نحن الآن أمام اكتشاف عظيم، الفضل الأول فيه يعود إلى حفنة رجال محظوظين ربحوا فى 7 شهور فقط أكثر من 10 مليارات جنيه من دم وعرق الفلاحين والمزارعين. هؤلاء الرجال هم صناع الأسمدة الذين انتهزوا فرصة ارتفاع أسعار الأسمدة عالمياً فى بداية شهر مارس الماضى، فمارسوا أبشع أساليب الغش والخداع، ورفعوا أسعار منتجاتهم بنسب تراوحت بين 115٪ و300٪. وقبل شهر واحد انهارت أسعار الأسمدة عالمياً، وفقدت أكثر من نصف أسعارها خلال أيام، فلم يسمح صناع الأسمدة فى مصر بتخفيض أسعار منتجاتهم إلا بنسب ضئيلة تراوحت بين 5 و20٪ فقط. أما الاكتشاف العظيم الذى يروجون له الآن ويتنباه ويدافع عنه باستماتة الدكتور نظيف وعدد من وزرائه، فهو «أننا فى مصر أمام فرصة تاريخية لن تتكرر للبدء فوراً فى تحرير سوق الأسمدة، وإتاحة الفرصة للعرض والطلب فى هذه السلعة الحيوية التى تستنزف أكثر من مليار جنيه سنوياًكدعم مباشر من الحكومة للفلاحين»!! والحكاية من أولها لآخرها تنطوى على جريمة خداع منظمة.. اشتركت فى اقترافها عدة جهات، استغلت عدم وجود ممثلين حقيقيين للفلاحين والمزارعين فى مجلسى الشورى والشعب، وعدم وجود محررين متخصصين فى الصحف، وعدم وجود نقابة للفلاحين.. وأغرقت وسائل الإعلام بأكاذيب مفضوحة وأرقام مغلوطة.. وخلف هذا الساتر الكثيف من دخان الغياب والجهل، انقض مجموعة أشخاص أقوياء على الفلاحين وهبشوا من دمائهم أكثر من 10 مليارات جنيه فى سبعة شهور فقط! والذى حدث أن ارتفاع أسعار الأسمدة عالمياً، لا ينطوى على أى مبرر لزيادة أسعارها فى مصر، لسبب شديد البساطة هو أن كل مدخلات هذه الصناعة فى مصر من خامات محلية أصلاً تحصل عليها شركات القطاع الخاص من الحكومة بأسعار متدنية جدا على رأسها الغاز فى الأسمدة الآزوتية ومنتجات المحاجر المصرية فى الأسمدة الفوسفاتية كما أن أجور العمال فى هذه المصانع لم تشهد أى زيادات. وإليكم هذه الأمثلة: قبل مارس 2008 كان سعر طن حمض الفوسفوريك 2000 جنيه، ارتفع حتى 30/9 الماضى إلى 6500 جنيه. وكان سعر طن نترات الكالسيوم 880 جنيهاً، وارتفع إلى 2400 جنيه، وكان سعر حمض النيتريك 800 جنيه، ارتفع إلى 2200 جنيه، وكلها أصناف محلية تماما، يحتكر إنتاجها مصنع واحد كان قبل 4 سنوات «قطاع أعمال» واشتراه شخص محظوظ. الأهم من ذلك، أن وزارة الاستثمار قامت بغلق شركة السويس للأسمدة التى كانت تنتج سلفات النشادر، بحجة أن الشركة فى حاجة إلى 3 ملايين دولار لصيانة معداتها، وبذلك قدمت خدمة تاريخية لشركات المناطق الحرة التى ربحت المليارات من تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية وتركت مزارعى الأراضى الجديدة فى الصحراء يواجهون مخاطر تصحر أراضيهم وانهيار إنتاجيتها بسبب اختفاء سلفات النشادر من مصر! حتى الأسمدة الأزوتية التى تقول الحكومة إنها تدعمها ارتفعت أسعارها من 704 جنيهات إلى 1500 جنيه للطن، وكشف رئيس مجلس إدارة شركة أبوقير للأسمدة فى حوار مع الأهرام أن شركته ربحت 960 مليون جنيه فى السنة المالية الأخيرة، وأن معظم الأرباح تحققت بعد زيادة الأسعار بنسبة 115٪ فأين هو الدعم الذى تتنطع به الحكومة! إن تحرير قطاع الأسمدة قد يؤدى إلى انخفاض أسعارها فى مصر لو قامت الحكومة باستيرادها من الخارج وإتاحتها للمزارعين بهامش ربح ضئيل، أما أن يتحقق لهذه العصابة مخططها الإجرامى بأن يكونوا هم الصناع والمصدرين والمستوردين والموزعين.. فسوف نمكنهم من هبش 10 مليارات جنيه أخرى من دماء المزارعين والمستهلكين.