«إلى متى يا رب» رسالة فيروز إلى السماء من أجل القدس أم كلثوم تبرعت من أجل التصدى لهجرة اليهود إلى فلسطين فى ثلاثينيات القرن الماضى عبدالوهاب افتتح القضية بغناء «أخى تجاوز الظالمون المدى».. ونجاح سلاح الصوت الذى أزعج موشى ديان الفن سلاح تأثيره ومداه أقوى وأبعد من الرصاصة والبارود والدانة والصاروخ، الفن تأثيره مستمر أما الرصاصة فهى تستخدم لمرة واحدة، الفن يؤثر فى الملايين أما القنبلة قد تقتل شخصا أو مائة أو ألفا وينتهى تأثيرها عند إلقائها. على مر التاريخ كان الفن خاصة الغناء معبرا عن الشعوب، كان محرضا ومحفزا وداعما، وكم من الفنانيين سجنوا وآخرين تم نفيهم بسبب ما قدموه من أعمال محرضة، وقفت فى وجه الاستعمار والمحتل. وجاءت الحرب على غزة لتذكرنا بأهمية أن يكون لدينا فن محرض ضد قوة السلاح، ولأن ماضينا حافل بالغناء المحرض، فى هذا الملف نستعرض جزءا من التاريخ الكبير الذى سطره كبار فنانينا لمقاومة المحتل المحتل والمستعمر. ** بيرم والقاضى وسيد درويش فى المواجهة لن نذهب أبعد من القرن العشرين عندما بدأت الدول الغربية تضع عينها صوب شمال أفريقيا وبلاد الشام، عندما جاء الإنجليز إلى مصر، وجدوا ثوارا بالملايين يحملون السلاح لمواجهتم، كما وجدوا أيضا سيد درويش وبيرم التونسى ومحمد يونس القاضى، وجدوا درويش يقول «قوم يا مصرى»، و«أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعالى شوفنا ساعة ما نلمح جيش الأعادى نهجم ولا أى شىء يحوشنا.. مستقبل الأمة بين إيديكم فى الوقت ده نعتمد عليكم.. ردوا آدى الشعب بيناديكم بيقول لكم احفظوا شرفنا.. آدى جنودنا وآدى بنودنا وفى الدفاع والهجوم تجدنا.. مالناش صناعة غير الشجاعة وللجهاد ربنا خلقنا». وفى عمل آخر يقول «أنا المصرى كريم العنصرين بنيت المجد بين الإهرامين.. وغنى أيضا: أهو دا اللى صار وأدى اللى كان.. مالكش حق.. مالكش حق تلوم عليا.. تلوم عليا ازاى يا سيدنا.. وخير بلادنا ماهوش فى ادنا». ويقول فى عمل آخر: «دقت طبول الحرب يا خيالة وآدى الساعة دى ساعة الرجالة.. انظروا لأهلكم نظرة وداع مرة ما فيش بعدها إلا الدفاع». وواجههم بعمل آخر هو النشيد الوطنى: بلادى بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى.. مصر يا أم البلاد.. أنت غايتى والمراد. ولم يكن سيد درويش فقط من قاوم الاحتلال البريطانى، فكانت معه كتيبة من المؤلفين مثل محمد يونس القاضى الذى دفع ضريبة أغانيه ومسرحياته الوطنية بالاعتقال 19 مرة، والقاضى لم يمسك متلبسا بحمل سلاح، لكن التهمة كانت التحريض بالكلمة. أما بيرم التونسى فكان اللقاء الأول له مع سيد درويش للاتفاق على عمل وطنى، أوبريت يلهب الحماسة فى نفوس المصريين، ويدفعهم لمناهضة الاحتلال، وقال له درويش «دائما حجة الإنجليز أمام العالم لتبرير استعبادنا أننا شعب ضعيف لا يستطيع حكم نفسه وأننا بحاجة إلى حماية مستمرة، وعلشان كده أنا شايف إن الأوبريت من أوله إلى آخره لازم يكون فيها تمجيد للإنسان المصرى، فكتب أوبريت شهرزاد الذى تضمن «أنا المصرى» و«أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا»». ** منيرة المهدية «هواء الحرية» فى تلك الفترة ما أكثر من جاهد بالغناء ضد