هل يمنع قانون الانتخابات الرئاسية من صدرت ضدهم أحكام في أي جناية أم الجنايات المخلة بالشرف أو الأمانة فقط؟ مقارنة النص بنصوص قانونية أخرى قد تفتح الباب من صدرت ضدهم أحكام جنايات المحاكم اختلفت في اعتبار الجريمة مخلة بالشرف والأمانة حسب ظروف ووقائع كل قضية الوطنية للانتخابات لها سلطة تفسير القانون وقرارها يخضع لرقابة الإدارية العليا مع اقتراب موعد بدء إجراءات انتخابات رئاسة الجمهورية وتداول أسماء بعض الشخصيات السياسية كمرشحين محتملين للمنافسة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، ثارت مرارا في الفترة الأخيرة مسألة إمكانية ترشح المحكوم عليه في جناية أو في جرائم أخرى، حيث يردد البعض أن قانون الانتخابات الرئاسية حسم هذه المسألة بحظر ترشح المحكوم عليه في جناية بشكل عام ولو رد إليه اعتباره، بينما يرى فريق آخر من المتابعين أن المسألة تخضع لتقدير الهيئة الوطنية للانتخابات. ولعل أبرز ما قيل في هذا السياق تصريحات من رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني ضياء رشوان في مقابلة مع قناة العربية منذ أيام، عندما سُئل عن موقف ترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، فتساءل عن مدى قانونية هذا الأمر في ظل وجود نص يمنع ترشحه لصدور حكم جنائي ضده ولو رد إليه اعتباره، مرجعا الأمر في النهاية إلى حسم الهيئة الوطنية للانتخابات والتي يسمح القانون بالطعن على قراراتها أمام المحكمة الإدارية العليا. تبرز في هذا السياق الحالة الخاصة بجمال مبارك، الذي لم يصرح أبدا بشأن ترشحه للرئاسة غير تردد بعض التغريدات الساخرة من شقيقه علاء مبارك، فالاثنان مع والدهما الرئيس الأسبق حسني مبارك صدر ضدهم حكم قضائي نهائي وبات من محكمة النقض في القضية المعروفة إعلاميا ب" القصور الرئاسية" وكانت جريمة كل من جمال وعلاء فيها "الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية الاستيلاء بغير حق على أموال إحدى جهات الدولة، والاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية الإضرار العمدي بأموال وصالح جهة عمل والدهما وهي رئاسة الجمهورية وإهدار مبلغ مالي عليها دون وجه حق". كما تبرز حالة أخرى وهي الخاصة بالمرشح الرئاسي الأسبق خالد علي الذي صدر ضده حكم من محكمة الجنح المستأنفة بحبسه 3 أشهر مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات في القضية التي اتُهم فيها بارتكاب فعل فاضح في الطريق العام بإشارة باليد وهو محمول على الأعناق خلال نظر قضية تيران وصنافير في مجلس الدولة، وهي الواقعة التي يصر خالد علي أنها مفبركة وغير صحيحة. كما تخص المسألة ذاتها كل شخص يرغب في الترشح لانتخابات الرئاسة -هذه المرة أو مستقبلا- وعليه قضايا سابقة، سواء شخصية أو سياسية، وسواء مخلة بالشرف أو الأمانة أو غير مخلة، وسواء حصل على رد الاعتبار أم لا. ماذا يقول قانون انتخابات الرئاسة؟ لم يضع الدستور الحالي الصادر في يناير 2014 أي شروط من هذا النوع، بل ترك تحديدها للقانون. وفي مارس 2014 صدرت تعديلات قانون انتخابات الرئاسة متضمنة 8 شروط فيمن يترشح لرئاسة الجمهورية من بينها: "ألا يكون قد حُكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد رُد إليه اعتباره". صيغت هذه العبارة في القانون بنفس الطريقة المكتوبة به أعلاه، من 19 كلمة متصلة، بلا أي فواصل أو نقاط أو علامات ترقيم أخرى، ونظرا لعدم وجود برلمان في تلك الفترة فلا توجد مذكرة إيضاحية يمكن الاعتماد عليها في تفسير النص بأكثر مما يظهر في كلماته، كما لم تصدر بشأن هذا النص أي أحكام قضائية تطبقه أو تفسره، على عكس شروط أخرى. ويذهب أنصار التفسير السهل لهذه العبارة إلى أنها تمنع ترشح كل من صدر ضده حكم في جناية بشكل عام، كما تمنع ترشح كل من صدر ضده حكم في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أي سواء كانت جنحة أو مخالفة، وأن رد الاعتبار في كلا الأمرين لا يسمح بالترشح للرئاسة. قراءة مختلفة للنص.. الجنايات