ألقى الدكتور أحمد الطيب شيخ كلمة خلال الاحتفالية التي نظمتها وزارة الأوقاف، اليوم الأربعاء؛ احتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف، فيما أشاد بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووصفها بالعميقة. رسالة النبي محمد منارة الإنسانية ففي كلمته، قال الطيب إنّ رسالة النبي محمد ستبقى منارة الإنسانية وضوءها الذي يرشدها ويصحح مسيرتها كلما ضلت الطريق وتقطعت بها السبل. وأضاف أن النبوة وتعاليم الأنبياء ضرورة لازمة لا مفر منها لاستقامة حياة الأفراد والمجتمعات وإسعادهم في الدنيا والآخرة، مشيرا إلى أن الإنسان كائن اجتماعي لا مفر له من العيش مع آخرين من بني نوعه، يحتاج إليهم ويخالطهم ويدخل معهم في علاقات اجتماعية شديدة التعقيد. ولفت إلى أنّ هذه العلاقات كثيرا ما تجري على قاعدة من الخلاف والتنازع والمد والجزر بين دواعي الأثرة والإيثار والحب والبغض، والخير والشر، وغير ذلك من الثنائية المتضادة المغروسة في فطرة الإنسان، وكلها تدهور حول الصراع بين المصلحة والمنفعة الشخصية التي عادة ما تتغلب على نوازع الخير والعدل والرحمة. الحاجة لقانون علوي حاكم وشدد على أن التدافع الاجتماعي لا يمكن ضبطه ولا إزالة تعارضاته المتصارعة إلا بقانون علوي حاكم، موضحا أن هذا القانون يحمي الناس ويحفظ حقوقهم ويحقق لها الطمأنينة والرضا والسعادة. وأشار إلى أن تاريخ البشرية لم يعرف إنسانا واحدا ولد وحيدا وعاش وحيدا أو لم يدخل في علاقة مع غيره من الناس، كما لم يسجل التاريخ مجتمعا من الناس خلا من الاختلاف والتنازع والصراع والتدافع. وتابع: «لم نرَ الخلاف وقد ارتفع من تلقاء نفسه دون تدخل مباشر من قانوني ضابط ورادع، ولا رأينا فترة الإنسان وعقله استطاعت أن تقتلع منابت الخلاف والصراع بين الناس». القانون البشري لم يوفر حياة طيبة وقال شيخ الأزهر، إنّ القانون البشري لم يستطع أن يوفر حياة للناس طيبة، مضيفا: «ألا يمكن أن تقوم العلوم والفنون والرقي الحضاري مقام النبوة ويقوم الفلاسفة والمفكرون والمصلحون والسياسيون مقام الأنبياء والرسل في صياغة قانون من خارج صندوق النبوة، يحمي البشرية من الحروب والكوارث والفقر والقهر والظلم ويغنيها عن قوانين النبوة». ومجيبا على هذا السؤال، أكّد أن الشواهد التي صاحبت ضوالع القرن ال21 تدل على أن القانون البشري لم يستطع أن يوفر حياة للناس طيبة. وأوضح أن هذا القانون عادة ما يولد من رحم النزعات الفردية والقطرية والقومية والفاشية والنازية والآرية والسامية والرأس مالية واقتصاد السوق والعولمة ونزوات الجشع وحب التسلط والغلبة والمتاجرة بدماء الفقراء وأقواتهم وأرزاقهم وقلتها وضيقها وكفافها في غير عدل ولا رحمة ولا شفقة. وأشار إلى أن ليالي التاريخ المعاصر حبالى بهذه المآسي والفواجع والأزمات والمضحكات المبكيات، مؤكدا أن عددا غير قليل من الدول والشعوب لا يزال يئن تحت رحمة العابثين بها وبمقدراتها ومصائرها. ولفت إلى أن بعض العابثين بهذه الدول قد يعترفون بخطأهم وجريمتهم لكن بعد فوات الأوان. الحاجة لقانون علوي يعلن المساواة ورأى الطيب أنّ العالم حاليا في أمس الحاجة إلى قانون علوي يعلن المساواة والمآخاة بين الناس ويحكم بينهم بالعدل ويغري بالتراحم والرحمة، ويحمي الضعيف ويرد عنه غائلة القوي المتغطرس. وأضاف أنّ هذا الأمر لا يتوفر إلا في برامج النبوة والأنبياء، وأشار إلى أن النبوة من أعظم نعم الله التي أنزلها على عباده، وأهمها على الإطلاق، وهي من باب اللطف الإلهي بالإنسان. وتابع: «إذا كان فريق من علماء المعقول في الإسلام يذهبون إلى أن النبوة هي من الجائزات على الله تجاه عباده وليست واجبة عليه، فإن فريقا منهم يذهبون إلى القول بوجبوها على الله تعالى لما فيها من مصلحة الإنسان ومنفعته على خط لا نهائي». ونوه بأن هذا الفريق ذهب إلى أن النبوة وإرسال الأنبياء للناس واجب على الله تعالى. وأكد أنّ عناية الله سبحانه وتعالى بالإنسان ذهبت إلى أبعد مدى في ملاحظة حاجة ومصلحته في الحياة الدنيا، وأضاف أن عناية الله أنببتت الشعر على حاجبي الإنسان حتى لا تتأذى عيناه من العرق والتراب والغبارة، وقوّصت أخمص القدمين ليتمكن من المشي بيسر وسهولة بغير ألم. وأشار إلى