مستقبل غامض.. الأقليات فى خوف والسوريون يعيشون بين ميليشيات مسلحة وعناصر مارقة    لويس إنريكي يضع خطة مواجهة توتنهام بالسوبر الأوروبي    سيكسر حاجز 130 مليون جنيه إسترليني؟ تقرير: سندرلاند يقترب من ضم ألديريتي    اللاعب لا يمانع.. آخر تطورات انتقال باليبا إلى مانشستر يونايتد    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    تُخالف النِسب المُقررة دستوريا .. ميزانيات الصحة والتعليم تكشف ادعاءات وزارة "مالية" السيسي !    مدبولي يترأس الوفد المصري المشارك في أعمال اللجنة المصرية الأردنية المشتركة    تعاون مصري- إيفواري في مجالي الصناعة والنقل وبحث إقامة مناطق لوجستية مشتركة    يسري الشرقاوي: القطاع الخاص آمن بمبادرة التيسيرات الضريبية    "سياحة النواب": طلبنا زيادة ميزانية التنشيط.. وننتظر قانوني الشركات والمرشدين    محافظ كفرالشيخ يعتمد تحديث المخطط التفصيلي لمدينة سيدي سالم وتعديل قيود الارتفاع    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 أدبي.. توقعات الكليات كاملة (الحد الأدنى 2024)    وزارة التعليم تحدد اسعار الكتب المدرسية لطلاب المدارس الخاصة    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    "مكان التواجد والانصراف".. الإسماعيلي يعلن تعليمات حضور الجمعية العمومية    بعد حادث الشاطبي.. 8 نصائح قد تنقذ حياتك عند عبور الطريق    محافظ المنيا يوجّه بوقف العمل خلال ساعات الذروة    محافظة الإسكندرية توجه إرشادات للمصطافين لعبور الطريق بعد حادث الشاطبى    ضبط 1429 نسخة من الكتب الدراسية الخارجية بدون ترخيص    نفرتيتى.. النزاع على الملكة الوحيدة    الإعلام من المطبعة إلى المنصة    برعاية وزارة الرياضة.. تكريم شيري عادل في مهرجان إبداع بدورته الخامسة    عاصم عبد القادر: مؤتمر دار الإفتاء يناقش تأثير الذكاء الاصطناعي على الفتوى    في ذكرى رحيله.. نور الشريف أيقونة الفن المصري الذي ترك إرثًا خالدًا في السينما والدراما    عمرو يوسف ودينا الشربينى وأبطال درويش يحتفلون بالعرض الخاص    مذيعة القاهرة الإخبارية لمسئول بالوكالة الذرية: العلاقات لا تبنى على دم الشهداء    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    وكيل صحة سيناء يتابع تقديم الخدمات الطبية للمترددين على مستشفى العريش    «بمكون ميجيش في بالك».. أسرار «فيجيتار» المصانع في المطبخ (المكونات والطريقة)    وصفات حلويات المولد النبوي الشريف السهلة بدون فرن    مجلس صيانة الدستور الإيراني: نزع سلاح حزب الله حلم واهم    «الحرارة تتخطى 40 درجة».. تحذيرات من موجة حر شديدة واستثنائية تضرب فرنسا وإسبانيا    جدول مواقيت الصلوات الخمسة غدا الثلاثاء 12 أغسطس في المنيا والمحافظات    رد حاسم من كهرباء الإسماعيلية على مفاوضاتهم مع محمود كهربا (خاص)    الشباب والرياضة و"مكافحة الإدمان" يعلنان الكشف المبكر عن تعاطى المخدرات    القولون العصبي وأورام القولون- 3 أعراض للتفريق بينهما    إقبال كثيف على شواطئ الإسكندرية مع ارتفاع الحرارة ورفع الرايات التحذيرية    تفسير رؤية الدجاج في المنام.. الدلالات النفسية    روسيا تعزز قاعدتها وتزيد عدد قواتها في القامشلي شمال شرقي سوريا    اللجنة الفنية في اتحاد الكرة تناقش الإعداد لكأس العرب    محمد إيهاب: نسعى لإخراج البطولة العربية للناشئين والناشئات لكرة السلة في أفضل صورة    فيبا تضع مباراتي مصر ضمن أبرز 10 مواجهات في مجموعات الأفروباسكت    الرئيس الفرنسي: على إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب فورا    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: قرار قضائي عاجل بشأن «ابنة مبارك».. وحبس المتهمين في واقعة ركل «فتاة الكورنيش»    وزير الزراعة و3 محافظين يفتتحون مؤتمرا علميا لاستعراض أحدث تقنيات المكافحة الحيوية للآفات.. استراتيجية لتطوير برامج المكافحة المتكاملة.. وتحفيز القطاع الخاص على الإستثمار في التقنيات الخضراء    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    وزير الري يؤكد أهمية أعمال صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    جريمة أخلاقية بطلها مدرس.. ماذا حدث في مدرسة الطالبية؟    