المخلة بالشرف أو الأمانة فقط: والحقيقة أن القراءة المتأنية والمتكررة للمادة تكشف بعض الملاحظات اللغوية والقانونية التي تثير إشكاليات حول معنى النص وهدفه وتقود إلى قراءة مختلفة له، ربما تحوله إلى حقل ألغام. أولها من الناحية اللغوية؛ ففي ظل غياب علامة الفاصلة (،) بين كلمتي "جناية" و"جريمة" فإن وصف الإخلال بالشرف أو الأمانة لا يمكن أن ينطبق على كلمة "جريمة" وحدها، بل يجب أن ينطبق على الجناية والجريمة معا، أي الجنايات والجنح والمخالفات المخلة بالشرف أو الأمانة. وبالتالي لا يسري منع الترشح في جميع أحكام الجنايات، بل في الجنايات المخلة بالشرف أو الأمانة فقط. ويدعم هذه القراءة أن جملة "ولو كان قد رد إليه اعتباره" التي اختتم بها هذا الشرط قد جاءت عامة غير مسبوقة بفاصلة أيضا، وبالتالي فهي تسري كذلك على كل من الجنايات والجرائم الأخرى المخلة بالشرف أو الأمانة. دلائل لغوية وتشريعية: وهذه القراءة المختلفة تتفق مع التفسير السليم والوحيد لصياغة شرط آخر من شروط الترشح وهو: "ألا يكون مصابا بمرض بدني أو ذهني يؤثر على أدائه لمهام رئيس الجمهورية". فعندما صاغ المشرع هذا البند لم يضع فيه أيضا أي فاصلة أو علامة ترقيم، والفهم المستقيم الوحيد لهذه الصيغة هو أن يكون المرض البدني أو الذهني مؤثرا على أداء المرشح لمهام رئيس الجمهورية. فليس من المعقول أن يمنع هذا النص جميع المصابين بأي مرض بدني، بل فقط من يؤثر مرضهم البدني على أداء مهام الرئيس. وبالقياس بين عبارة "مصاب بمرض بدني" وعبارة "قد حُكم عليه في جناية" المذكورتين في الشرطين نتبين عدم عموميتهما، بل اشتراط أن يؤثر المرض البدني على أداء مهام الرئيس، وأن تكون الجناية مخلة بالشرف أو الأمانة. كما يمكن التوصل إلى نفس القراءة من خلال قياس ومقارنة هذا النص "المُلغّم" المثير للإشكال بنصوص قانونية أخرى مايزت صياغتها بشكل صريح بين الجنايات والجرائم الأخرى في الحالات العامة وحالات الإخلال بالشرف أو الأمانة. والهدف من هذه المقارنة توضيح أن التشريعات المصرية بها ذخيرة من الصياغات الواضحة تماما وغير الملتبسة والتي تغنينا عن مباريات التفسير، فضلا عن توضيح الصياغة السليمة حال رغبة المشرع في تعميم اعتبار الحكم الجنائي سببا لتقييد الحق أو الحرية في تولي منصب أو وظيفة. فعلى سبيل المثال؛ ينص قانون شركات المساهمة في المادة 89 على أنه "لا يجوز أن يكون عضوا في مجلس إدارة أية شركة مساهمة، من حكم عليه بعقوبة جنائية أو عقوبة جنحة عن سرقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو تفالس أو بعقوبة من العقوبات المنصوص عليها في المواد 162، 163، 164 من هذا القانون". هنا تم استخدام لفظ العقوبة، وحُددت الجنايات والجنح المقصود منع من عوقبوا فيها بذكر أنواعها، ثم أضاف إليها بعض العقوبات في جرائم منصوص عليها في القانون ذاته. وفي مثال آخر ينص قانون الخدمة المدنية في المادة 14 ضمن شروط التعيين في الوظائف العامة طألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره". ويتضح من هذه الصياغة أن المشرع استخدم لفظ العقوبة في سياق أكثر تحديدا، نتج عنها تعميم الحظر بالنسبة للمحكوم عليهم في جناية، وبتقييده بالنسبة للمحكوم عليهم في الجرائم الأخرى المخلة بالشرف أو الأمانة بحيث يحظر من حُكم عليهم بعقوبات مقيدة للحرية فقط، مع السماح بتعيين من حصل على رد الاعتبار. وفي مثال آخر أحدث وأكثر دقة ؛ يتضمن قانون إنشاء الغرف السياحية واتحادها -الصادر في مايو الماضي- من ضمن شروط الترشح أو التعيين لعضوية مجلس إدارة الغرفة "ألا يكون قد حكم عليه بعقوبة جناية، أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره". ويتضح من هذه الصياغة المشابهة لصياغة قانون الخدمة المدنية، بالإضافة إلى استخدام الفواصل (،) للتمييز بين تعميم حظر المعاقب في أي جناية، وبين اشتراط أن تكون العقوبة مقيدة للحرية في الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة وذلك بالنسبة