«مشروع البتلو».. مصطلح يتردد فى كل مرة ترتفع فيها أسعار اللحوم باعتباره المدخل الوحيد للقضاء على مشكلة اللحوم فى مصر والبوابة الملكية لتحقيق الاكتفاء الذاتى منها وفى ظل الأزمة الأخيرة التى وصلت فيها اسعار اللحوم إلى مستويات غير مسبوقة ومع التطورات الجديدة، التى زادت الأمر تعقيدا والخاصة بما أثير عن إصابة لحوم مستوردة من الهند بطفيل الساركوسيست توقع البعض أن يصل سعر اللحوم إلى 200 جنيه الكيلو بحسب أمين أباظة وزير الزراعة، الذى وصف ما يحدث فى سوق اللحوم ب«المسخرة». ما مشروع البتلو؟ متى بدأ وما مراحل تطوره وما دوره فى حل مشكلة اللحوم وما موقفه حاليا وماذا يحتاج لكى يستعيد دوره السابق؟ هذا ما حاولنا معرفته فى حوارنا مع الدكتور سعد الحيانى رئيس رابطة مربى الجاموس وهى الرابطة المشرفة على المشروع حاليا مع وزارة الزراعة بعد أن خرجت الدولة من المشروع فى بداية التسعينيات، كما أن الحيانى كان صاحب أول شركة قطاع خاص انضمت للمشروع. البداية البداية كما يذكرها الدكتور سعد الحيانى كانت فى عام 1983 عندما بدا مشروع البتلو كمشروع حكومى تشرف عليه وزارتا الزراعة والتموين وكان فى عامه الأول يستهدف تسمين 15 ألف رأس ماشية وكان ينقسم إلى مرحلتين الأولى مرحلة التربية عند الفلاح، حيث كان المشروع يشترى العجل من الفلاح بمبلغ 500 جنيه ثم يقدم له العلف المدعم بالإضافة إلى قرض تشغيلى ميسر بواقع 300 جنيه عن الرأس الواحدة من بنك التنمية والائتمان الزراعى بفائدة 6%، ويربى الفلاح العجل حتى يصل وزنه إلى 200 أو 250 كيلو ثم تقوم لجنة مشتركة من وزارة الزراعة وبنك التنمية والائتمان الزراعى بتسلم العجل المسمن من الفلاح، وتقوم بخصم قيمة القرض وثمن العجل الرضيع لتسترد الدولة ما دفعته للفلاح ثم تسلم إليه باقى قيمة العجل، والتى يحددها ما يسمى المجلس الأعلى للبتلو وكان يرأسه وقتها الدكتور يوسف والى وزير الزراعة فى هذه الفترة. المرحلة الثانية بحسب د.الحيانى تبدأ بتسليم العجل إلى مزارع التربية بعد تحديد ثمنه من جانب المجلس الأعلى للبتلو ويسلم العجل «كبضاعة أمانة» دون دفع ثمنه ويتم عمل بوليصة تامين على الماشية شاملة مخاطر النفوق والذبح الاضطرارى والسطو وخيانة الأمانة لصالح هيئة السلع التموينية، وهى الجهة الممولة للمشروع. ومن حق المربى الحصول على قرض تشغيلى من بنك التنمية بفائدة ميسرة بالإضافة إلى العلف المدعم، ويتم تربية العجول حتى تصل إلى وزن لا يقل عن 400 كيلو ليتم تسليم العجول إلى شركة اللحوم والدواجن التابعة لوزارة التموين، حيث تقوم الشركة بدفع قيمة العجول فى صورة شيكات لصالح بنك التنمية، الذى يحصل على قيمة القروض التى قدمها للمربى بالإضافة إلى قيمة العجل المحددة عند التسليم ثم رد باقى الثمن إلى المربى، وتذبح العجول فى مجزر شركة اللحوم وتعرض فى المجمعات الاستهلاكية. وكيف سارت الأمور بعد ذلك؟ فى العام الثانى للمشروع انضمت أول شركة قطاع خاص وتولت تربية 1200 رأس ماشية ثم زادت الشركات الخاصة إلى 9 شركات وارتفع عدد الحيوانات من 15 ألف فى السنة الأولى إلى 275 ألفا فى السنة السابعة ورغم أن المتاح للذبح من خلال المشروع كان لا يتجاوز 15% من الإجمالى إلا أن المشروع نجح نجاحا منقطع النظير فى الحفاظ على استقرار أسعار اللحوم فى هذه الفترة ليظل الفارق فى أسعار اللحوم لدى الجزارين والمجمعات فى حدود مناسبة لا تزيد على جنيه أو جنيهين وحتى عام 1990 كان سعر كيلو اللحم البلدى 8.5 جنيه بفضل مشروع البتلو، الذى كان بمثابة صمام أمان لأسعار اللحوم حتى إننا لم نستورد أى ماشية حية عامى 88 و89 نتيجة للتوسع فى المشروع. بين يوم وليلة لماذا إذن توقف المشروع رغم هذا النجاح؟ فى عام 1990 ومع بدء سياسة الإصلاح الاقتصادى وإلغاء الدعم واتباع سياسة آليات السوق الحر أوقفت الدولة المشروع بين يوم وليلة وبدأنا بعد عام من توقفه نبحث عن وسيلة أخرى لإحياء المشروع على أسس جديدة خالية من أى دعم حكومى، واستطعنا الحصول على منحة من المعونة الأمريكية بمساعدة وزارة الزراعة بلغت قيمتها 10 ملايين دولار بقيمة 33 مليون جنيه، وتم إيداعها فى صورة وديعة بنكية وتولى القطاع الخاص المشروع من خلال رابطة مربى الجاموس، التى تأسست عام 1992 وفى العام التالى تمت زيادة المنحة 7 ملايين دولار التى تبلغ قيمتها نحو 100 مليون جنيه لتدار كقرض دوار للمربين، وكان البنك التجارى الدولى هو مدير القرض، بينما كان بنك التنمية والائتمان الزراعى هو المفوض بتوزيعه بفائدة ميسرة 6.5%، وخلال 17 عاما هى عمر المشروع لم يحدث ولا حالة تبديد للقروض لتصل قيمة القرض الدوار خلال هذه الفترة 3.3 مليار جنيه وبلغت كمية اللحوم التى وفرها المشروع 100 ألف طن. ما الشكل الجديد الذى أصبح عليه المشروع فى مرحلته الثانية؟ المشروع عبارة عن مرحلتين أيضا الأولى عند الفلاح ويحصل الفلاح على قرض 2000 جنيه على الرأس، أما المرحلة الثانية لدى المربى الذى يحصل على قرض قيمته 3000 جنيه، ولكن المربى هنا يبيع لأى جهة خاصة دون أن يكون ملزما بالبيع للدولة كما كان الوضع فى السابق، وقد وصل عدد أعضاء الرابطة حتى الآن 17 ألف مربى. ضمانات قاسية ما المشكلة إذن طالما أن المشروع مستمر؟ المشكلة أن قيمة القروض محدودة ولا تشجع على دخول مربين جدد فى المشروع، كما أن بنك الائتمان الزراعى بعد أن تحول إلى الطابع التجارى فى عملياته أصبح يطلب ضمانات لا يقدر علىها الفلاح مما يحد من إمكانية توسع المشروع فى حين أن زيادة فاعلية المشروع تتطلب زيادة قيمة التمويل الخاص به من جانب الدولة فمبلغ ال100 مليون جنيه الحالية تكفى لتربية نحو 100 ألف رأس فى حين لو زاد التمويل إلى 300 أو 400 مليون جنيه لارتفعت أصول المشروع إلى 300 أو 400 ألف رأس مما يؤدى إلى توازن سوق اللحوم بشكل كبير إلى جانب توفير قروض ميسرة متوسطة الأجل لتشجيع الفلاحين على تربية الأمهات وعدم ذبحها وقد رفعنا توصيات بهذا الشأن إلى وزير الزراعة لكن يبقى التنفيذ كما نقوم ببحث الأمر حاليا مع وزارة التضامن الاجتماعى لتوفير تمويل إضافى للمشروع. ولكن ربما ترى الحكومة أن الحل الأمثل هو الاستيراد؟ الاستيراد مجرد سياسة اطفاء للحرائق ولابد لأى سياسة فى هذا الشأن أن تاخذ الإنتاج المحلى فى اعتبارها بالمقام الأول، فهناك نواة ثروة حيوانية جيدة تتمثل فى 6 ملايين رأس وبإمكان مصر أن تكتفى ذاتيا من اللحوم خلال 10 سنوات إذا اهتمت الدولة بمشروع البتلو «حتى لو من غير دعم بس يزودوا التمويل ويخففوا شروط الإقراض واعتبار رءوس الماشية هى الضمان»، فالمشروع أساس قوى يمكن البناء عليه، ولابد من وضع خطة متوسطة المدى تستهدف تسمين 500 ألف عجل سنويا. بالورقة والقلم ذكرتم أن تكلفة اللحوم لم تشهد زيادة مؤخرا فماذا تعلل الزيادة المذهلة فى الأسعار؟ نحسبها بالورقة والقلم فنحن نبيع الراس بسعر يتراوح بين 19و20 جنيها للكيلو القائم ومعنى ذلك أن سعر الكيلو لدى الجزار بعد استبعاد مصاريف الذبح والعظم ينبغى ألا يزيد على 44 أو 45 مع احتساب هامش ربح 10% مع العلم أنه هامش كبير مقارنة بما يحصل عليه المربى، الذى يحتفظ بالعجل لمدة 12 شهر لكن ما يحدث الآن فوضى لا مثيل لها، فالجزار يضع لنفسه هامش ربح شهريا لا يتنازل عنه مهما كانت الظروف والدولة يجب أن تواجه ذلك ليس بالتدخل فى الأسعار ولكن بوضع سقف للأسعار من جانب الحكومة فى إطار دراسة شهرية تقوم بها وزارة الزراعة فى ضوء عوامل التكلفة وهامش الربح وقد قدمت الرابطة اقتراحات بهذا الشأن لوزارة الزراعة.