«الموت أقرب شيء لنا»، بهذه العبارة المقتضبة ردت الصحفية الفلسطينية مها شواهنة، على محرر "الشروق" واصفة بذلك الوضع الكارثي الذي يعاني منه أهل فلسطين؛ نتيجة القصف المتتالي من قوات الاحتلال الإسرائيلي على «قطاع غزة». ولمدة أسبوعين تقريبا، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية مكثفة على قطاع غزة، كنوع من الرد على العملية العسكرية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة "حماس" على دولة الاحتلال. وعلى إثر ذلك، نزح الآلاف من المواطنين نتيجة القصف من مناطقهم الأصلية في قطاع غزة إلى أخرى آمنة نسبيا مثل (المستشفيات والكنائس)، أو مدارس تابعة لوكالة الأونروا، المعنية بإغاثة لاجئي فلسطين. «مها شواهنة»، صحفية فلسطينية، تقطن قطاع غزة مع زوجها وأسرتها، وتبحث بشكل دوري عن قصص إنسانية تسلط من خلالها معاناة الشعب الفلسطيني، جراء الاحتلال الصهيوني؛ إلا أنه مع الأحداث الدامية التي تعرض إليها «القطاع» تحولت إلى نموذج إنساني يستحق النشر. وتقول مها، ل«الشروق»: «عملي كان يركز على إجراء مقابلات متعددة مع مسئولين لبحث مستجدات القضية الفلسطينية، ورصد قصص إنسانية حتى يرى العالم ماذا يفعل الاحتلال بنا، ولكن بعدما شنت قوات الاحتلال غاراتها الجوية على التكتلات السكنية في القطاع تحولت إلى نازحة، أنا وزوجي نبحث فقط عن مكان آمن». وخلال ستة أيام فقط، ترجلت «مها» من مكان لآخر 3 مرات متتالية في محاولة منها لتجنب القصف الجوي للاحتلال الإسرائيلي، وتقول: «كنت أسكن ببرج سكني بشارع العيون في حي النصر بقطاع غزة، ولكن البناية المجاورة لنا سقطت جراء القصف وتطايرت الشظايا النارية علينا، وهو ما دفعنا إلى الرحيل بسرعة إلى مستشفى الأمراض السرطانية، ولكن تعرض المحيط المجاور له للقصف، دفعنا إلى الاستقرار في مستشفى الشفاء الطبي، الذي تحول أيضا إلى مركز للإيواء». وبسؤالها عما إذا كان الاحتلال ينذر المدنيين بأماكن القصف قبل شن الهجمات، قالت: «لم يعد هناك مكان آمن في قطاع غزة، وطائرات الاحتلال لا تفرق بمن يقطن البنايات، حتى إنه يضرب الآن الأحياء الراقية، ونحن نرتحل من مواقعنا ونذهب إلى أماكن الإيواء عندما يتسع نطاق القصف في التكتلات السكنية، وليس هناك أي إنذار». كما أن دولة الاحتلال تدفع الآلاف من المواطنين للنزوح من منازلهم إلى أماكن إيواء مثل المستشفيات والمدارس، وأيضا الكنائس الذي يتجنب الاحتلال ضربها حرصا منه على عدم إثارة غضب العالم، بحسب ما ذكرته مها في حديثها للشروق. فيما أن 42000 متر مربع، هي المساحة التقريبية لمجمع الشفاء الطبي، الذي يعتبر أكبر مؤسسة صحية داخل قطاع غزة، والذي تحول مع الوقت إلى موطن النازحين من أحياء شمال القطاع المنكوب، ويستوعب الآن أكثر من ألف شخص بعد عمليات نزوح متتالية لمواطنين تدمرت بناياتهم، بحسب الصحفية الفلسطينية. داخل المستشفى الذي تحول جزء كبير منه إلى مركز إيواء وآخر لاستقبال الجثامين، يقف العشرات يوميا أمام «مراحيض المياه» في انتظار دورهم، وتضيف: نخفض من الاستهلاك اليومي من الطعام حتى لا نذهب كثيرا إلى الحمام. وتابعت: «نعم أنا أكل 3 تمرات ولبن يومي، حتى لا أتعرض لهذا الموقف، فالمياه نادرة للغاية ويقف المئات في المستشفى حتى يأخذ كل شخص دوره». مشاهد الترويع الذي سببها الاحتلال، تجلت بصورة أفدح