاف مقاتل في صفوف حركتي حماس والجهاد الإسلامي من بينهم قادة كتائب وألوية، ونجحنا في تدمير المئات من فتحات الأنفاق وفي تدمير عدد كبير من منصات إطلاق الصواريخ". غير أنه أشار أيضا إلى أن إسرائيل لا تزال تتعرض لرشقات صاروخية وإن كان بكثافة أقل، وقال إن تحقيق الأهداف لم يكتمل "إذ يظل هناك 138 رهينة إسرائيلية في قطاع غزة، ولم نحقق بعد هدفنا بالقضاء عسكريا وسلطويا على حماس". وعلى الجانب الفلسطيني، ارتفع إجمالي عدد الشهداء في القطاع إلى 17487 فلسطينيا منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر، وأصيب 46480 شخصا، حسبما أعلنت وزارة الصحة في غزة اليوم الجمعة. حتى جنوب القطاع الذي تحث إسرائيل دوما سكان غزة على النزوح نحوه لم يسلم، وأعلنت الإذاعة الفلسطينية أمس أن 20 شخصا، بينهم أطفال، استشهدوا في قصف إسرائيلي على منزل في رفح. وأشارت أيضا إلى استشهاد ثمانية أشخاص في غارة شنتها طائرات إسرائيلية على منزل في منطقة المشروع بغرب خان يونس في جنوب القطاع أيضا. - الهجمات المتبادلة قال الجيش الإسرائيلي، إن عددا من جنوده قُتلوا في قطاع غزة أمس الخميس، أحدهم نجل رئيس الأركان السابق والوزير بمجلس الحرب غابي إيزنكوت، مما رفع إجمالي عدد قتلاه إلى 85 منذ بدء الهجوم البري في القطاع. وادعى أيضا أنه قتل عنصرين بارزين في استخبارات حركة حماس في قصف جوي استهدفهما في قطاع غزة، هما عبد العزيز الرنتيسي وأحمد عيوش، مشيرا إلى أن الأول هو "مسئول في الاستخبارات العسكرية" التابعة لحماس، والثاني هو "أحد عناصر منظومة الاستطلاعات في كتيبة القرارة". من جهتها، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها اشتبكت مع قوة إسرائيلية راجلة من ستة جنود في شرق مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، وقالت إنها أوقعت قتلى وجرحى في صفوفهم. وذكرت الكتائب في حسابها على تيليجرام، أنها استهدفت غرف قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، في المحور الجنوبي لمدينة غزة بصواريخ قصيرة المدى، كما استهدفت قوات إسرائيلية متوغلة في شمال وشرق مدينة خان يونس بقذائف الهاون، فضلا عن استهداف دبابة إسرائيلية بعبوة ناسفة في شمال المدينة. وقالت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إن مقاتليها خاضوا اشتباكات وصفتها بالضارية مع الجنود الإسرائيليين في حي الشجاعية، واستهدفوا ثلاث آليات عسكرية بالقذائف والعبوات الناسفة. وتحدثت وسائل إعلام فلسطينية عن انتشار دبابات إسرائيلية حول مدرسة تؤوي عشرة آلاف نازح في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة. وذكر المركز الفلسطيني للإعلام أن المدفعية الإسرائيلية أطلقت قذائف في محيط المدرسة، بينما أطلق قناصة النار باتجاه النازحين، مشيرا إلى سقوط شهداء وجرحى داخل المدرسة. - المساعدات وتدخل مساعدات على متن ما بين 80 و100 شاحنة قطاع غزة يوميا حسبما أكد المتحدث باسم هيئة المعابر والحدود هشام عدوان في حديثه مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP). وبالنسبة للوقود قال إنه لا يُسمح إلا بدخول السولار فقط وبكميات تتراوح بين 80 و120 ألف لتر. وتابع "ما بعد انتهاء الهدنة عدد شاحنات المساعدات انخفض، وتشمل مساعدات غذائية وطبية ومياها وخياما وملابس". كانت الهدنة قد بدأت يوم الجمعة 24 نوفمبر، وتجددت مرتين، قبل أن تنهار صباح الجمعة التالية. وخلالها أمكن إدخال مساعدات