الغدة الدرقية إحدى الغدد الصماء التى تصب إفرازها فى الدم مباشرة بلا قنوات تساعدها على ذلك. تشبه فى تكوينها التشريحى شكل الفراشة إذ تتكون من فصين متماثلين كجناحين فى مقدمة العنق فيمكن رؤيتها عند البلع كفراشة تستعد للطيران خاصة إذا ما ألم بها تضخم نتيجة فرط نشاطها. تتحكم الغدة الدرقية على ضآلة حجمها «لا تتعدى العشرين جراما» فى نشاط الجسم كله فما تفرزه من هرمون يدور فى الدم إلى جميع الأنسجة والخلايا محرضا إياها على حرق الغذاء وإنتاج الطاقة اللازمة لحركة الجسم النشطة والحفاظ على حرارته. كما أن لها دورا فاعلا فى النمو العقلى والجسدى للإنسان إلى جانب دورها المهم فى الحفاظ على إيقاع القلب الأمر الذى يضمن قدرا كافيا من الدم لأعضاء الجسم المهمة مع كل دقة من دقاته. تعمل الغدة الدرقية بنظام بديع يبدو أثره فى أقل القليل من كسلها أو نشاطها. فهى تبدأ عملها باقتناص ذرات معدن اليود من الدم لتصنع منها هرمونين كالعملة الواحدة ذات الوجهين، ثلاثى أيودو ثيروتين T3 ورباعى أيودو ثيروتين T4 أو «الثيروكسين» وهما كما يبدوان من الاسم هرمونان لهما نفس التركيب أحدهما يحوى ثلاث ذرات يود وآخر يحوى أربعا. وهما يعملان بصورة فيها الكثير من التوافق والتلازم. فبعد إنتاجها يتم ربطها ببروتين الدم «الجلوبين» ليصبحا جاهزين لأداء مهام دقيقة خاصة بهما فى تفاصيل دورة حياة الإنسان ويتم تخزينها لوقت الحاجة إذ يحتفظ الدم بنسبة ضئيلة فعالة منهما تقوم بكل العمل. الهرمون الثلاثى هو الفعال بينما يظل الرباعى فى صورة خاملة لكنها قابلة للتحول بسرعة مدهشة إلى الشكل الثلاثى وقت الحاجة لها. هرمونات الغدة الدرقية ليست ضرورية فقط لتوفير الطاقة اللازمة لأجهزة الجسم كلها لكنها أيضا أساسية لاكتمال نضوج المخ وقدراته الذهنية فبدونها يتوقف النضج الجسدى والعقلى لأنها لازمة للإسهام فى تكوين البروتينات اللازمة لنمو الأنسجة واكتمال بلوغها. نقص هرمونات الغدة الدرقية قد يؤدى للتخلف العقلى وغيابها ينتج عنه العديد من مشكلات النمو والتقزم لدى الأطفال. كسل الغدة الدرقية أو فرط نشاطها أو إصابة أنسجتها بما يسبب التهابها أو ما قد ينشأ عنه أورام كلها مسببات لأعراض تختلف وتتباين إلى حد التناقض نظرا للآثار العديدة التى يحدثها فعل الهرمون الذى تفرزه. لذا فتشخيص وعلاج أمراض الغدة الدرقية من أكثر الأمور تعقيدا وتشابكا مما يحتاج الكثير من جهد الطبيب المعالج وصبر المريض. فرط نشاط الغدة الدرقية زيادة نشاط الغدة الدرقية قد يحدث إما لإصابتها بالأورام أو الإصابة بمرض جرنيز أو نتيجة التهابها. أورام الغدة الدرقية إما حميدة محدودة الخطر يمكن إزالتها جراحيا أو سرطانية تتبع فى تطورها التغيرات العشوائية التى تتميز بها النموات السرطانية مما يشكل خطورة بالغة غير محسوبة العواقب. التهاب أنسجة الغدة الدرقية قد يحدث فى أشكال متعددة أهمها مرض هاشيموتو الذى وصفه الطبيب اليابانى هاشيموتو وسمى باسمه عام 1912 ويصيب النساء فى منتصف العمر عادة بصورة أكبر من الرجال. وصفه الطبيب لكن سببه ظل إلى الآن مجهولا وإن كانت تنم عنه أعراض فرط نشاط الغدة. مرض جرنيز: يعزوه العلم لأحد تفاعلات المناعية الذاتية والتى يخطئ فيها جهاز الجسم المناعى فى تقديره فيهاجم الغدة الدرقية فترد عليه بسيل من إفرازاتها يخل بتوازن الإنسان الداخلى ويتسبب فى الشكل المميز لجحوظ العين والانزعاج الشديد من الأضواء وألم مقلة العين. حينما يزيد إنتاج الغدة الدرقية من هرمون الثيروكسين تزداد معدلات الهدم فى جسم الإنسان وتتتابع الأعراض فى شكل شلال متلاحق: انخفاض الوزن رغم ازدياد الشهية للطعام. تسارع دقات القلب وخلل فى النبضات. ارتفاع حرارة الجسم. ارتفاع ضغط الدم. اضطراب عمل المعدة والأمعاء. تقلب المزاج والعواطف والإحساس بالغضب. اضطرابات فى النوم. رعشة فى اليدين تبدو مستمرة. جحوظ العينين والخوف من مواجهة الضوء الساطع كما فى مرض جرنيز. علاج فرط نشاط الغدة الدرقية أمر يجب أن يبدأ بحسم بعد تشخيص دقيق يعتمد على الأعراض التى قد لا تخطئها عين رغم تفاوت حدتها وعدم ارتباطها ظاهريا. تدهور حالة المريض قد يحدث فى وقت قصير خاصة فى السيدات لذا يجب البدء بقياس مستوى هرمونات الغدة الدرقية فى الدم لتحديد مدى ارتفاعها. قد يعقب ذلك إجراء فحوص مكملة للقلب لتحديد ما إذا كان قد أصابه شىء من جراء هذا النشاط غير المحمود. يختلف العلاج وفقا لعوامل كثيرة منها عمر المريض ومدى تأثره وحجم الغدة الدرقية. عادة ما يبدأ العلاج الدوائى إلى أن تستقر الأمور فيمكن اتخاذ القرار بالتدخل الجراحى أو العلاج باليود المشع. من أشهر حالات فرط نشاط الغدة الدرقية التى عولجت باليود المشع سيدة الغناء العربى التى أحجم الأطباء الأمريكيون عن التدخل فى حالتها جراحيا خوفا من أن يمس المشرط أحبالها الصوتية بسوء وهو المجاور تشريحيا للغدة الدرقية. كسل الغدة الدرقية قد يبدو أحيانا قليل الأعراض لكن مرض المرأة عموما خاصة من تجاوزن الخمسين فتبلغ الإصابة به حدا أكثر من خمسة أضعاف إصابة الرجل. ولا يعفى من كسل الغدة الدرقية أحد فإصابة الأطفال به تؤثر على درجة نموهم العقلى والجسدى. تتفاوت أعراض نقص نشاط الغدة الدرقية بين الزيادة غير المبررة فى الوزن وترهل الجسد والعضلات، فتور الهمة، والإحساس بالخمود النفسى وربما الاكتئاب، بطء فى ضربات القلب والميل للنوم فى غير أوقاته المعتادة. علاج كسل الغدة الدرقية يتم بتعويض النقص بهرمون الثيروكسين بجرعات محسوبة تتناسب ومدى نقصه فى جرعات دائمة مدى الحياة.