للجنح والمخالفات. قد يتساءل البعض، تعليقا على المقارنة مع تلك النصوص، عما إذا كان من المنطقي منع المحكوم عليه في أي جناية من التعيين في وظائف الحكومة أو مجلس إدارة غرفة سياحية، وقبول ترشحه للرئاسة، باعتبار أن منصب رئيس الجمهورية له من الحساسية والأهمية ما يفوق أي منصب آخر في الدولة. إلا أن هذا الأمر مردود عليه بأن العمل السياسي بطبيعته يختلف عن العمل الحكومي وقد شاهدنا في تاريخ مصر وفي دول أخرى صعود شخصيات سياسية لمنصب الرئاسة رغم سابقة صدور أحكام عليهم في قضايا ذات طبيعة سياسية في ظل عهود سابقة، ولا مثال أوضح من الزعيم الراحل أنور السادات الذي كان مدانا بالاشتراك في جناية اغتيال السياسي أمين عثمان في شبابه. كما أن الصياغة الملتبسة للنص التشريعي هي التي فتحت الباب لتعدد القراءات وارتباك التفسير. لا سيما وأن قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي صدر أيضا عام 2014 يتضمن تفصيلا دقيقا وبالبنود وذكر الجرائم وأنواعها للحالات التي يحرم فيها المواطن مؤقتا من مباشرة الحقوق السياسية. من يقول إن الجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أم لا؟ يثير النص إشكالية أخرى تتمثل في شرط الإخلال بالشرف أو الأمانة، فهل هناك جرائم بعينها تدخل تحت هذا التصنيف أيا كانت حالة وملابسات الواقعة؟ الإجابة: لم يتضمن أي قانون مصري تعريفا جامعا مانعا محددا للقضايا المخلة بالشرف أو الأمانة، تاركا هذا الأمر إلى القضاء واللجان والهيئات ذات الاختصاص كالإشراف على الانتخابات أو فحص أوراق المتقدمين لوظيفة أو منصب. ونتج عن ذلك إصدار مئات الأحكام والفتاوى القضائية التي تصنف بعض الجرائم باعتبارها مخلة بالشرف كالتهرب من التجنيد، والبعض الآخر باعتبارها مخلة بالأمانة كالتبديد، وهناك جرائم وصفتها الأحكام بأنها مخلة بالشرف والأمانة معا كالسرقة والتزوير وخيانة الأمانة والنصب وبعض جرائم الشيك. لكن تصدي المحاكم لتصنيف هذه الجرائم لا يخلو من الإشكاليات، فقد صدرت أحكام وفتاوى متناقضة اختلفت على بعض الجرائم كالتظاهر والتجمهر ففي عام 2020 ذهبت محكمة النقض إلى اعتبارها مخلة بالشرف (في الطعن رقم 2575 لسنة 88 قضائية) بينما رفضت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة اعتبارها كذلك (في الفتوى رقم 1587 لسنة 2020). كما أن بعض دوائر القضاء الإداري والإدارية العليا استثنت حالات بعينها ممن ارتكبوا جرائم معروفة بأنها مخلة بالشرف، كالتبديد والشيك بدون رصيد، إذ أن المحاكم تأخذ بعين الاعتبار وقائع القضية وتستشف منها ما إذا كان المتهم المدان أقدم على ارتكاب الجريمة مجبورا أو مرغما أو في ظروف استثنائية، أم أنه ارتكب تلك الجرائم كاشفا عن سوء خلقه وضعف نفسه واعتياد الانحراف وتأثره بالشهوات وامتهانه للضمير والعلاقات الإنسانية والأعراف الاجتماعية. وبالتالي فإن الإدانة الجنائية في قضية معينة، ليست نهاية المطاف، بل يمكن أن يكون للمحكمة الإدارية العليا رأي مغاير بأن الجريمة ليست مخلة بالشرف أو الأمانة تبعا لظروف الواقعة والجرم المرتكب. كيف نتعامل مع هذا النص؟ من حصيلة ما سبق؛ يبدو أن الشرط الخاص بأحكام الإدانة السابقة في قانون الانتخابات الرئاسية غير حاسم، مما يوجب تفسيره بصورة أكثر مرونة، وبما يسمح للجهات المختصة بالفصل في تأثيره على الاستحقاق الانتخابي. ولذلك فقد يرى البعض ضرورة تفسيره على أنه يمنع المحكوم عليهم في جنايات مخلة بالشرف أو الأمانة وليس في كل الجنايات، ووضع الأمر في يد الهيئة الوطنية للانتخابات التي يشكل مجلس إدارتها من مجموعة من كبار القضاة، ليبتوا في أحقية المتقدمين –أيا كانوا- في الترشح. وإذا لم يرض المتقدمون بقرارات الهيئة فمن حقهم الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا التي تفصل في المنازعة بحكم نهائي بات خلال 10 أيام من تاريخ قيد الطعن، كما يجوز لها إذا ارتأت شبهة عدم دستورية في هذا النص أن تحيله إلى المحكمة الدستورية العليا للبت فيه.