أعلنت الحكومة مرارا عزمها تحرير أسعار الأسمدة فى مصر، وحددت شهر مارس لهذا التحرير. وتنتج مصر الأسمدة النيتروجينية والتى يندرج تحتها سماد اليوريا ونترات النشادر وسلفات النشادر والأسمدة الآزوتية علاوة على إنتاجها للأسمدة الفوسفاتية. يحصل المزارعون على الأسمدة الأساسية من اليوريا والنترات، بسعر مدعوم، وهو ما يجعل أسعارها فى السوق المحلية أقل منها فى العالمى. ويمثل هذا الدعم عبئا على المصانع المحلية خاصة فى ظل تقييد الحكومة لتصدير الأسمدة على المصانع المنتجة لهذه الأصناف باستثناء المصانع الواقعة فى المناطق الحرة. وأعلنت وزارة الزراعة فى نهاية فبراير الماضى رفعها لأسعار النترات بنحو 200 جنيه للطن لتصل إلى 1400 جنيه. بينما استقر سعر طن اسمدة اليوريا عند 1450 جنيها فى خطوة رآها البعض دليلا على احتمالات التحرير. ويوضح أحمد منسى، أمين الفلاحين فى الحزب الوطنى، أن هذا التحريك للأسعار لا يعد تحريرا بل خطوة تهدف إلى تحجيم السواق السوداء للأسمدة التى تنتعش فى أوقات ارتفاع الفارق بين السعر العالمى للسماد وسعره المدعم فى السوق المحلية. فيما يرى محمد الخشن، نائب رئيس الشعبة العامة للأسمدة بالاتحاد العام للغرف التجارية، أنه كان ضروريا رفع أسعار أسمدة النترات لأنه تم خفضها خلال 2009 بسبب انخفاض الأسعار العالمية وعاد وزير الزراعة ورفعها مرة ثانية فى فبراير مع ارتفاع الأسعار العالمية. الفلاح المتضرر الأكبر يتوقع العديد من المراقبين أن يتسبب تحرك الدولة بتحرير أسعار الأسمدة فى ضرر كبير على الفلاح. «رفع أسعار الأسمدة عن المستويات الحالية يمثل ضررا كبيرا للفلاح، حيث إن الأسمدة تمثل ما بين 20% إلى 25% من تكاليف الإنتاج وتزداد فى محاصيل الخضر لتصل إلى 30%» بحسب جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة. ويرى صيام أن الإنتاج محصور فى عدد قليل من المصانع مما يهدد بوجود ممارسات احتكارية إذا ما تم تحرير الأسعار، مشيرا إلى أن أسعار الأسمدة تتأثر بشكل واضح إذا ما قام مصنع من المصانع الكبرى بعمل عمرة للخطوط مما يعطل عملياتها الإنتاجية. ويبلغ عدد المصانع العاملة فى مصر فى قطاع الأسمدة حاليا 17 شركة تمثل قاعدة صناعة الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية والمركبة باستثمارات تتجاوز 50 مليار جنيه. وعبرت لجنة الزراعة بالمجلس عن هذه التخوفات بإعلانها مؤخرا رفضها ومعارضتها الشديدة لذلك الاتجاه لتحرير أسعار الأسمدة «حتى لا يحدث ما حدث للأسمنت بظهور المحتكرين والإضرار بمصالح المزارعين» حسبما نقلته الصحف عن اللجنة. ولا يتوقع البعض أن تقوم الحكومة بتحرير أسعار الأسمدة لتصل الى مستويات الأسعار العالمية، حيث يتوقع منسى أن تستقر مستويات اسعار اسمدة اليوريا والنترات على المعدلات الحالية فى الفترة القادمة، وهى المستويات التى لا تزال أقل من مستويات الأسعار العالمية، بحسب قوله، حيث إنه وفقا للأسعار الحالية فى السوق العالمية يصل سعر طن النترات إلى 1650 جنيها للطن وطن اليوريا إلى 1850 جنيها للطن. ولا يتوقع بعض منتجى الأسمدة أيضا أن تقوم الدولة بتحرير الأسعار لتصل الى المستويات العالمية حيث إن هذا النوع من التحرير سيؤدى لرفع أسعار الأسمدة إلى مستويات تفوق قدرة الفلاح، «وهو ما لن تستطيع الحكومة تفعيله بسبب الحساسية السياسية لما يمس أوضاع الفلاحين» كما أضاف الخشن. من ناحية أخرى يحاول وزير الزراعة أن يطمئن الرأى العام بأنه فى حالة ارتفاع أسعار الأسمدة عالميا عن الأسعار المحلية، فإن الدولة ستتدخل مرة أخرى لدعم الأسمدة قبل تسليمها للفلاح. ويؤكد وزير الزراعة والمؤيدون لفكرة تحرير أسعار الأسمدة دوما على أن تحرير أسعار الأسمدة ومعالجة التشوهات السعرية الحالية بتقريبها من الأسعار العالمية سيساعد من ناحية على منع الاتجار فيها بالسوق السوداء ومن ناحية أخرى على الحد من خسائر المصانع. ويرى جمال صيام أنه من الضرورى إذا ما تم تحرير أسعار الأسمدة تقديم دعم نقدى مقابل لذلك لإعانة الفلاح، مشيرا إلى أن الحكومة اختارت عام 2010 لتحرير الأسعار وهو عام يتسم بهدوء الأسعار العالمية تأثرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية إلا إنه مع تعافى الاقتصاد العالمى ستعود أسعار الأسمدة للارتفاع إلى مستويات أكبر مما سيلقى بعبء كبير على كاهل الفلاح. وبالإضافة إلى إنتاج الاسمدة تسيطر الدولة كذلك على توزيعها، وتسعى الحكومة فى الوقت الحالى إلى السماح للقطاع الخاص بالاشتراك فى توزيع 30% من الأسمدة الآزوتية حسبما قاله الخشن، وهو التحرير الذى يصفه بأنه تحرير جزئى لتوزيع الأسمدة. الهدف الأساسى من هذا التحرير بحسب الخشن هو مد شبكة توزيع الأسمدة إلى المناطق التى لا تتوافر فيها منافذ للتوزيع والتى تشكل نحو 40% من مساحة الأراضى الزراعية خاصة فى أراضى الاستصلاح الزراعى كتوشكى وشرق العوينات، حيث تتركز الجمعيات التعاونية فى القرى القديمة بينما تصل الأسمدة إلى الأراضى التى لا توجد فيها هذه الجمعيات عن طريق التجار الصغار بصفة غير رسمية ويستغل هؤلاء التجار هذا الوضع ويبالغون فى أسعار الأسمدة.