• عماد أبو غازى: طه حسين أراد الارتباط بالثقافة الأوروبية بهدف التقدم وليس الانصياع والتبعية • رغم مرور 85 عاما على صدور الكتاب فإن الكثير من تلك المشكلات لا تزال تؤرقنا حتى اليوم • حسين اهتم بالتكوين الفكرى والثقافى للمصريين لحماية الاستقلال والقيم الوطنية والديمقراطية • إبراهيم المعلم: قبل الثلاثينيات كان يتم الإشارة إلى «القومية الشرقية» وليس العربية • السفير محمد توفيق: جيل طه حسين استوعب الحضارة الغربية • إبراهيم عبدالمجيد: نقاط تحول كبرى أصابت التعليم منذ الخمسينيات • عاطف معتمد: الصدمة فى التعرض لكتاب طه حسين فى وقت كانت تعتقد الأمة أنها ستستقل إن ضعف التكوين الثقافى والعلمى يسقط الدول تحت احتلال دول أخرى، والعلم والثقافة هما السياج الوحيد لحماية القيم الوطنية، والاستقلال الوطنى والديمقراطية، هذا أحد المحاور الأساسية لكتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» للدكتور طه حسين الصادر عام 1938 والذى كان يدور بشكل أساسى حول التكوين المعرفى والفكرى للمصريين، حسب رأى الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق والمؤرخ المرموق الذى قاله بوضوح فى صالون المهندس إبراهيم المعلم الثقافى فى عدة موضوعات وقضايا تشغل بال المصريين، وذلك فى حضور كوكبة من المفكرين والكُتّاب والأدباء، حيث تمحور الحديث حول إسهامات عميد الأدب العربى طه حسين، وقيمته الفكرية والأدبية والرؤى والأطروحات التى أرادها لنهضة أحوال البلاد. الصالون يقام فى منزل المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق الذى استقبل ومعه زوجته أميرة أبو المجد العضو المنتدب لدار الشروق مجموعة كبيرة من المثقفين والكُتّاب والشخصيات العامة ومنهم: الدكتور عماد أبو غازى، السفير محمد توفيق، الدكتور محمد أبو الغار، والدكتور إبراهيم عوض، والأدباء والكُتّاب الكبار محمد المنسى قنديل، إبراهيم عبدالمجيد ومنصورة عز الدين، وسحر الموجى والمؤرخان محمد عفيفى وأيمن فؤاد السيد، والدكتور عاطف معتمد، والكاتب الصحفى عمرو خفاجى والكاتب أحمد سمير، والمنتج والسيناريست محمد العدل، وأحمد بدير، والروائية رشا سمير، والأب رفيق جريش والدكتور إكرام لمعى والدكتورة ليلى بهاء والكاتب الصحفى والناقد سيد محمود والكاتب الصحفى عماد الدين حسين. استهل إبراهيم المعلم اللقاء بالقول: إن هناك ضمن الحضور اليوم، إنسانا لا يحتاج لأحد أن يقوم بتقديمه، هو الدكتور عماد أبو غازى، وزير الثقافة الأسبق، لأن الجميع على درجة من الإعجاب والمحبة والتقدير الشديد له، ولكن بالنسبة لى، صفاته الشخصية آسرة، الجميع يتفق على ذلك، هو على درجة عالية من الشفافية والرقى والخلق الرفيع والموضوعية والنزاهة، التى يصعب على الكثيرين بلوغها، حينما أقوم بسؤاله عن شىء، فكأننى قد سألت «الحكم العدل» فيها. وتابع المعلم: حكمه يكون نهائيا باتا، تاريخه طويل فهو أستاذ جامعى مرموق، له مجموعة هائلة من الكتب القيمة، سواء عن طريق التأليف أو التحقيق، وهو حاليا يعمل مع أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة المؤرخ الدكتور محمد عفيفى، والدكتور عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، على مؤلف سيكون