إغاثية وتبادل بعض المحتجزين لدى كلا الطرفين. وقال عدوان، إن الإجراءات الإسرائيلية لا تزال تؤخر دخول المساعدات بسبب تفتيش الشاحنات وتفريغ محتوياتها ومصادرة ما لا تسمح إسرائيل بدخوله. وأردف "ما يزيد من تعقيد وصعوبة دخول المساعدات أن معبر رفح ليس معبرا تجاريا، وأنه غير مخصص لاستقبال هذه الكميات من الشاحنات وبهذا الحجم، كما أن شركات النقل المخصصة عددها قليل". وتابع قائلا "نواجه صعوبة في إيصال المساعدات لخان يونس بسبب الاجتياح الإسرائيلي، كما نواجه صعوبات في إيصال المساعدات للمحافظة الوسطى والشمال وغزة بسبب الاستهدافات الإسرائيلية والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، وشح الوقود وقلة عدد الشاحنات". وقال "الوضع في قطاع غزة كارثي ويزداد سوءا يوما بعد يوم" مشيرا إلى ضرورة تدفق المساعدات دون شروط وبكميات كبيرة في ظل صعوبة الوضع الذي يعيشه المواطنون. غير أن صحيفة (تايمز اوف إسرائيل) نقلت عن مسؤول كبير قوله إن إسرائيل تعتزم فتح معبر كرم أبو سالم مع غزة لفحص شاحنات المساعدات الإنسانية للقطاع للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب. وذكرت الصحيفة أن هذه الخطوة تهدف إلى "تسهيل زيادة عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة يوميا"، مشيرة إلى أن إسرائيل تفتش الشاحنات حاليا في معبر نيتسانا، الأقل في قدرته الاستيعابية، بين إسرائيل ومصر قبل توجهها إلى رفح. لكن حتى إذا تقرر استخدام معبر كرم أبو سالم لتفتيش الشاحنات، سيظل يتعين دخولها إلى غزة عبر معبر رفح. - التهجير ولا تزال فكرة التهجير تلقى رفضا قاطعا، وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ضياء رشوان أمس الخميس إن بلاده لن تسمح أبدا "بتفريغ" قطاع غزة من سكانه، مشددا على أن محاولات تهجيرهم نحو سيناء خط أحمر لن تسمح مصر بتخطيه "مهما كانت النتائج". وقال رشوان في بيان للهيئة إن مصر "تؤكد على أن أحدا لا يستطيع فرض أمر واقع بالقوة، فالدولة المصرية تمتلك كافة الأدوات التي تمكنها من الحفاظ على أرضها وأمنها القومي". واتهم إسرائيل بأنها حولت القطاع ككل "إلى ميدان حرب دون وجود مكان آمن للمواطنين، لدفع الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم نحو ما أطلقت عليه 'المناطق الآمنة' في الجنوب نحو رفح، وهي مناطق تفتقر لكل الخدمات الضرورية للحياة من ماء وطعام ومأوى، وغير محمية من القصف والقتال". وقال إن مصر لا تزال تحذر من أن "ما يحدث هو جزء من مخطط إسرائيلي لدفع الفلسطينيين نحو التهجير وتفريغ قطاع غزة من سكانه، وتصفية القضية الفلسطينية بصورة نهائية، وهو ما لن تسمح به أبدا". وأضاف أنه بالتزامن مع ما يحدث في غزة، فإن إسرائيل "تصعد من عملياتها الدموية بشكل أقل صخبا في الضفة الغربية، لدفع الفلسطينيين للتهجير نحو الأردن". - الدبلوماسية وعلى الصعيد الدبلوماسي، وصلت إلى واشنطن أمس الخميس اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة وذلك لمناقشة الأوضاع في غزة مع الإدارة الأمريكية. وذكرت قناة الإخبارية السعودية، أن اللجنة تعتزم الضغط باتجاه الوقف الفوري لإطلاق النار، ومنع إسرائيل من "تقسيم الأراضي الفلسطينية أو تغيير جغرافيتها السكانية"، وضمان إنهاء الحصار. وفي ختام زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة العربية السعودية، دعا البلدان إلى ضرورة وقف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية، وأكدا