كان أهم أهداف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خلق صناعة قوية فى مصر تلعب دورا أساسيا بجانب الزراعة فى تنمية الاقتصاد المصرى وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى الكثير من السلع. وفى سبيل ذلك تم إنشاء وزارة الصناعة 1956 التى بدأ وزيرها الدكتور عزيز صدقى فى وضع الخطة الخماسية الأولى للصناعة ثم الثانية والثالثة، وأعطى دفعة قوية للصناعة المصرية. وكان من أهم المشروعات التى بدأت بها الخطة الأولى صناعة اللورى والأتوبيسات لتلبية احتياجات القوات المسلحة والسوق المدنية وتلا ذلك صناعة المقطورات للنقل ثم الجرارات الزراعية وأخيرا سيارات الركوب. ولتنفيذ هذه المشروعات الضخمة تم فى 1960 تأسيس شركة النصر لصناعة السيارات برأس مال حكومى قدره 30 مليون جنيه وبدأت العمل فى منطقة وادى حوف شمال حلوان والتى كانت فى ذلك الوقت صحراء جرداء، وخصص للشركة 360 ألف متر مربع أى 90 فدانا لإقامة مصانعها التى بلغت فى النهاية نحو 220 ألف متر مربع من المبانى والعنابر المخصصة للتصنيع تشمل (مصنع المحركات مصنع التروس مصنع المكبوسات مصنع الأجزاء الميكانيكية ورشة الصيانة وصناعة العدد المخازن) وذلك بالإضافة إلى مصنع تجميع اللورى والأتوبيس والجرارات بمساحة 30 ألف متر مربع ومصنع تجميع سيارات الركوب بمساحة 40 ألف متر مربع. وقد واجهت الشركة العديد من الصعوبات كان فى مقدمتها عدم حصولها على الاستثمارات اللازمة لهذه المشروعات الضخمة لما عانته البلاد فى ذلك الحين من حصار اقتصادى وضيق فى موارد النقد الأجنبى مما حدا بالشركة فى بداية السبعينيات إلى إعطاء الأولوية فى تعميق التصنيع إلى اللوارى والأتوبيسات والمقطورات والجرارات وقصر عمليات سيارات الركوب على التجميع مع شراء ما يمكن شراؤه من السوق المحلية بجانب ما كانت الشركة قد أتمته من صناعة محرك السيارة البنزين 1500 سم مكعب وبذلك وصلت نسبة التصنيع فى سيارات الركوب إلى ما يزيد من ال42٪ من قيمة السيارة الكاملة وأعطى ذلك مرونة فى التحول من موديل إلى آخر كما هو طبيعة صناعة سيارات الركوب. كذلك تمكنت الشركة بالاستثمارات المتاحة من تعميق التصنيع فى اللورى والأتوبيس كما هو فى العقد الأصلى ووصلت نسبة التصنيع المحلى فى اللورى إلى نحو ال65٪ والأتوبيس 70٪ من قيمة المنتج الكامل شاملة أغلب المكونات الرئيسية وتحولت الشركة إلى صرح صناعى ضخم يعمل به نحو 12 ألف عامل أقيمت لهم مدينة سكنية كاملة بمرافقها من مدارس ومستوصف على أرض خصصتها المحافظة للشركة بجوار مصانعها وكذلك مركزين للتدريب ومعهد فنى عال لهندسة السيارات وأصبحت الشركة مفخرة للصناعة المصرية ومزارا لرؤساء الدول الذين يزورون مصر وكان منهم الرئيس هوارى بومدين والرئيس جعفر النميرى ولى كوان لى رئيس سنغافورة وغيرهم، كما قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بزيارة الشركة كمال شرفت الشركة بزيارتين للرئيس حسنى مبارك الذى سجل إعجابه الشديد بنسبة التصنيع بالشركة وبإنتاجها. وكانت الشركة تتعامل مع نحو 120 مصنعا مغذيا محليا، ساهمت فى إقامة العديد منها، كما نجحت فى تصدير الآلاف من الأتوبيسات إلى كل من الكويت والعراق وسوريا وليبيا وكذلك 5000 سيارة ركوب إلى العراق. واستمرت الشركة تعمل بنجاح رغم كل ما يقابلها من مشاكل وعدم توفير التمويل اللازم لها مما تسبب فى زيادة مديونيتها لدى البنوك والتى كان بعضها بالعملة الصعبة التى تضاعفت قيمتها عدة مرات وتسبب فى تحقيقها لخسائر فى فترة التسعينيات. وبعد إعلان سياسة الانفتاح تقرر خصخصة شركات القطاع العام فى أوائل الثمانينيات نقلت تبعية الشركة إلى وزارة قطاع الأعمال ولإحدى الشركات القابضة التى أنشأتها الوزارة وتحت شعار إعادة هيكلة الشركة تمهيدا لبيعها وهو الشعار الذى كان سائدا فى ذلك الوقت تم الاستعانة بأحد مكاتب الخبرة الأجنبية الذى أوحى بتقطيع أواصل الشركة وتقسيمها إلى أربع شركات واتضح أن الهدف من ذلك هو محاولة إنجاح مصانع تجميع اللورى والأوتوبيس، وإنشاء شركة جديدة لها هى: الشركة الهندسية لصناعة معدات النقل ويخصص لها عنبر التجميع فقط وما يتبعه من مخازن دون التصنيع أما ما تبقى من الشركة وهو مصنع تجميع سيارات الركوب ومصانع التصنيع المشار إليها فى بداية المقال فقد تم تقسيمها كالآتى: شركة للنقل وذلك لنقل العاملين والبضائع وتم تمليكها معدات نقل الشركة الأصلية من لوارى وأتوبيسات. شركة للخدمة والصيانة لما بعد البيع. وما تبقى فهو شركة النصر للسيارات وذلك لتجميع سيارات الركوب ويتبعها عنبر التجميع لسيارات الركوب.. وعنابر التصنيع التى لا علاقة لها بسيارات الركوب!، وإنما تقوم بالتوريد لشركة معدات النقل إذا شاءت هذه الشركة دون أى التزامات وحملت شركة النصر بجميع الديون التى كانت على الشركة الأصلية. وبذلك أصبح من الواضح هو أن تصبح شركة النصر للسيارات بوصفها الجديد شركة خاسرة محملة بعنابر لا تعمل لها.. وبديون لا تخصها وبذلك فلابد من تصفيتها، لعل هناك وسائل أخرى للاستفادة من العنابر الخالية أو الأرض المتاحة فيها؟ وهو القرار الذى اتخذته الجمعية العمومية للشركة بالفعل.. وبدأ تنفيذه بتشجيع العمال على الخروج بنظام المعاش المبكر والذى كلف الشركة الملايين من الجنيهات أضيفت إلى خسائرها ولم يتبق بالشركة الآن سوى نحو 250 عاملا وكذلك بيع العديد من المعدات التى دفعت الدولة فيها ملايين الدولارات. وتحولت منطقة وادى حوف مرة أخرى إلى أطلال لصرح صناعى ضخم كان فى الماضى مفخرة لمصر إلى أن تم اغتياله، والغريب أنه حتى الشركة الهندسية لمعدات النقل لم تحقق أهدافها وتحولت إلى الخسارة.. وفشلت محاولات بيعها وأصبحت كزميلتها السابقة شركة النصر للسيارات ضحية للخصخصة التى حادت كثيرا عن أهدافها الأساسية. هل هذه هى أهداف الخصخصة: تصفية الشركات الصناعية الوطنية وتشريد العمال؟