المحتل، حتى الراقصات كان لهن نضال كبير، وكان لمنيرة المهدية دور فى العمل ضد المحتل، وتزعمت حركة وطنية عن طريق مسرحها وفنها الغنائى الأصيل، قامت بتأسيس مقهى بحى الأزبكية أطلقت عليه اسم «نزهة النفوس»، وكان كبار السياسيين والأدباء فى مصر وبلاد الشام والسودان يجتمعون فيه وفى بيتها، وأطلقت الصحافة اسم على مسرح منيرة المهدية. كما أدت منيرة دورا وطنيا من خلال مسرحياتها وأغنياتها، وذلك بجانب دورها السياسى خلال ثورة 1919، فلم يتجرأ الإنجليز على إغلاق مقهى منيرة كما فعلوا مع باقى المقاهى والمسارح الأخرى، لما تتمتع به منيرة من قوة شخصية وتأثيرها بالناس من خلال أغانيها وعلاقاتها بكبار رجال السياسة. وفى الوقت الذى كان ممنوعا فيه التلفظ باسم الزعيم سعد زغلول، لدرجة أن قائد الاحتلال أصدر أمرا عسكريا بسجن كل من يذكر اسم سعد زغلول لمدة 6 أشهر مع الشغل، قامت منيرة بالغناء لسعد بحيلة دون أن تلفظ اسمه قائلة: «شال الحمام حط الحمام، من مصر السعيدة لما السودان، زغلول وقلبى مال إليه، اندهله لما احتاج إليه». ** عبدالوهاب.. صوت الجماهير يعد الموسيقار محمد عبدالوهاب من أكثر الملحنين والمطربين الذين استخدموا الموسيقى والغناء فى القضايا الوطنية سواء ضد المحتل أو التى تمجد الوطن بصفة عامة. فى حقبة الثلاثينيات قدم «حب الوطن، تحية العلم، أيها الخفاق، أيها النيل»، وخلال الأربعينيات قدم نشيد الجهاد، لكرنك، دمشق، فلسطين، مصر نادتنا. بينما قدم خلال الخمسينيات نشيد الحرية، دعاء الشرق، النهر الخالد، يا نسمه الحرية، أنده على الأحرار، نشيد القسم، يا بلادى، تحت القنابل، قولوا لمصر تغنى معايا، النور والحرية، كان وهما، صوت الجماهير. فى حقبة الستينيات قدم الله تالتنا، ساعة الجد، الجيل الصاعد، والله وعرفنا الحب، نشيد أرض النور، الغد الكبير لأخويين رحبانى، حى على الفلاح «منصور رحبانى ومحمد عبدالوهاب»، حرية أرضينا، أرض الشهيد. كما كان محمد عبدالوهاب من اوائل الذين غنوا للقضية الفلسطينية، عقب مذبحة دير ياسين حيث حدثت عملية إبادة وطرد جماعى نفذتها فى أبريل 1948 مجموعتا «ارجون وشتيرن» الصهيونيتان فى قرية دير ياسين الفلسطينية غربى القدس، وكان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة، ويتراوح تقدير عدد الضحايا بين 250 و360، وانفعل الشاعر الكبير على محمود طه بالحدث، وهو الذى يشبه ما يحدث الآن فى غزة مع فارق رقم الشهداء، وعندما قرأ عبدالوهاب القصيدة، قرر تلحينها وغنائها، فأصبحت تلك القصيدة من أهم الأعمال التى قدمت لصالح القضية الفلسطينية. تقول كلماتها: أخى جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا.. انتركهم يغصبون العروبة مجد الابوة والسؤددا. ** كوكب الشرق من يافا وحيفا إلى القدس كانت أم كلثوم حريصة على الغناء لفلسطين وقدمت لها أعمالا مثل «أصبح عندى الآن بندقية.. إلى فلسطين خذونى معكم» وغيرها. كانت أم كلثوم حريصة على زيارة فلسطين قبل الاحتلال وأحيت عددا من الحفلات فى مدنها، وفى إحدى زيارتها أطلق عليها «كوكب الشرق» بعدما غنت القصائد لها وتبرعت لدعم قضيتها. حيث كانت «يافا» فى محطتها الأولى فى 1931، بعدما وصلت ميناءها فى سفينة، فأحيت