سحب 950 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الأمم المتحدة: قتل إسرائيل للصحفيين "انتهاك خطير" للقانون الدولي    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركات الاجتماعية بين الحراك والعراك
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 03 - 2009

خلصنا فى مقالنا الماضى إلى أن الحالات الاحتجاجية التى شهدتها مصر فى السنوات الخمس الماضية لم تستطع أن تتطور وتنمو كى تبلغ ما يعرف من خلال خبرات المجتمعات الأخرى وما يطلق عليه فى العلم «الحركات الاجتماعية». أى إنها حالات احتجاجية وليست حركات اجتماعية بعد. ربما تتكرر هذه الحالات الاحتجاجية وتتنوع فى أشكالها وهو ما وصفناه ب«دورات الاحتجاج»مادامت الاختلالات فى المجتمع باقية. ولكن ولأنها لم تتبلور فى تكوينات سياسية ومدنية فى إطار المجال العام توقفت عند حد التحرك على تخوم المجال العام ومن ثم اقتصر أثر هذه الاحتجاجات على أصحابها على المستوى الفئوى والنوعى والمهنى من دون أن يكون له تأثير كبير يدعم التغيير بمعناه الواسع الذى يصب فى تقدم الجماعة الوطنية بما يعود بالفائدة على المواطنين ككل وليس على الجماعات الأولية أو الفئوية كل على حدة بالمنطق «الطوائفى».
ولكى يكون للحالات الاحتجاجية الراهنة أثرها الفعال لإحداث التغيير المرجو لابد من إعادة النظر فى الكيفية التى تتحرك بها. وفى الوقت نفسه مطلوب من السلطة قدر من الانفتاح السياسى العملى فالديمقراطية لا تعنى فقط حرية التعبير والكلام والكتابة وإنما الفعل فى إطار المجال العام السياسى والمدنى بالطرق السلمية والمشروعة وفق المبادئ المدنية المتعارف عليها.. وإلا فإن تكرار دورات الاحتجاج مع الانسداد السياسى سوف ينتج عنه العنف والذى يعنى ضمنا العنف المضاد.. وهو ما نشهده اليوم بدرجة أو أخرى...
وفى هذا السياق، فإن السؤال الذى يفرض نفسه، هل يصب ما نراه من شد وجذب فى دعم الحراك السياسى فى مصر.. واقع الحال أن هذا الشد والجذب يدور فى إطار «العراك» لم يتجاوزه بعد إلى «الحراك» الذى من شأنه تفعيل العملية السياسية.. وتعبير حراك هو تعبير علمى يستخدم فى أدبيات الحركات الاجتماعية الراهنة فى علاقتها بالمواطنة، كما سنشرح.. وأظن أيضا أن تعبير «عراك» يتسق تماما مع ما تشهده مصر من حالات احتجاجية.. كيف؟
من خلال خبرات كثير من المجتمعات الشبيهة بمجتمعاتنا (البرازيل، وجنوب إفريقيا..)، وجد المتابعون أن الحالات الاحتجاجية كلما وقعت فى فخ العراك سواء الداخلى والذى يؤدى إلى انقسامات فكرية وتنظيمية، أو الخارجى بتبنى لغة وأساليب لا ترقى لمستوى العمل السياسى ردا على استفزازات السلطة فى هذا المقام.. وعليه حرمت الحالات الاحتجاجية من الزخم المطلوب الذى يمكنها من التحول لتكون حركة اجتماعية تمثل إضافة نوعية للحراك السياسى.. إن أخطر ما يمكن أن تقع فيه الحالات الاحتجاجية هو العراك الذى فى الأغلب يكون حول ما هو آنى وضيق.. فالاستدراج الواعى أو غير الواعى للحالات الاحتجاجية لكى تنشغل بقضايا الحاضر الصغيرة fight in the present،من جهة، والاستجابة لهذا الاستدراج بسبب الانقسامات الداخلية أو غياب الرؤية الشاملة للتغيير من جهة أخرى، يباعد بينها وبين إمكانية أن تكون حركة اجتماعية فاعلة قادرة على صنع المستقبل من خلال تفعيل المواطنة وتعبئة المواطنين من أجل بناء المستقبل الأفضل Mobilize citizens for future..