أن هناك أشياء أخرى من العناية لاحظتها العناية الإلهية لصلاح الإنسان في الحياة الدنيا. واستكمل: «هل يعقل أن تتخلى بعد ذلك، هذه العناية من ملاحظة حاجات هي أشد وأعظم وفي حياة أخرى هي أدوم وأبقى من حياته الأولى، أو لا ترسل له ما يحقق سعادته في هذه الحياة الأبدية اللا نهائية». الرسالة النبوية المحمدية تنفرد بأمرين وأوضح الطيب أنّ الرسالة النبوية المحمدية تنفرد عن باقي الرسالات السابقة بأمرين، الأول يتمثل في أن رسالة النبي محمد عامة للناس جمعاء تتخطى حدود الزمان والمكان، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأوضح أن عموم هذه الرسالة أمرٌ لم يزعمه المسلمون من أنفسهم لترويج الإسلام كما تذهب إلى هذه الأكذوبة، طائفة من الغربيين القلقين من انتشار الإسلام، وأيضا من تلاميذهم من أبناء المسلمين ممن يعيشون بأجساهم في الشرق ويرهنون عقولهم وعقائدهم وأقلامهم لفلسفات وثقافات ومذاهب تكره الإسلام وتتربص به الدوائر. وأشار إلى أن هؤلاء وهؤلاء يقولون إن الإسلام دين محلي، خاص بجزيرة العرب، وأن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم من قرروا الخروج به بعيدا عن الجزيرة العربية. ولفت إلى أن النتيجة المستهدفة من وراء هذا الجدل هي أن غير العربي لا يصح أن تتوجه إليه دعوة الإسلام، موضحا أن هذه الطائفة عمت عن الأدلة والبراهين والحجج التي حملها القرآن الكريم، وكلف فيها النبي محمد صلى الله عليه بشكل صريح بأن يُعلِم الناس بعموم دعوته للعالم كله. وأكّد أن هناك رسائل بعث بها النبي الكريم للملوك والأمراء ودعاهم فيها للإسلام، مثل رسالته إلى هرقل ملك الروم، وكسرى ملك فارس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر والإسكندرية. ونوه بأن الأمر الثاني يتمثل في أن الرسالة المحمدية خاتمة، وأن نبيها هو آخر الأنبياء، وتلا على الناس ما أنزله الله عليه في هذا الشأن. سبب توقف النبوات عند رسالة الإسلام وقال إنّ البعض قد يتساءل عن سبب توقف النبوات عند رسالة الإسلام، ولم تتطور كما تطورت نبوة موسى وعيسى عليهما السلام. وأضاف أن الجواب يتوقف فهمه على فهم طبيعة التطور البشري، وكيف أنه يجري في اتجاهين، أحدهما مادي والآخر خُلُقي، وأوضح أن النبوة والأنبياء لا علاقة لهم بالاتجاه الأول (المادي)، ولا ترتبط تعاليمها به لأن التطور في اتجاه المعرفة العلمية المادية رهنٌ باتخاذ أسبابه وشروطه الحسية المادية. ولفت إلى أنه إذا ما اتخذت أسبابه وحُصِّدت مقوماته ودعائمه فإن التقدم العلمي سيتحقق لا محالة، سواء وُجدت نبوة أو لم توجد، وسواء كان المشتغل بهذا التقدم مؤمنا أو ملحدا، شرقيا أو غربيا. ونوه بأن هذا الأمر يختلف عن الحالة الروحية والخلقية التي تتعلق بها رسالات الرسل ونبوات الأنبياء والكتب السماوية، وتدور عليها أصولا وفروعا وتطبيقا وممارسة. وأفاد بأن العلماء لاحظوا أن الحالة الروحية الأخلاقية استقر أمرها مع ظهور الإسلام، واتضحت معالمها وقسماتها ولم يعد فيها متسع لتطور أو تقدم يحتاج إلى نبوة أخرى تأتي بجديد، لم يتضمنه برنامج النبوة الخاتمة، ولم تشمله رسالاتها ولا تعاليمها. 15 قرنا على ظهور النبوة الخاتمة وقال الطيب إنّ 15 قرنا من الزمان مرت على ظهور النبوة الخاتمة، وأوضح أن هذه الفترات شهدت تطورا في العلوم المادية والمعارف الحسية التي كانت تحكم الاجتماع البشري إبان ظهور الإسلام، وتبدلت عشرات المرات ولا يوجد منها أثر واحد يواجه الحياة العملية. وأشار إلى أن هذا الأمر جاء في الوقت الذي بقيت فيه المعارف الأخلاقية التي خوطب بها الاجتماع البشري في عصر النبوة، كنموذج ومعيار وميزان يوزن به كل تطور مادي ويُحكم به إما له وإما عليه. نبوة محمد أمل الإنسانية وشدد على أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بهديها وتعاليمها ستظل أمل الإنسانية وفردوسها المفقود، وأضاف أن هذه النبوة ستبقى أمل المسلمين ومجدهم الذي يبحثون عنه ويتطلعون إليه، وهو بين أيديهم وعلى مرمى نظرة إلى أطراف أصابعهم. من جانبه، أشاد الرئيس السيسي بكلمة شيخ الأزهر، وقال في كلمته: «أسجل بتقدير شديد كلمة فضيلة الإمام (شيخ الأزهر).. أحسنتم فضيلة الإمام في الكلمة الشاملة والطيبة والعميقة».