سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



والأمانى إرادة

نشرت وسائل الإعلام صورا لسلاسل الأطعمة السريعة الدولية وهى توزع وجبات على جنود الاحتلال الإسرائيلى المشاركين فى حصار غزة وفى المجازر الدائرة فى أهلها، منها سلسلة «بيتزا هت»، وسلسلة «ماكدونالدز» التى غيرت ألوان أكياسها من اللونين الأحمر والأصفر إلى اللونين الأزرق والأبيض.. ألوان علم إسرائيل. أصابت هذه الصور أصحاب النخوة العربية والمشاعر الإنسانية بالغضب والاشمئزاز وطالبوا بمقاطعة منتجاتها، فخرج علينا شرذمة من أصحاب القلوب الرحيمة والغيارى على مصالح الوطن ليعلمونا أن هذه الشركات يعمل بها آلاف من المصريين وأنها صاحبة فضل عليهم وتفتح بيوتهم، وهى سبب من الأسباب التى سخرها الله لرخاء مصر وسعادة شعبها. وهب آخرون فى ثورة عارمة على من يتجاسر بحرمانهم من الشطائر والفطائر اللذيذة، وما زلنا نذكر فنانة مشهورة أطلت علينا أثناء ثورة 2011 تشكو من حرمان الأطفال من البيتزا والريش وكأننا نحرم الأنام من الماء والهواء.
تبنى هؤلاء منطقا مشابها لمنطق الولايات المتحدة وحلفائها الذين هاجموا العرب أيام مكاتب المقاطعة العربية للمنتجات الإسرائيلية والمؤسسات الداعمة لها مؤكدين ضرورة الفصل التام بين السياسة والاقتصاد والتجارة، لكنهم نسوا هذا الشعار تماما فى علاقاتهم مع كوبا وإيران والصين وروسيا، نسى هؤلاء ما تعرضت له مصر من حصار ومقاطعة اقتصادية بسبب موقفها من إسرائيل والإمبريالية فى الستينيات من القرن الماضى، وأن شخصية مصرية كبيرة نصحت الولايات المتحدة أن الطريق الأمثل لتركيع مصر وعبدالناصر هو بحجب القمح عنها، وأن الحصار الاقتصادى مازال قائما بدعاوى حقوق الإنسان وضغوط البنك الدولى والمؤسسات المالية الدولية.
• • •
لعل نفورى من هؤلاء القوم سببه أنى عشت صباى وشبابى فى زمن مختلف، زمن التحرر والصمود والنضال، زمن الحروب، زمن أدركنا فيه أن مصر فى رباط إلى يوم الدين، وأن الصهيونية والإمبريالية العالمية لن تنسيا أن مصر قادت الحملة للتحرر فى البلاد العربية والأفريقية والآسيوية وستظل متربصة بهما، فعملنا على تأمين أنفسنا بإنتاج كل احتياجاتنا محليا بقدر المستطاع. عشنا حياة بسيطة متقشفة بعيدة عن التبذير والبذخ لدعم قدراتنا على الصمود. أذكر فى وسط أحداث اليوم أغنية شدى بها محمد عبدالوهاب من كلمات الشاعر المبدع كامل الشناوى اسمها «أغنية عربية» تقول كلماتها: «لا تسألنى أين كنا.. أين أصبحنا وكيف؟» غناها عبدالوهاب سنة 1958 احتفالا بالوحدة المصرية السورية، قام فيها بتأريخ الفرقة التى شرذمت العرب، وكيف كنا شعوبا ضعيفة محتلة ثم توحدنا وأصبحنا دولة حرة قوية بعد كفاح طويل وتضحيات الشهداء. لا يسعنى إلا أن أطرح هذه التساؤلات اليوم على من يرتعدون فرقا من كابوس حرمانهم من البيتزا والهامبورجر بعد مرور 65 عاما على أغنية عربية أين كنا وأين أصبحنا؟.
كنا نكسو أجسادنا بقطننا طويل التيلة، ننسجه فى مصانعنا، وصرنا نستورد ملابسنا من القطن قصير التيلة الصينى والهندى طالما زيناه بعلامات ماركات الملابس الاجنبية. كنا نشرب شاى الشيخ الشريب وصرنا نشرب شايا من انواع مختلفة مثل شاربى «الفايف أوكلوك تى من أولاد جون بول»، كنا نشرب القهوة المظبوطة على القهاوى وأصبحنا نشرب الكابتشينو على كافيهات سلاسل امريكية وصارت قهاوينا لا يرتادها إلا الناس البيئة.