وهذا هو بالتحديد الفرق بين «الحراك»و«العراك»، فالعراك يبقى الحالة الاحتجاجية على حالتها ويجعلها لا تدرك ما يطرأ على العالم من مستجدات ولا على الواقع المحلى من متغيرات.. فتتضاءل الطموحات ويقل السقف الاحتجاجى مع الوقت من دون إنجاز ما كانت تنشده الحركة الاحتجاجية... وتصبح الحالة الاحتجاجية رهينة الحاضر وربما مع الوقت يدفعها العراك للعودة إلى الماضى فتسكنه ويسكنها.. هذا على الرغم من أن كثيرا من المراقبين والباحثين فى مجال الحركات الاجتماعية يؤكدون الميزة التى أتاحتها كل من ثورتى الاتصالات والمعلومات فى أن تغذى الحركات الاجتماعية فى كل مكان بعضها البعض وأن تتبادل فيما بينها الخبرات، ليس على المستوى التقنى فقط وإنما على المستويين الرؤيوى والفكرى.. بالإضافة إلى ما تشير إليه كثير من الدراسات على نجاح «التهجين» بين أجندة الحركات الاجتماعية القديمة التى كانت تعنى بقضايا الصراع الطبقى وما يترتب عليها من ظلم وقهر اجتماعى، والنضال من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومواجهة استبداد الدولة.. وأجندة الحركات الاجتماعية الجديدة التى تتعلق بالدفاع عن مستويات معيشية مقبولة ومواجهة القيم الاجتماعية المحافظة التى تحول دون التقدم، وكشف أشكال الهيمنة الجديدة من تحالفات أصحاب المصالح والاتجاهات الدينية، والدفاع عن البيئة ليس من منطلق جمالى فقط ولكن من منطلقات عدة: فلسفية، وسياسية.. إلخ.. لقد أدى هذا التفاعل بين «الأجندتين» القديمة والجديدة للحركات الاجتماعية إلى أن تكتسب أهمية قصوى من خلال ما يلى:
تجديد حيوية العملية السياسية بالأفكار والتكوينات والكوادر الجديدة، تفعيل المجال العام: السياسى والمدنى باعتبارها المساحة الطبيعية التى تجمع كل المواطنين على اختلافهم وليست المجالات الخاصة الأولية (دينية أو عشائرية أو قبلية..) جعل الدولة فى حالة نشطة فلا تتخلى عن أى من أدوارها كما تجتهد فى الاستجابة لكل ما تتعرض له من تحديات، ترويض قوى السوق الشرسة من أجل مجتمع عادل، هذه الأهمية التى اكتسبتها الحركات الاجتماعية تحملها مسئولية كبيرة حيث إنها تناضل فى هذه الحالة نضالا تاريخيا من أجل التغيير وإتاحة فرص متساوية أمام المواطنين على أن يسيطروا على تاريخهم control of historicity بحسب أحد الباحثين وعليه لابد لهذه الحركات من أن تكون واعية بأن دورها أكبر بكثير من الاستغراق فى العراك، أو الاحتجاج الفئوى أو الجزئى الذى لا يتحقق معه أى تغيير..(وحول الوعى بالدور ربما يحتاج الأمر إلى حديث مفصل).
صفوة القول، فإن الاستغراق أو الاستدراج «الإرادى» أو «القسرى» للحركات الاحتجاجية فى «العراك»يحول دون إحداث أى «حراك» سياسى مطلوب لهذا الوطن.. وهو ما يصيب الناس باليأس من جدوى العمل السياسى وفاعلية العملية السياسية وبالتالى عدم الاستجابة للتعبئة السياسية إلا فى حدودها الدنيا:المطالبية والمعيشية والدينية.. وبالتالى صعوبة إحداث أى تغيير سواء على المستوى السياسى العام من خلال الانتخابات المتنوعة (لم تزد نسبة المشاركة السياسية فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اللتين أجريتا فى 2005 على 23%، ناهيك عن النسبة المتدنية جدا للمشاركة فى انتخابات الشورى والمحليات ).. أو على مستوى الاستجابة للحركات الاحتجاجية والتى باتت تعمل فى الأغلب بمعزل عن بعضها البعض كما تتحرك على أطراف المجال العام السياسى والمدنى..
وبالأخير لا يجد الإنسان (لا المواطن) نفسه إما بعيدا عن أى مشاركة أو منتظم فى «تكوينات أولية» خارج المجال العام متصورا أنها سوف تحقق التغيير.. ولكن يبقى الحال على ما هو عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.