حفلة ساهرة فى قاعة أبولو التى ازدانت واجهتها المركزية بتمثال لها. وكان فى انتظارها الآلاف من كل أنحاء فلسطين، واستعدت يافا طيلة أسبوع لاستقبال كوكب الشرق، وقامت نقابة البحارين بتنظيم تلك الزيارة مقابل مائتى ليرة فى كل حفل. واستنادا إلى الأرشيف، نشرت صحف فلسطينية فى فترة الانتداب إعلانا احتفاليا بعنوان «أعياد الطرب والسرور فى مدن فلسطين العامرة بتشريف المطربة الفنانة بلبلة الشرق والأقطار العربية عروس البحر». ومثل يافا، أحيت أم كلثوم حفلات فى القدس وحيفا عامى 1931 و1935.. وضمن تقرير فى صحيفة «بريد اليوم»، عبر مواطنون من القدس بعد حضورهم حفلة لأم كلثوم عن تفاعلهم وانبهارهم الشديد بها، خاصة عند أدائها أغنية «يا بشير الأنس» التى أبكت الجمهور. وفى حيفا، استقبل رئيس البلدية حسب بيك شكرى ووجهاء المدينة، أم كلثوم فأحيت حفلة داخل سينما «عين دور» بمشاركة أعداد كبيرة ممن وفدوا من بقية مدن فلسطين رغم الأسعار الباهظة للتذاكر والأزمة الاقتصادية التى لازمت البلاد عام 1931. وحسب مؤرخين فلسطينين فإن أم كلثوم حازت على لقبها البارز كوكب الشرق من قلب مدينة حيفا، عندما انتابت مشاعر النشوة إحدى الفلسطينيات عندما غنت أم كلثوم «أفديه إن حفظ الهوى»، فصرخت السيدة الفلسطينية وهى تقول: «أم كلثوم أنت كوكب الشرق» على اعتبار أن الحفل أقيم فى مكان أطلق عليه الشرق. وبحسب مجموعة من المؤرخين فإن أم كلثوم تبرعت بجزء من أجرها لصالح منع تهجير اليهود إلى فلسطين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل. ** حليم.. وأغنية «المسيح» وكان عبدالحليم حافظ من الأصوات التى دعمت الجهاد الوطنى ضد المستعمر، وكان من أهم الأسلحة التى استخدمتها مصر ضد المحتل. صوت حليم كان بمثابة دانة تهز الأرض تحت المحتل وتهز القلوب والمشاعر، وكانت أول أغنية وطنية للعندليب فى نفس العام الذى قامت فيه ثورة 23 يوليو، بعنوان «العهد الجديد»، هو أول نشيد وطنى غناه فى حياته، كما قدم أغنية «الله يا بلدنا الله على جيشك والشعب معاه»، 1956 وتغنى بها عبدالحليم بعد العدوان الثلاثى. وقدم أغنية «المسيح»، والتى تتغنى بالقدس من كلمات عبدالرحمن الأبنودى، وألحان بليغ حمدى، وتوزيع على إسماعيل، بالرغم من الحملة التى شنت ضده لمنعه من غناء هذه الأغنية، لكنه أظهر شجاعة كبيرة متجاهلا حملات تهديده، لتحقق الأغنية على المستوى الشعبى نجاحا كبيرا. ثم قدم «ابنك يقولك يا بطل» وشارك فى «الوطن الأكبر». وتغنى ب«حكاية شعب» عام1960، وذلك فى حفل أضواء المدينة، الذى أقيم بمدينة أسوان للاحتفال بوضع حجر الأساس ببناء السد العالى، ثم غنى «الجزائر» سنة 1962 ليحيى فيها كفاح أهل الجزائر الذين نالوا استقلالهم فى نفس العام، و«مطالب شعب» بمناسبة العيد العاشر لثورة 23 يوليو. ومن الأغانى الوطنية التى غناها ايضا «صورة»، فى عيد الثورة فى 23 يوليو 1966، و«عدى النهار» سنة 1967 وهى من أبرز أغانى عبدالحليم، كلمات عبدالرحمن الأبنودى وألحان كمال الطويل، و«أحلف بسماها» سنة 1967 والتى وعد عبدالحليم أن يغنيها فى كل حفلاته إلى أن تتحرر أرض مصر فى سيناء. وتضم القائمة «البندقية اتكلمت»، و«عاش اللى قال»، أول أغنية