آلام مضاعفة يواجهها شعب أعزل تحالفت عليه قوى الغرب، فلا ماء ولا طعام ولا كهرباء، بل ويلات حرب شرسة مستمرة ليومها السادي دون هوادة. فمنذ تبني حركة حماس عملية "طوفان الأقصى" على مستوطنات "غلاف غزة"، السبت الماضي، والاحتلال يشن قصفا متواصلا على القطاع فيما اسماه بعملية "السيوف الحديدية"، والتي أودت بحياة ما يزيد على 1300 شهيد وأكثر من 6 آلاف جريح فلسطيني حتى الآن، فيما بلغت خسائر الجانب الإسرائيلي ما يزيد على 1300 قتيل و3 آلاف مصاب، في حصيلة غير نهائية. ويكابد فلسطينيو القطاع أوضاعا مأساوية بعد قرار حكومة الاحتلال عزل القطاع، وقطع المياه والكهرباء وإمدادات الطاقة، بما ينذر بكارثة خروج أغلب المستشفيات عن الخدمة ووفاة المرضى متلقي الرعاية بداخلها، وتوقف الحياة وهلاك السكان. حتى جثامين الشهداء لم يتسع لها مكانا غير الأرصفة، بعدما امتلأت ثلاجات المستشفيات بعدد كبير منها، وسط مشاهد آلاف النازحين إلى مدارس الأونروا التي تعرضت للقصف أيضا، عوضا عن استهداف القوائم الطبية للهلال الأحمر واستشهاد عدد منهم. وأجر "الشروق" معايشة مع سكان قطاع غزة في مناطق غرب وسط وشمال القطاع، الذي استطاعوا بالكاد مراسلتنا عبر رسائل إلكترونية وسط تعرضهم للقصف المستمر ليل نهار. - شمال القطاع.. أب محاصر يخشى مرارة الفقد مرة أخرى بعد استشهاد طفله في شمال القطاع أصبح سلمان أبو ناموس مترقبا خشية أن يواجه مرارة الفقد مرة أخرى، بعدما فقد طفله ساهر ذو ال4 سنوات في قصف للاحتلال على القطاع عام 2014. ويقول أبو ناموس ل"الشروق": "ابني كان طفل واستشهد في 2014 واحتسبته عند الله، ونحن الآن وضعنا على الله قصف على مدار الساعة". وازدادت المعاناة سوءا بعدما عجز أهالي القطاع عن تلبية احتياجات من المياه والطعام، ويقول أبو ناموس: "ما في لا كهرباء ولامياه ولا أي شيء غير بس ربنا يفرجها علينا والله طول اليوم قرآن وصلاة وربنا ما يضيع لنا تعب". وكمثل بقية الفلسطينيين في غزة، اضطر أبو ناموس لمغادرة منزله نتيجة استمرار القصف الكثيف على أحياء شمال القطاع بالقرب من منزله، متابعا، "الوضع صعب، القصف كثيف حتى طلعنا من البيت". - غرب القطاع.. "طفلة الركام" تحت القصف ومدارس مقتظة بالنازحين هل تذكرون الطفلة سيلين أبو مرق المعروفة إعلاميا ب"طفلة الركام"، بعدما تصدرت صورتها العالم خلال الحرب الأخيرة على غزة 2021، أصبحت الآن في سن الرابعة مع أخويها يعانون مرارة الرعب من أن يطال القصف المتواصل منزلها الواقع في غرب القطاع. ويصف ياسر أبو مرق، والد الطفلة سيلين، الوضع بأنه يختلف عن الحروب السابقة، مؤكدا أن الحرب هذه المرة شرسة وتنال جميع مناحي القطاع: "الاحتلال يقصفنا بعشوائية وفي كل مكان في القطاع". وأشار أبو مرق، إلى أن السكان لا يجدون ملجأ إلى منازلهم وينتظرون الموت فيها؛ خشية الخروج منها والتعرض للقصف وبسبب اكتظاظ المدارس بالنازحين: "لا ملجأ لنا حتى المدارس أغلبها مليانه الحمدالله إحنا صابرين". - وسط القطاع.. إبادة جماعية بالفسفور ولا ماء أو طعام أو كهرباء أو نوم وفي وسط القطاع وصف لنا "ق.ي"، أحد المواطنين معاناته تحت القصف المتواصل بأنه تغول للاحتلال بسبب عشوائيته وعنفه واستمراره بلا هوادة أو هدنة منذ السبت الماضي. ويقول: "القصف بكل مكان انتشر الدمار، ولكن الله الغالب.. شو أحكي الاحتلال اتغول علينا أصبحنا محاطين بالموت والدمار، بكل حارة وشارع وبيت قصف مجنون، انتقام من كل ما هو مسلم.. وكل العالم متفرج سيحاسبهم الله جميعا على صمتهم". وأردف "ق.ي"، "القصف قتل أطفال عائلات بالكامل وسوى أحياء بالأرض وسط غياب الطعام والماء والكهرباء". وينقل خليل عطالله من وسط القطاع، مشهدا آخر، وصف خلاله الوضع بأنه إبادة جماعية للسكان، بسبب القصف الذي طال كل مكان، ويقول: "الأوضاع صعبة جدا إبادة جماعية، شهداء، وجرحى، سقوط بيوت على من فيها، قصف بكل مكان، عايزين يمحو كل سكان أهل غزة بالكامل". وتابع: "الحرب لم تتوقف نهائيا، كل يوم الوضع بيزيد صعوبة أكثر وأكثر". وأكد عطالله، أن معاناة قطع المياه والكهرباء وصعوبة توفير الطعام طالت جميع القطاع، فيقول: "كلنا في وسط القطاع محاصرين لا يوجد كهربا ولا ماء ولا نت كل شيء يتحرق حوالنا، مفيش أي مكان آمن". وأضاف، "حتى محطات تحلية المياه انضربت، حتى الأكل أصبح غير متوفر في المدينة، لكنا بفضل الله لا نزال صامدين داخل منازلنا". وأوضح عطالله، أن السكان في جميع قطاع غزة يتعرضون للقصف بأسلحة محرمة، مثل الفسفور المحرم دوليا، مشيرا إلى وقوع مجزرة بالقرب من منزل أقاربه وجيرانه، الذين استشهدوا في القصف. واستطرد، "أصبحت طرق الاتصالات بسكان القطاع صعبة للغاية"، قائلا: "الكهرباء عندنا مفصولة، وبيتم ضرب البنية التحتية للقطاع، ولولا إعطاء شركة الاتصالات لنا النت مجانا، لما تمكنا من الاطمئنان على أهلينا". واستكمل حديثه، "كل هذه المعاناة وأكثر ربما يستطيع الإنسان أن يواجهها إذا أخذ قسطا من الراحة، ولكن أصبح النوم محرما على سكان القطاع، نحن لم ننم منذ 6 أيام، كيف بدنا ننام وأصوات القصف تنتقل من مكان لآخر، أصبحنا ننتظر أن تهبط القذيفة علينا أو جيرانا أو أحد في الشارع، محبوسين جوا البيت وأي حدا يتحرك برا بينضرب". كانت آخر رسالة لعطالله تحت القصف هي طلب الدعاء: "ادعولنا ربنا يسترنا ويثبتنا ويرفع عنا.. وضعنا لا يوصف.. اتقتلنا وادمرنا.. نحن نباد ومن كل مكان قصف وشهداء".