الفوز بجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ أمر فاتن بالنسبة لى ومبهج وله دلالات كثيرة «رحلة واقعية إلى الخيال»، هكذا تم وصف رواية «قارئة القطار»، للكاتب والروائى إبراهيم فرغلى، الفائزة بجائزة نجيب محفوظ، والتى استخدم الخيال كتقنية أساسية فى بناء الرواية، حيث يرى الواقع كجسد لكائن سردى، يمثل بالنسبة إليه نواة النص، ويعتمد على إدماج الحلم والوهم لتطوير نظرته إلى الواقع. أبدى فرغلى احتفاء كبيرا بفوزه بجائزة نجيب محفوظ، وعبر عن الكيفية التى يحقق بها مزيجا متوازنا بين الفانتازيا والواقعية، كما كشف فى حوار له مع جريدة الشروق، عن أهمية الترميز فى إثراء النص، واستعانته بالعديد من القراءات التاريخية لبناء تفاصيل وأحداث ثرية فى «قارئة القطار» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، فقال: «الفوز بجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ أمر فاتن بالنسبة لى، ومبهج، وله دلالات أخرى كثيرة لأننى أنتمى لمدرسة تتأمل عمل الأب بافتتان وتقدير ومحاولات للفهم الفنى والمضمونى، ولكنها لا تقلده. أنا سعيد حقا بالفوز بهذه الجائزة». حققت مزيجا متوازنا بين الفانتازيا والواقعية فى الرواية، ما الذى استعنت به لتحقيق ذلك؟ فى بداية كتابة أى نص يتراءى لى ما لم يكتب بعد كمشهد لبحيرة أرى تحت سطح مياهها ما يبدو لى مجموعة من الأسماك لكنى لا أمتلك القدرة على التعرف على نوعها أو لونها بشكل دقيق. وربما أستخدم الخيال بحيث أتخيل سمكة سردين صغيرة وقد تحولت إلى حوت مسحور، وبينما تستمر الأسماك فى الحركة جيئة وذهابا، فقد أتبين أن ما توهمته صحيح وواقعى، أو قد أتأكد أنه مجرد وهم أو خداع بصر. وكذلك فى بعض الكوابيس، تأتى لحظة أدرك فيها أننى أحلم ولكنى لا أكون متأكدا من ذلك تماما، لكنى أستسلم لما يجرى فى الكابوس، وأبدأ فى الامتثال لقانون المفاجأة من دون أن أعرف طبيعة المفاجأة بالضبط حتى تحدث. أضرب المثالين لأحاول توضيح الطريقة التى أعمل بها فى أثناء الكتابة، والتى تحقق لى معادلة التوازن بين الفانتازيا والواقع، ولكن هذا المزج بين الواقع والفانتازيا فى أساسها كانت قرارا أسلوبيا بدأت به أولى رواياتى وشعرت بأننى يمكن أن أكتشف فيه دروبا جديدة مع كل رواية أو تجربة سردية. «الحلم، الوهم، الواقع، الهوية».. أفكار ومعانٍ عدة حفل بها النص، هل تقرر اللجوء إليها قبل الكتابة أما تأتى بشكل تفاعلى مع تطور النص؟ الحلم والوهم والواقع هى النتاج الطبيعى للطريقة الذهنية التى أفكر بها أثناء الكتابة، بالأحرى يأتى الواقع لدى كجسد لكائن سردى يمتلك أقداما لكنه لا يفضل أن يمشى على الأرض. هذا الجسد يمثل نواة النص ويمثل «الواقع» أيضا، ولكن له جناحين يساعدانه على التحليق بدلا من المشى، ووفقا لما يتعرض له خلال رحلته يستخدم الحلم أو الوهم؛ أيهما «أوقع» وأكثر مناسبة للنص وفق تطوره. أما مسألة الهوية فهى موضوع من بين الموضوعات التى أهتم بها فى بعض رواياتى. الإيقاع السريع فى السرد، يحتفى به عدد من القراء، فى حين يرى آخرون أنه يجب الاستغراق أكثر فى التفاصيل، لأى الجانبين تميل؟ أحب أن أتخفف مما يحبه أو لا يحبه القارئ. هذه شئونه الخاصة. وفى الحقيقة أنا أفضل أن يدير النص ظهره للقارئ الذى يدخل لقراءة نصوصى بتوقعاته الخاصة. والإيقاع فى الحقيقة يفرضه موضوع النص، وبيئته، وظروف كثيرة أخرى، لكنى بشكل عام أفضل تنويع إيقاع العمل الواحد، ولكنى عادة لو لاحظت أو قصدت سرعة الإيقاع فى بعض المواضع أستخدم وسائل لكبح السرد حتى لا يستسلم القارئ لغواية القفز على السطور. تثير الرواية الكثير من الشجون والأفكار لدى القارئ، هل مزيج الأحاسيس المعنوية والأفكار المتدفقة تزيد من جمالية الرواية؟ أعتقد أن الرواية وسيلة معرفة، والمعرفة كما أفهمها وسيلة تحقق متعة التفكير والتأمل، من جهة، وتغذية الفضول فى مراقبة تجارب البشر فى حياتهم. بشكل شخصى ومع تطور ذائقتى بدأت أشعر أن الرواية التى تحكى «حواديت» متواصلة لا تناسبنى، وأيضا حين أجد نفسى أقرأ نصا بشكل سريع أشعر بالارتياب فى «خفة» النص وأبدأ فى قراءته بارتياب حتى أتأكد إما من صدق حدسى أو من استخدام الكاتب لذلك لأجل تعميق فكرة أو مشاعر محددة. شعرنا بأن القطار هو الحياة، وعرباته هى مساراتنا المختلفة.. فى رأيك أهمية الترميز فى إثراء النص؟ ربما يكون ذلك أحد التأويلات الملائمة لرمزية النص، وقد يكون لقراء آخرين تأويلات أخرى، لكن ما يمكننى قوله إن الحياة مركبة بشكل بالغ التعقيد، والنفس البشرية أيضا. والشخص نفسه لا يمكنه أن يفهم ذاته إذا لم يدرك التغيرات التى تحدث لشخصيته فى مراحل العمر المختلفة. وليس بالضرورة أن تتناول الرواية تغيرات الشخصية بل يمكن أن تكشف هشاشة الحواس التى نستقبل بها الحياة ونتفاعل بها معها، ثم ندرك لاحقا أننا «توهمنا» أو «لم ندرك» أو «لم نفهم» أو نستوعب.