غناها عبدالحليم بعد نصر أكتوبر 1973، من كلمات محمد حمزة، وألحان بليغ حمدى، وكانت أول أغنية أشاد فيها بدور الرئيس محمد أنور السادات فى انتصار مصر العظيم. ** ترانيم فيروز صوت فيروز كان بمثابة دانة المدفع والرصاصة التى استقرت فى جسد العدو، كانت صوت فلسطين الذى لا يهدأ، وكانت قبل خمس سنوات قد قدمت فيروز آخر أعمالها عن فلسطين، وبالتحديد غزة، الأغنية تحمل طابع الترانيم الدينية، وكانت بعنوان «إلى متى يا رب»، مدتها أقل من أربع دقائق، إنتاج وإخراج ريما الرحبانى، وجاءت فى إطار التضامن مع الفلسطينيين بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس، وفى ترنيماتها تطل فيروز من داخل إحدى الكنائس بثوب أسود وذهبى يعلوه وشاح أسود على الرأس وخلفها صورة للسيد المسيح متألما وقد جاء العمل مذيلا بعبارة «لأجلك يا مدينة الصلاة أصلى». وتقول كلمات الترنيمة التى تعود إلى الكنيسة الارثوذكسية فى العهد القديم «إلى متى يا رب تنسانى.. إلى الأبد/ إلى متى تصرف وجهك عنى/ إلى متى تهجس فى نفسى مثيرا الأحزان فى قلبى مدى الأيام». وعلى خلفية الغناء، مشاهد مصورة من المواجهات العنيفة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية عند السياج الأمنى فى غزة. قدمت فيروز عددا كبيرا من الأغانى عن القدس: «يافا، زهرة المدائن، سلامى لكم يا أهل الأرض المحتلة، أنا لا أنساك فلسطين، القدس العتيقة، وجسر العودة». ** صوت يهدد أمن إسرائيل كان للمطربة الكبيرة نجاح سلام دور وطنى كبير على الصعيد العربى حتى إن موشى دايان قال عنها: «هذا الصوت يهدد أمن إسرائيل». نجاح غنت لمصر ولبنان وسوريا، وليبيا والجزائر، رصيدها، نحو 200 أغنية وطنية فى الإذاعة المصرية، هى من اوائل من غنوا لفلسطين حيث غنت من شعر بولس سلامة وألحان نجيب السراج «قصيدة فلسطين» سنة 1949. كان لنجاح سلام دور وطنى وفنى كبير خلال العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وغنت أشهر أغانيها الوطنية ومنها «يا أغلى اسم فى الوجود» ثم قصيدة «أنا النيل مقبرة للغزاة»، التى كانت ستغنيها كوكب الشرق أم كلثوم ولكنها اختلفت مع السنباطى حول مقطع من الأغنية أرادت تغييره، وعندما اقترحوا الأغنية على نجاح سلام وافقت على الفور وسجلتها تحت نيران القصف، وكانت هذه الأغنية صوتا للمقاومة والنضال، حتى إنها أزعجت إسرائيل. ** منير والحجار عقب انطلاق الانتفاضة الفلسطينية 1987 تعاطف معها المطرب محمد منير، وجاءته الفرصة لدعمها، فى صيف عام 1988 بالمشاركة فى مسرحية سعد الله ونوس (الملك هو الملك) كلمات الأغانى تأليف أحمد فؤاد نجم وألحان حمدى رءوف حيث غنى (يامه مويل الهوى ياما مويلى ليا، طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا) هذه الأغنية استلهمها أحمد فؤاد نجم من التراث الغنائى الفلسطينى أى أن مطلع الأغنية فولكولور فلسطينى. وفى عام 1989 قدم أغنية (العمارة) التى كتبها الراحل كريم العراقى ولحنها حسن جعفر. المطرب على الحجار، طرح أخيرا أغنية «من فوقنا من سابع سما»، تضامنا مع فلسطين ولعلى الحجار عدد من الأغانى الوطنية والسياسية التى دافعت عن القضية الفلسطينية، كما له تاريخ طويل فى الغناء لوطنه مصر.