كنا نشرب عصير القصب والعرق سوس، صرنا نشرب زجاجات المياه الغازية الاجنبية، كنا نزود بالوقود سياراتنا النصر المصنوعة فى مصر فى محطات مصر للبترول والتعاون.. صرنا نمون سياراتنا الكورية والأوروبية واليابانية فى محطات اجنبية فرحين بماركاتها الأعجمية حتى نسينا أنها تقدم لنا بترولا مستخرجا من أراضينا.
يختتم كامل الشناوى قصيدته بكلمة فى غاية البلاغة تقول: «فإذا الحلم حقيقة والأمانى إرادة» فعلا الأمانى إرادة وصلابة وتقشف وكفاح وتحمل.
نحن جيل تربى على كلام كامل الشناوى، وأحمد رامى، وعلى محمود طه، وموسيقى عبدالوهاب، ورياض السنباطى، وكمال الطويل، ولذلك وعينا حقيقة عملية غزة وأدركنا قيمتها، تعلمناها من قصيدة أخرى من نظم كامل الشناوى وشدا بها ولحنها أيضا محمد عبدالوهاب لدعم الفدائيين على قناة السويس ضد قوات الاحتلال الإنجليزى فى عام 1951، ولم يتهمهم أحد بأن عملياتهم الفدائية أدت إلى الاقتحام الفاجر لمديرية أمن الإسماعيلية بدبابات الإنجليز وقتل جنود البوليس المصرى المسلحين بأسلحة خفيفة.
قال الشناوى: «عرضك الغالى على الظالم هان.. ومضى العار إليه وإليك
أرضك الحرة غطاها الهوان.. وطغى الظلم عليها وعليك
قدم الآجال قربانا لعرضك.. واجعل العمر سياجا حول أرضك
غضبة للعرض للأرض.. لنا غضبة تبعث فينا مجدنا».
هذا هو الكلام الذى تربينا عليه والذى يجعلنا نتعاطف مع أهل غزة وندرك أن ما حدث هو غضبة للأرض وللعرض، تبعث الكرامة المهددة وندرك أن ما تفعله إسرائيل فى الأراضى المحتلة تهديد لنا ولأمننا القومى وسلامة أرضنا، أما الجيل الذى تربى على كلمات الريس بيرة وأغانى حسن شاكوش والذين لا يتصورون الحياة دون البيتزا والهامبورجر والمياه الغازية، فهم من يشككون فى نضال الشعب الفلسطينى ولا يعرفون معنى الكفاح من أجل الحرية والكرامة.
• • •
هذا يحتاج منا إلى حملة ممنهجة لتوعية جيل أصبح أصغر من شهد حربنا الأخيرة ووعاها عمره لا يقل عن 65 سنة، جيل لم يعاصر التضحيات التى قدمناها من أجل الصمود والنصر. جيل لا يذكر استنفار مصر من أجل دعم ثورة الجزائر وثورة اليمن، جيل استوطن فى عقله الباطن ثقافة الاستهلاك التى روج لها طوفان الإعلانات التى جعلته أسيرا للبيتزا والهامبورجر.
جيل اهتز وعيه بعد أن حول مؤشرات أجهزة استماعه من صوت العرب وإذاعة مصر، التى حرص العدوان الثلاثى على قصفها لدورها فى تعبئة وتوعية الشعب المصرى، إلى برامج بعض وسائل التواصل الاجتماعى. إذن تسللت إليه ال Agnotology أو علم الجهل والتفاهة، الذى كتبت عنه سابقا فى الشروق، فصار يشهد ما يجرى من هول فى غزة ويقول بعضه «واحنا مالنا جلبوه على أنفسهم» بفعل المقاومة.
الأمر جد خطير ويحتاج إلى حملة ممنهجة يشارك فيها خبراء فى التعليم والإعلام والثقافة وخبراء فى علم النفس وعلم الاجتماع ورجال الدين فى المساجد والكنائس. حملة تهدف إلى إعادة تأكيد الثقة فى مصر وقدرتها وقوتها وتأثيرها وقيادتها عربيا وإقليميا، وأن قوتها الخشنة المتمثلة فى جيشها القوى وقوتها الناعمة المتمثلة فى قدرتها على تعبئة إمكاناتها الفنية والإعلامية والثقافية والروحانية لا تضاهيها قوة، وأن مكانتها تقاس بما قدمته وم ازالت تقدمه من تضحيات ومن شهداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.