بمثابة أحد كنوز المكتبة العربية، وهو كتاب أوشك على الانتهاء. وأضاف: كلنا سعداء بالاستماع إلى الدكتور عماد أبو غازى، لأننى فطنت إلى اكتشاف يتعلق بأننا كأصدقاء حتى، لا نستمع إلى بعضنا البعض، البعض قد يقول إننا لا نتحاور، لكننى أرى أننا بالأساس لا نستمع جيدا إلى بعضنا البعض، وكل ما يقوله عماد أبو غازى عند الاستماع إليه، ستجد فيه الجديد دوما، وكل ما يغلب عليه الذكاء والموضوعية أيضا. وتحدث الدكتور عماد أبو غازى، قائلا: الموضوع الذى فكرت فيه المدخل له سيكون كتاب طه حسين وهو «مستقبل الثقافة فى مصر»، الفكرة جاءت من أن هذا العام 2023 ستمر الذكرى ال 50 لرحيل طه حسين، وفى الوقت ذاته فى ديسمبر المقبل سيكون قد مر 85 عاما على صدور كتاب مستقبل الثقافة فى مصر، ففكرت أن يكون المدخل فى الصالون، هو الحديث عن عميد الأدب العربى ومستقبل الثقافة لمصر. وواصل بعدها: كان الدكتور طه حسين، نموذجا للتمرد الخلاق، التمرد الذى يقوم بهدم الثوابت المعيقة لتطور المجتمع، ويطرح رؤى جديدة لها طابع التطلع إلى المستقبل، طه حسين من جيل يضم عددا كبيرا من المتمردين ممن ولدوا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن ال 19، جميعهم بدأوا منجزهم الفكرى والفنى فى عمر الثلاثين، كلهم كانوا متمردين يقومون بتحطيم كل ما يعيق تطور المجتمع المصرى. استطرد: جيل طه حسين أطلق موجات النهضة والتحديث ومحاولات الخروج من النفق المظلم لمجتمعنا الذى عاش فيه لقرون ولا يزال يحاول الخروج منه، جيل طه حسين ضم راغب عياد ومحمود سعيد ومحمود مختار، سيد درويش وبديع خيرى، العقاد، ومجموعة من المبدعين الذين قدموا إسهاما شديد الأهمية فى الحياة المصرية، طه حسين كان لديه حس التمرد منذ أن كان طالبا فى الأزهر، مرورا بالجامعة المصرية القديمة، كان مبعوثا ضمن أوائل من ذهبوا إلى فرنسا، خاض معارك لتغيير واقع المصريين، الذى كان يرى أنه فى أمس الاحتياج للتغيير ومحاولة نسف المعوقات التى حالت دون تطور المجتمع المصرى. أضاف الدكتور أبو غازى: «طه حسين خاض محاولات التغيير بداية من مرحلة الجامعة كطالب، ثم كمدرس، واستمرت معاركه حتى النهاية من أجل التغيير وتطور المجتمع المصرى، دائما ما كان المستقبل أمام عينيه، كان يفكر فيه بشكل دائم، ولكن المستقبل لديه مرتبط بالماضى والتراث والتاريخ، بمعنى أن المستقبل لديه ينطلق من الماضى، سواء كان ينظر إليه كعقبة بسبب تقديس الناس للماضى، أو الماضى الذى يرى فيه نقطة انطلاق للبناء، حيث البناء على كل ما هو إيجابى فى التراث». وأشار إلى أنه قد كان له 3 مؤلفات شكلت ما يشبه «المعارك» من زاوية النظر للماضى بهدف نقده من أجل العبور للمستقبل. كانت المعركة الأولى ممثلة فى كتاب «فى الشعر الجاهلى» عام 1926، والتى كان يحاول فيها هدم ثوابت الأكاديمية المصرية التى كانت فى بدايتها، ويحاول تقديم رؤية جديدة عبر محاضراته لطلابه فى كلية الآداب، حول كيفية التعامل مع الشعر الجاهلى، وأثار الكتاب ضجة كبرى، لأنه استخدم فيه مناهج الشك الديكارتى فى التعامل مع نصوص الشعر الجاهلى، ومحاولة قياس مدى صحتها وهل هلى حقيقية أم مختلقة فيما بعد، وأثيرت ضجة لأنه حاول استخدام العلم بناء على منهجية علمية وليس