فى مكتبه بالمقر الرئيسى للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى بكورنيش نيل روض الفرج، جلس المسئول الكبير محاولا الدفاع عن شركته، التى كانت على مدار الشهور الماضية محلا لهجوم واسع بطول مصر وعرضها، بسبب «ارتفاع أسعار فواتير مياه الشرب». بدا المسئول الذى فضل عدم ذكر اسمه، أكثر شجاعة وصراحة من مسئولين آخرين آثروا ألا يتحدثوا فى هذا الأمر «الشائك»، الذى كان موضوعا لأكثر من طلب إحاطة جرى مناقشته فى لجنة الإسكان بمجلس الشعب مؤخرا. فى البداية نفى تماما أن تكون قد حدثت أى زيادة فى تعريفة المياه الخاصة بالاستهلاك السكنى، مشيرا إلى أنها «موحدة تقريبا فى كل المحافظات ولم تتغير منذ ما يقرب من 20 عاما، كما أنها مقسمة إلى شرائح بحيث تراعى البعد الاجتماعى ومحدودى الدخل». «وطبقا لهذه التعريفة يصل سعر المتر بالنسبة لأول عشرة أمتار مكعبة من المياه إلى 23 قرشا، ويتصاعد تدريجيا إلى 25 قرشا للعشرة أمتار التالية، ثم 35 قرشا للأمتار من 20 إلى 40، ليصل إلى 50 قرشا للاستهلاك الذى يتعدى ال 40 مترا، وبالرغم من أنه يتم تحرير الفاتورة كل شهرين فإنه يتم حساب كل شهر بمفرده». الإحساس الخاطئ لكن إذا كانت التعريفة لم ترتفع حقا فكيف يمكن تفسير الزيادات التى يسجلها المواطنين فى قيمة فواتير المياه لديهم؟ هنا يبرر المسئول ما يسميه ب«إحساس الناس» بزيادة تعريفة أو تسعيرة المياه إلى «عوامل كثيرة» على حد قوله. «الناس دى ما كانتش بتتحاسب أصلا» هكذا بدأ المسئول كلامه، مشيرا إلى أن الشركة القابضة لمياه الشرب «بدأت منذ تأسيسها عام 2004 بمعرفة أوجه التحصيل التى بها قصور، ولما بنعالج أوجه القصور ديه، بيترتب على كده إن المواطن اللى ما كنش بيتحاسب بقى بيتحاسب». وأضاف موضحا: «مع ظهور الشركة ابتدا يبقى فيه قراية للعداد، وفيه عداد تتم صيانته، كما بدأ التركيز على التفرقة ما بين العدادات السكنية والتجاربة والإنشائية والتفرقة فى الحساب ما بين هذه الفئات المختلفة، وكل هذه الأشياء لم تكن فى الحسبان لما كانت المحليات هى المسئولة». وطبقا لكلام المسئول نفسه، فإن عدم قيام أصحاب العمارات بعد بنائها مثلا بتحويل عدادات المياه من «إنشائية» إلى «سكنية» يؤدى إلى محاسبة السكان وفقا لأسعار أعلى، كما أن عدم إبلاغ السكان أو اتحادات الملاك عن وجود محال تجارية تشترك مع بقية العمارة فى نفس العداد يؤدى أيضا لمحاسبتهم وفقا لتسعيرة أعلى. الربط الثابت فيما يتعلق بالعمارات والوحدات السكنية التى لا يوجد بها عدادات حتى الآن، والتى تمثل الغالبية، فيشير المسئول إلى أنه يتم عمل ما يسمى ب«الربط الثابت» لكل وحدة سكنية أو غرفة داخلها، على أساس اعتبار أن كل غرفة تستهلك ما يتراوح بين 6 و8 أمتار مكعبة من المياه شهريا، مع اعتبار «الصالة» بمثابة غرفة إضافية. أوضح المسئول كذلك أن الطريقة السابقة فى الحساب مستمدة من الفترة، التى كانت فيها خدمة مياه الشرب تابعة للمحليات، إلا أنه كشف أيضا عن خطة لتركيب 6 ملايين عداد فى الثلاث سنوات المقبلة، لتضاف إلى نحو 2.5 مليون عداد تعمل الآن بالفعل، وبذلك يتم تغطية معظم المشتركين فى خدمة مياه الشرب، البالغ عددهم الآن 10 ملايين مشترك. لكن «تعريفة المياه» ليست الشىء الوحيد الذى يحدد القيمة الإجمالية لفواتير المياه. فثمة رسوم وتكاليف أخرى تتم إضافتها لفاتورة المياه فى مقدمتها رسوم «الصرف الصحفى»، التى يشبهها البعض برسوم النظافة المضافة على فاتورة الكهرباء، والتى تصل إلى 35% من تكلفة متر المياه فى العدادات السكنية، و70% من تكلفته فى العدادات التجارية. ويعتبر الناشط الحقوقى عبدالمولى إسماعيل، منسق اللجنة المصرية للحق فى المياه، أن الرسوم السابقة، والتى يضاف إليها رسم صيانة عداد يتراوح ما بين جنيه وجنيهين و60 قرشا، تعتبر فى واقع الأمر زيادة فى سعر متر المياه المقدم إلى المواطن، تماما مثل ما حدث فى تكلفة التعاقد، والتى ارتفعت من 175 جنيها على حد قوله قبل ظهور الشركة القابضة، إلى ما يزيد الآن على 1000 جنيه. ويرى منسق لجنة الحق فى المياه تلك الممارسات والرسوم السابقة باعتبارها «نوعا من الجباية وإخلالا بفكرة الحق فى المياه التى بدونها لا يمكن أن تستمر الحياة بخلاف الحال مثلا مع الكهرباء أو غيرها من الخدمات»، مشيرا إلى أن ذلك «يتفق مع حديث الشركة القابضة عن مياه الشرب باعتبارها سلعة تباع لمن يدفع وليست حقا». مسئولية الحكومة فى مكتب السكرتارية الخاص بمدير عام الإيرادات بشركة مياه الشرب بالقاهرة، دخل موظف والهلع يبدو على وجهة قائلا «إمبارح لمينا 28 ألف جنيه بس»، وبعدما سمع ما يشبه الشهقة، استدرك قائلا: «بس الحمد لله النهارده حصلنا 400 ألف جنيه». هنا يعود المسئول الكبير بالشركة القابضة لمياه الشرب ليدافع مرة أخرى عن شركته ومؤكدا مثلا على أن «مياه الشرب لا تأتى من السماء أو النيل مباشرة إلى الحنفية وأن عملية تنقيتها تتكلف إنشاء محطات تنقية وكيماويات ومصاريف تشغيل وصيانة، ويتراوح سعر المتر لحظة خروجه من المحطة ما بين 80 قرشا و120 قرشا للمتر، فى الوقت الذى نقدمه للمواطن ب23 قرشا لأول عشرة أمتار. لا ينكر منسق لجنة الحق فى المياة مثل هذه التكاليف، وإنما يعتقد «أن هناك مسئولية لشركة المياه، ومن خلفها الحكومة فى تقديم هذه الخدمات بأسعار تتناسب مع متوسطات الدخول الحالية لعموم المصريين، والضغوط التى تفرضها نفقات المعيشة الأخرى، وهو الأمر الذى يؤكد أنه «معمول به حتى فى أعتى الدول الرأسمالية». «أما فى حالة فشل الشركة أو حتى الحكومة فى تحمل هذه المسئولية، فإن المنطق يقول إن كل منهما عليه أن يرحل ويترك المسئولية لغيره».