في محاصرة المواطنين في قطاع غزة وحرمانهم من المياه والطعام والكهرباء، وهو ما جعلهم في شبه عزلة مع العالم الخارجي. الرواية التي يجمع عليها كل من الصحفية شواهنة، وأحد المواطنين الذي دمر الاحتلال بنايته ومحله التجاري عز أبو عميرة 33 سنة، والذي ذهب أيضًا إلى إحدى مدارس الإيواء في جنوب القطاع، والذي أكد ل«الشروق»، أنه لا يعرف مصير أبويه اللذين يقطنان في حي تل الهوى، وفقد التواصل معهم. ويقول أبو عميرة: «قطاع غزة صغير المساحة، وكنت وأسرتي المكونة من ثلاثة أفرد بالقرب من مسكن أبوي، ولكن منذ أن ارتحلت مضطرا إلى إحدى مدارس الإيواء التابعة للأونروا في جنوبغزة، لا أعرف ماذا حدث لهم، وليس بإمكاني الوصول إليهم بعدما اتسع نطاق القصف لكل الطرق والأماكن المؤدية لهم». ويقول: "نتجمع بالآلاف في المدرسة، وحقيقة لم نعد نفرق بين الليل والنهار، بسبب الحزام الناري الإسرائيلي؛ إذ يتبع الكيان المحتل سياسة تدمير أكبر تكتل سكاني وإخلاؤه، عبر قصف متتالي، مضيفا: "قد نغفي نصف ساعة فقط ومن ثم يرجع الضرب ونستيقظ مرة أخرى على قذائف الطائرات". وعبر أقمشة بالية، تتستر الأسر الفلسطينية داخل المدرسة، سواء في الحديقة أو الفصول الذي خصصت للتعليم ولكنها تحولت إلى مركز كبير للإيواء، حسبما أكد عز أبا عميرة. "نحارب من أجل البقاء"، هكذا وصف "عز" الوضع اللإنساني لمواطني قطاع غزة الآن، والذي أكد أن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تمتد لأكثر من 18 ساعة يوميا، جعلهم في حالة انعزال تام عن العالم، منفردين بمواجهة نيران مدافع الطائرات. ويضيف: "شحن التليفون يتم الآن بطريقة بدائية للغاية، إذ يتم توصيل الهواتف بموتور كهربائي ومن ثم الانتظار طويلا حتى يتم الشحن، ولا نستخدمه إلا قليلا حتى لا يفصل مرة أخرى. وقبل أن يفقد أبو عميرة الاتصال مع محرر "الشروق"، أكد أنه سيخوض مغامرة غير محسوبة لتفقد أبويه في منطقة حي "تل الهوى"، وحتى الآن لم نعرف ماذا حدث له على الرغم من محاولات التواصل معه؟. «أم محمد»، سيدة سبعينية، يعتبرها المواطنون داخل مركز الإيواء التابع للمستشفى عنوانا للصمود، فرت هاربة من منطقة حي الكرامة شمال غزة بعدما دمر الاحتلال بنايتها إلى منطقة أخرى في حي الصفطاوي، وأخيرا في مركز الإيواء التابع لمستشفى "الشفا". حسبما تصف "مها شواهنة" ف أم محمد، جاءت إلى مركز الإيواء رفقة 30 شخصا تقريبا من (أولادها وأحفادها). وبينما يجري الحديث داخل مركز الإيواء عن احتمالية إجراء "هدنة" عاجلة، ترفض السيدة السبعينية ذلك، إذ إنها تأمل أن يتحرر وطنها وأن ترجع إلى منزل أبيها في قرية الولجة والذي وقعت في يد الاحتلال قبل نكبة 1948". وحسبما تقول مها، هذه السيدة تؤكد دائما بأنها لا تقبل باستعارة أوطان بديلة، وأنها مصرة على العودة إلى بيتها الذي تحتفظ ب المفتاح الخاصة به حتى الآن. وتقص مها على محرر "الشروق"، هذه السيدة صامدة بشكل لا يصدق؛ إذ إنها وسط كل هذه الأحداث تقول" مابدنا هدنة... بدنا البلاد تتحرر". وبسؤال محرر الشروق، لمها شواهنة، عن رأي المواطنين في مسألة التهجير القسري تجاه جنوبغزة، وتنفيذ مخطط توطينهم في سيناء، قالت "الناس مش مصدقة.. وإحنا مالناش أرض غير هون ولا عمره بنسيب أرضنا". وتتابع: "كل الناس تطلع إلى مصر ونأمل أن تتمكن من وقف إطلاق النار من جديد".