بناء على تقديس الماضى. وواصل: كما أن معركة أخرى خاضها طه حسين، متعلقة بكتاباته فى التاريخ الإسلامى المبكر، والتى انتهت بكتاب «على وبنوه» حول الفتنة الكبرى، والتى استخدم فيها منهجا مغايرا فى التعامل مع التاريخ الإسلامى، بخلاف السائد حينها، وقد أثيرت حالة من النقد، صحيح أنها ليست مماثلة لحالة الجدل بسبب كتاب «فى الشعر الجاهلى»، والذى ذهب على إثره للنيابة العامة، ولكن «على وبنوه» بمثابة إلقاء حجر فى مياه البحث الراكدة. وأشار إلى أن كتاب مستقبل الثقافة فى مصر الصادر فى العام 1938، فإنه يناقش الماضى ويشتبك مع التراث، ويبنى انطلاقة للمستقبل من التعامل مع الماضى والتراث، الكتاب الذى نحن بصدد الحديث عنه، جاء فى مقدمته أن فكرة الكتاب جاءت بعد توقيع معاهدة 36 حينما بدأ الشباب فى الجامعة سؤال أساتذتهم عن المطلوب منهم كجيل للحفاظ على مستقبل هذا البلد، بعد حصولها على الاستقلال الذى كان نقلة فى تاريخ البلاد فى هذا الوقت. «أراد طه حسين أن ينقل رؤيته أو تصوره للجيل الجديد»، هكذا أوضح أبو غازى، الذى أضاف: حينما ذهب حسين إلى مؤتمرين لتمثيل مصر فى العام 1937، حيث مؤتمر للجامعة المصرية، وآخر لوزارة المعارف، وكان مطلوبا منه تسليم تقرير عن الأجواء التى حضرها، استغرب فكرة التقارير، فوجد أنه من المجدى أن يضمن خلاصة خبرة حضوره والأفكار التى طرحها أو التى خرج بها، فى كتاب، على أن يتضمن الكتاب إجابات على أسئلة الشباب التى طرحوها فى أعقاب فترة العام 1936، وأنه لا يزال الكتاب مثيرا للنقاش حتى اليوم، العديد من المشكلات والقضايا التى طرحها فى الكتاب لا تزال حية، حيث قام بتشخيص المشكلات، وطرح حلول متصورة وبالنظر إلى واقعنا اليوم، بعد مرور 85 عاما من صدور الكتاب، نجد أن الكثير من تلك المشكلات لا تزال موجودة، ولا تزال تؤرقنا حتى اليوم. وأشار أبو عازى إلى أن النخبة المثقفة فى تلك الفترة عانت من الممارسات الدستورية، حيث تعرض العقاد للسجن، وتم فصل حافظ إبراهيم من عمله فى دار الكتاب، ومنع إقامة تماثيل سعد زغلول التى أبدعها محمود مختار فى القاهرة والإسكندرية. وفى هذا السياق منع إسماعيل صدقى نقل رفاة سعد زغلول لضريح سعد، وقال نال طه حسين ما ناله، حيث جرى نقله من عميد كلية الآداب إلى العمل بديوان وزارة المعارف، وذلك لرفضه تنفيذ قرار لوزير المعارف رأى حسين أنه يمس استقلال الجامعة، كما استقال بعدها أحمد لطفى سيد من منصبه كمدير للجامعة المصرية. خلال تلك السنوات بدأت مقاومة العبث بالدستور حينها، ووصلت للذروة فى نوفمبر 35، حينما صرح الإنجليز بأنهم ضد الحكومة المصرية، وبعدها كانت هناك حالة من الثورة على الحكومة، ثم دخلت مصر فى مرحلة عصبة الأمم، وحاولت التخلص من التبعية الأجنبية، وبات هناك وضعية جديدة، العناصر الأساسية فيها الحصول على درجة أكبر من الاستقلال السياسى، وإنهاء التمييز للأجانب، وتوحيد القوانين للتعامل معهم كالمصريين، ثم عودة دستور 1923، ومن هنا ركز طه حسين على قضايا التعليم والثقافة كمدخل لتكوين وجدان المواطن المصرى، ليخرج جيل قادر على الدفاع عن البلاد. وأوضح فى كتابه وفقا لأبو غازى ، أن ضعف التكوين الثقافى والعلمى يسقط الدول تحت احتلال دول أخرى، ورأى فى العلم والثقافة السياج الوحيد لحماية الديمقراطية والقيم الوطنية، والاستقلال الوطنى ومنع المحتل، مشيرا إلى أن الكتاب يدور بشكل أساسى حول التكوين المعرفى والفكرى للمصريين، وأن الطبعة الرسمية للكتاب صدرت فى العام 1996، والتى قام بعمل مقدمتها الدكتور أحمد فتحى سرور، وكانت مقدمة الكتاب كلمة للدكتور طه حسين أثناء ما كان وزيرا للتعليم، مشيرا إلى أن هناك جزءا شديد الأهمية فى الكتاب شكّل مصدرا مستمرا للنقاش، متعلقا بالهوية المصرية، فى حوالى 11 فصلا صغيرا، ثم الجزء الأكبر يتحدث فيه عن التعليم والثقافة ويختم فى النهاية بالتعبير عن أمله وحلمه أن تتحقق أمنياته فى وطن ومجتمع قوى وسليم. وبعد العرض الوافى الذى قدمه الدكتور أبو غازى قال الكاتب والأديب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، انطلاقا من كتاب طه حسين وما أثاره من قضايا، إن النوستالجيا لم تعد حالة نفسية، وإنما هى رغبة فى استعادة عصور سابقة لم تكن تعرف الظلام، وأن له تعليقا على القومية المصرية، التى يرى أنها مختلطة بالبعد المصرى وليس العربى وأن مصر للمصريين، ليس فقط فى مواجهة الاستعمار، وإنما كانت أكبر مفتوحة للعرب والعثمانيين والإنجليز وغيرهم، وكلهم ساهموا فى الحضارة المصرية بشكل خاص، وقد أفرزت تلك الحضارة أسماء كبرى وعظيمة فى عديد المجالات. وأضاف: نقاط تحول كبرى أصابت مفاهيم أساسية فى التعليم منذ الخمسينيات، الأولى فكرة القومية العربية، تركنا البحر المتوسط الذى كان بمثابة مجالنا الحيوى، واتجهنا للجزيرة العربية، فنحن نطل جغرافيا على البحر المتوسط بمساحة تبلغ ألف كيلو متر مربع، فى حين أن صحراء سيناء لا تتجاوز 200 كيلو من الشمال للجنوب كإجمالى، العديد من المفاهيم اختفت نحتاج إثراء النقاش حولها خلال الفترة المقبلة، وأن المدارس كانت قائمة على الثقافة والتثقيف دون اللجوء إلى الحفظ والتلقين والدروس الخصوصية، كان هناك فنون سينمائية ومسرحية تغمر الطلاب طوال السنة، استمرت تلك العملية حتى السبعينيات، ومنذ ذلك الحين بدأ الانهيار من بعدها. فيما قال الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، المرحلة المتعلقة بال 50 سنة الأولى من القرن العشرين، واسترجاع الأعلام والأسماء والرموز فى الصحافة والفن والجامعة والإذاعة وغيرها، كل هؤلاء الأسماء أثرت فينا وفى محيطنا العربى، والكتب التى كانت تدرس حينها لمحمد أحمد جاد المولى، محمد أبو الفضل إبراهيم، كل ذلك لم يعد موجودا بعد الخمسينيات، والجيل الذى قام بالتدريس لى، كان ناتجا عن الجيل الذى تعلم فى أربعينيات القرن الماضى، كان التكوين الخاص به ومن اختلط بهم والصالونات الثقافية فى تلك الفترة، كانت قادرة على خلق مناخ اختلف تماما عن الذى ظهر فى النصف الثانى من القرن العشرين. أما إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، فقال إن الناس دوما تتساءل لعشرات السنوات، من نحن، هذا شىء غريب للغاية، والأمر ينسحب على العديد من دول العالم، ففرنسا على سبيل المثال لا تزال تبحث عن حلول لظاهرة العنصرية، ولكن إجمالا فى حالتنا المصرية علينا أن نستغرب أننا ما زلنا نسأل عن من نحن. وتابع: التخلى عن الهوية المتوسطية لم يكن من جانبنا فقط، وإنما من جانب الآخر الأوروبى أيضا، ومن ناحية أخرى لا أرى أن الرئيس الراحل عبدالناصر كان قوميا عربيا، فأثناء مناقشات الوحدة لم يكن موقفه قوميا، وإنما فرض عليه ذلك بشكل ما أو بآخر، وأرى أن فكرة القومية عالميا فكرة مدمرة إجمالا، هناك بشر، هناك إنسان، تلك يجب أن تكون القضية الأساسية. أما السفير محمد توفيق، الكاتب والمفكر وسفير مصر الأسبق لدى واشنطن، فقال بإن أية قضية يتم تناولها، يكون وفقا ل 3 مراحل أو طبقات، الأولى الأيديولوجيا، بمعنى كيفية رؤيتى للعالم، ثم السياسة بمعنى توزيع الثروة والمنافع فى المجتمع، ثم الطبقة الفنية لو أننى أتحدث عن التعليم وتطويره والاقتصاد وهكذا، لا يمكن أن يكون هناك تطوير للتعليم والثقافة دون تلك الطبقات. وتابع: أقارن دوما فى الأيديولوجيا بين التجربة المصرية فى القرن 19 والتجربة اليابانية والصينية، لأنهم 3 تجارب ل «ثقافات» لها وضعية معينة، حيث تنظر لعالم غربى تقدم كثيرا، فكيف تتفاعل مع هذا، الصينيون تفاعلوا بطريقة وهكذا اليابانيون والمصريون، وفيما يخص اليابانيين امتلكوا أسسا متقدمة بالنسبة للثقافة الخاصة بهم حيث تفاعلوا بطريقة فاعلة. واصل: نحن بصدد تحديد موقفنا من الحداثة، فمن هم ضدها أحيانا يتستروا بالدين، والتقاليد، حيث مفاهيم العالم الحديث، هل أتبناها أم أقاومها، ضمن صراع مستمر منذ سنوات، وأن جيل طه حسين، كانت له نظرته إلى أوروبا، حيث أحدث مفاهيم موجودة، لم يقم بتأليف المفاهيم وإنما استوعب الحضارة الغربية، لذلك تبدو بالنسبة إلينا لا تزال بها حيوية، حيث قام هذا الجيل بالبناء على تلك الرؤى، وعلينا الآن أن نعود لنقطة، ما هى أحدث الأفكار الموجودة فى العالم حاليا وأحدد موقفى منها. هنا تدخل المهندس إبراهيم المعلم ليشير إلى أنه قبل الثلاثينيات، كان يتم الإشارة إلى «القومية الشرقية»، وليس العربية، وهو ما أكد عليه السفير محمد توفيق الذى قال إن التاريخ حينها كان يتم تدريسه حول «الهوية الشرقية»، قبل أن نتحول للعربية، وتكون هناك «الجامعة العربية» وغيرها من الخطوات التى تميل للانتماء العربى دون غيره من المتوسطى أو الشرقى أو غيره. فيما قال الدكتور عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا: الصدمة فى التعرض لكتاب طه حسين فى وقت كانت تعتقد الأمة أنها ستستقل وهو كان يؤصل فكريا فى ضرورة تبنى النموذج الغربى، وأريد الإشارة أيضا لكتاب «المعذبون فى الأرض»؛ حيث كان يستجدى السلطة أن تنظر للعدالة الاجتماعية بأضعف الكلمات الممكنة، شعرت أن طه حسين لم يكن مرحبا بالاستقلال وإن بدا مستعدا له، وهى مسألة متعارف عليها فى ثقافات الدول التى تعتبر ذلك «استقلالا لم يكن منتظرا»، أسمح لنفسى بأن أقول ذلك لأن مقدمة الكتاب لا يوجد بها احتفاء واضح بحالة الاستقلال، الصفحات الأولى فيها خوف يتعلق ب«ماذا بعد؟»؛ حيث يشير إلى وجود تحدٍ أكبر أو مكافئ للاستقلال «ماذا سنفعل بعد الاستقلال؟». رد على ذلك الدكتور عماد أبو غازى: ما نتعلمه من طه حسين، هو النقد، بما فيه نقد طه حسين نفسه، ولكنى لا أرى فى الكتاب ما رآه عاطف معتمد، طه حسين يريد أن يربطنا بالثقافة الأوروبية كداعٍ للتقدم وليس الانصياع، طه حسين كان يرفض الخضوع والتبعية.