أنه لا سبيل لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة إلا من خلال تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحل الدولتين. وذكر بيان مشترك أن الرئيس الروسي بحث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وعبّرا عن قلقهما حيال "الكارثة الإنسانية" في غزة. كما أكد البلدان ضرورة تمكين المنظمات الدولية الإنسانية من القيام بدورها في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب الفلسطيني بما في ذلك منظمات الأممالمتحدة. وعلى صعيد جهود الوساطة المصرية والقطرية لتحقيق هدنة إنسانية جديدة في قطاع غزة تتيح تبادل المحتجزين، قال مصدر مطلع إن هذه الجهود لم تتوقف رغم مغادرة الوفد الإسرائيلي للدوحة، لكنها تجري في "بيئة صعبة ومعقدة". وقالت الحكومة الإسرائيلية يوم السبت الماضي إن رئيس جهاز المخابرات (الموساد) دافيد بارنياع طلب من فريقه الموجود في الدوحة العودة إلى إسرائيل "في أعقاب الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات". وأبلغ المصدر المطلع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) أنه منذ انهيار التهدئة يوم الجمعة الماضي شدد كل طرف على شروطه، إذ تريد إسرائيل التفاوض تحت النار، بينما ترهن حماس أية عمليات تبادل جديدة بوقف لإطلاق النار في غزة. ولم يستبعد المصدر المطلع إمكانية حدوث انفراجة في المواقف، وأضاف "لن تتوقف الجهود، وستتواصل حتى تحقق ما نتطلع إليه من الوصول لهدنة إنسانية". - لبنان في اجتماع لتقييم الوضع في القيادة الشمالية الإسرائيلية، بحضور وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، حذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حزب الله اللبناني من أنه إذا بدأ حربا شاملة ضد إسرائيل فإنه سيحول بيروتوجنوبلبنان إلى "غزة وخان يونس". وقالت جماعة حزب الله، إن اثنين من عناصرها قتلا في جنوب البلاد، في ظل تبادل الاشتباكات بين الجماعة وإسرائيل عبر الحدود. وقالت أيضا إنها استهدفت موقعين إسرائيليين قرب الحدود، بينما ذكر الجيش الإسرائيلي أنه رصد إطلاق عدد من القذائف من لبنان باتجاه إسرائيل ورد على مصادر النيران. أما منظمة العفو الدولية، فقالت إن تحقيقا في ضربتين شنتهما إسرائيل على مجموعة تضم سبعة صحفيين في جنوبلبنان في الشهر الماضي يرجح إلى أنهما كانا "هجوما مباشرا على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب". وذكرت المنظمة، في بيان، أنها أجرت مقابلات مع تسعة شهود وتحققت من صحة ما يزيد على 100 مقطع فيديو وصورة، وحللت شظايا الأسلحة التي أُخذت من موقع الهجوم الذي وقع في 13 أكتوبر الماضي وأسفر عن مقتل الصحفي بوكالة رويترز عصام عبد الله وإصابة ستة آخرين. وأضاف البيان "تشير النتائج إلى أنه كان واضحا أن المجموعة تضم صحفيين وأن الجيش الإسرائيلي عرف، أو كان يجب أن يعرف، أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بضربتين فصلت بينهما 37 ثانية". وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إن التحقيق "يكشف النقاب عن أدلة مرعبة تشير إلى وقوع هجوم بلا رحمة على مجموعة من الصحفيين الدوليين الذين كانوا يقومون بعملهم في نقل أخبار العمليات الحربية". وأكدت منظمة العفو أنها لم تجد أي مؤشر على وجود أية مقاتلين أو أهداف عسكرية في الموقع الذي وقعت فيه الضربات، ما يرجح أنها "هجمات مباشرة على المدنيين".