القول بأن دولة ما سواء روسيا أو الصين أو الولاياتالمتحدة يمكن أن «تخسر» الهند يبدو قولا ساذجا للغاية، ومنافيا للمنطق. فالهند بلد كبير وتاريخ التعاون المثمر بين أى دولة من الدول الكبرى ونيودلهى طويل، لدرجة أن حتى التطورات الاقتصادية أو السياسية المقلقة لا تجعل من السهل التأثير فى مستقبل العلاقات الثنائية. فى ضوء ذلك، نشر موقع Modern Diplomacy مقالا للمدير العام لمجلس الشئون الدولية الروسى، أندريه كورتونوف، ذكر فيه أن هناك اختلالات فى العلاقات بين موسكو ونيودلهى بفعل اختلاف المواقف تجاه بعض القضايا الدولية، وتطور العالم ليصبح ثنائى القطبية (تتجه فيه الهند نحو الغرب، وروسيا نحو الشرق والصين). اقترح الكاتب إعادة تقييم شامل للعلاقة بين روسياوالهند، وبعض الحلول لإنقاذ علاقاتهما قبل تدهورها... نعرض من المقال ما يلى: بداية، منذ تفكك الاتحاد السوفيتى فى أوائل التسعينيات، يُطرح سؤال «هل تخسر روسياالهند؟» فى كل مؤتمر تقريبا أو ورشة عمل أو اجتماع خبراء حول العلاقات الروسية الهندية، وغالبا ما تكون الآراء السائدة متشائمة، إن لم تكن مثيرة للقلق. وإجابة السؤال هى نعم، روسيا تخسر الهند أو قد تخسر الهند فى المستقبل القريب ما لم يتم اتخاذ بعض الإجراءات الدراماتيكية بشكل عاجل. ●●● فى الواقع، المواقف التى اتخذتها موسكو ونيودلهى بشأن العديد من القضايا الأوروبية والآسيوية والعالمية المهمة؛ من أوكرانيا إلى أفغانستان، ومن مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى القمة الرباعية (أمريكاوالهند وأستراليا واليابان) وإلى مفهوم المحيطين الهندى والهادئ، كلها ليست متطابقة وتشى بشىء من الشك وتآكل الثقة المتبادلة التى كانت دائمًا أساسًا متينًا للعلاقات الثنائية. أما فى 2020 و2022، لم تعقد روسياوالهند قمتيهما السنوية التقليدية، وليس من الواضح متى سيعقد الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ناريندرا مودى اجتماعهما التالى وجها لوجه. على صعيد التعاون العسكرى، سنجد العلاقات الثنائية تمر بفترة من التوتر الشديد. إذ انخفضت، على مدى السنوات الخمس الماضية، حصة روسيا من واردات الدفاع الهندية من 60٪ إلى 45٪ ومن المرجح أن تتقلص أكثر فى المستقبل القريب. علاوة على ذلك، هناك أسئلة فى الهند حول موثوقية الأسلحة الروسية، وامتثال روسيا للمواعيد النهائية للتسليم والضمانات بعد البيع. ومع ذلك، تبدو التجارة بين البلدين نقطة مضيئة فى هذه الصورة القاتمة، فقد ارتفعت فى عام 2022 ووصلت إلى 35 مليار دولار بشكل غير مسبوق. لكن من ناحية أخرى، لم تتغير الصادرات الهندية إلى روسيا خلال العام الماضى لا فى الأرقام الإجمالية ولا فى هيكلها. ونتيجة لذلك، نلاحظ الآن اختلالًا كبيرًا للغاية فى التوازن التجارى بين البلدين، مما يثير تساؤلات حول استدامة التقدم فى هذا المجال. ●●● يقول كاتب المقال إن هناك حاجة إلى إعادة تقييم شامل للعلاقة بين روسياوالهند، وهذه الحاجة تنبع من تطور السياسة العالمية فى عصرنا. بكلمات أخرى، العالم اليوم يسير، وإن كان ببطء، فى اتجاه ثنائى القطبية الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية الجديدة. هذا الاتجاه لا يمكن تجاهله وهو يؤثر على كل من موسكو ونيودلهى. فعاما بعد عام، تتحرك روسيا شرقا، وتقوى وتطور علاقاتها المتعددة مع الصين. وعامًا بعد عام، تتجه الهند إلى الغرب، مما يزيد من أشكال التعاون المختلفة مع الولاياتالمتحدة. هذه هى الحقيقة التى يجب أن نعترف بها. هذا الاتجاه ينطوى على مخاطر كبيرة. فقد تجد الدولتان الصديقتان (روسياوالهند) فى نهاية المطاف مصالحهما متعارضة. وبمرور الوقت، سيصبح من الصعب عليهما الحفاظ على التعاون الثنائى على المستوى الحالى، ناهينا عن احتمال تعميقه وتوسيعه. مع الأسف، لا تمتلك موسكو أو نيودلهى اليوم الموارد والفرص اللازمة لعكس هذا الاتجاه. هما فى وضع لا يسمح لهما باستعادة سلامة النظام سواء بشكل فردى أو حتى مشترك. ومع ذلك، هذا لا يعنى الاستسلام أو الانحياز لجانب فى الصراع الأمريكى الصينى المتصاعد، ومن مصلحتهما مقاومة هذا الاستقطاب، وحيثما أمكن، التخفيف من تداعياته السلبية، مع التركيز على تعزيز الآليات المتعددة الأطراف للتعاون الدولى. على سبيل المثال، روسياوالهندوالصين أعضاء فى البريكس ومنظمة شنغهاى للتعاون. يجب على موسكو ونيودلهى بذل جهود إضافية للتأكد من أن هاتين المؤسستين ستصبحان أدوات فعالة فى البحث عن قاسم مشترك حتى فى أكثر قضايا الأمن والتنمية حساسية. علاوة على ذلك، يجب على موسكو الامتناع عن أى إغراءات لمحاولة بناء أى «نوادٍ معادية للغرب». ●●● يضيف كاتب المقال أن مستقبل أوراسيا يعتمد بشكل حاسم على العلاقات الصينيةالهندية، ولا يمكن لأى من اللاعبين الخارجيين، بما فى ذلك روسيا، «إصلاح» هذه العلاقات بدلا من بكين ونيودلهى. ومع ذلك، فإن اللاعبين الخارجيين، بما فى ذلك روسيا، قادرون على المساهمة فى «إعادة ضبط» هذه العلاقات من خلال خلق حوافز لكلا الجانبين للتفاعل مع بعضهما البعض فى أشكال ثلاثية أو أخرى متعددة الأطراف. باختصار، يجب على صناع السياسة فى موسكو ألا يتعاملوا مع الهندوالصين على أنهما مساران متوازيان لا يلتقيان فى السياسة الخارجية الروسية، أو يجب الاختيار بينهما أو تطويرهما بشكل منفصل عن بعضهما البعض. على العكس، يجب معاملة بكين ونيودلهى كشريكين تزيد قيمتهما بالنسبة لروسيا. وبالمثل، يجب على صناع السياسة فى نيودلهى التعامل مع التعاون الروسى الصينى ليس كتحدٍ استراتيجى، ولكن كفرصة للمساعدة فى حل بعض المشاكل الخاصة مع بكين. طبعا سيتطلب مثل هذا التغيير الكثير من المهارات الدبلوماسية والإرادة السياسية من جميع الأطراف المشاركة فى العمل على العلاقات الروسية الهندية. النص الأصلى: