أحب كتابة الرواية وأجرب دائما فى القصة القصيرة عالم القصة يتراجع أحيانا بسبب كتّاب القصة أنفسهم نصوصه أقرب إلى أرض متسعة من التجارب والذكريات، التى يصبغ عليها لمحات سحرية ضمن عوالم أسطورية، الكاتب والروائى عمرو العادلى، الذى ينتصر دوما إلى مساحات التجريب فى القصة القصيرة، فينتج لنا إبداعات تعرف منصات التتويج على الدوام، وفى أحدث مجموعاته القصصية «الهروب خارج الرأس» الفائزة بجائزة الطيب صالح 2021، تتجلى قدرات وإمكانات العادلى الأدبية. هاجس واضح يطغى على كتابات العادلى بمزج الواقع بالمتخيل، فيضفى حالة تشويقية على النصوص، التى تتسارع وتحتفظ بإيقاعها حيويا فتكون لها القدرة على جذب انتباه القارئ وتوريطه مبكرا وإبقائه منغمسا فى عوالم تشكلها أبطالا يصيغهم العادلى ويرسمهم بعناية، وذلك وسط الأولوية القصوى التى يمنحها للأسلوب، حيث يعتبر أن عديد الأفكار جرى طرحها ومناقشتها، وإنما يبقى للأسلوب قوة يستطيع من خلالها منح رونق خاص للعمل الأدبى. تحاور الشروق الكاتب عمرو العادلى، وتركز الحديث عن المجموعة القصصية «الهروب خارج الرأس»، الصادرة عن دار الشروق، والتى جاء فى حيثيات فوزها بجائزة الطيب صالح: «هذه المجموعة تؤشر لأمر فى غاية الأهمية، وهو أنها إنجاز قصصى جاء فى وقت تراجعت فيه الأجناس الأدبية الأخرى أمام الرواية، مخزون من حكايات وعوالم وبيئات مختلفة، أثبتت قدرة الكاتب على ابتكار عوالم قصصية تتراوح بين الواقع والأسطورة، وقد أثبت تنوع القصص ثراء كبيرا لدى الكاتب فى امتلاك أدوات القصة القصيرة بمهارة لافتة، لا يستطيع قارئها إلا أن يندمج معها ويعيش فى عوالمها أو يسرح فى آفاقها المُحلقة». لن يكون مستغربا غزارة إنتاج عمرو العادلى، وهو روائى وقاص مصرى، حاصل على ماجستير فى علم اجتماع الأدب من جامعة عين شمس. له ست مجموعات قصصية، منها: «حكاية يوسف إدريس»، و«عالم فرانشى»، كما صدر له تسع روايات، منها: «السيدة الزجاجية»، «الزيارة»، «اسمى فاطمة»، و«رجال غسان كنفانى»، ورواية واحدة للأطفال «المصباح والزجاجة». نالَ عدة جوائز، منها: جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب، وجائزة ساويرس لكبار الأدباء، وجائزة اتحاد كُتاب مصر، وجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابى، كما ترشحت أعماله مرتين للقائمة الطويلة بجائزة الشيخ زايد. ابتكرت عوالم قصصية تتراوح بين الواقع والأسطورة فى تلك المجموعة، كيف يمكنك القيام بذلك دون أن يشعر القارئ بأى خلل؟ القصة القصيرة لمحة أقرب إلى السحر، والاتكاء على العوالم الأسطورية يخلق لها جوا أقرب لمتاهات الأحلام، ولأن بنيتها أسرع فلابد لها من تكثيف، هذا الأمر ضرورى للغاية حتى تؤدى الغرض المطلوب منها فى أقل عدد من الكلمات، وأرى أنها ابنة القصيدة بشكل ما، ولها التزام فى الوصول إلى المعنى من أقصر الطرق. جاء فى حيثيات فوز مجموعتك القصصية «الهروب خارج الرأس»، أنها إنجاز قصصى جاء فى وقت تراجعت فيه الأجناس الأدبية الأخرى أمام الرواية.. كيف ترى هذا الأمر، وما سبل علاجه؟ الرواية هى الجنس الأدبى الأكثر شهرة فى العالم وليس فقط فى العالم العربى، والعلاج لا يكون من تحدى القصة القصيرة لها، لأنهما ليسا ضدين، لكن العلاج يبدأ من الاهتمام بالقصة القصيرة ذاتها، فلها مقومات وعوالم، وليست من بقايا الروايات، عالم القصة يتراجع أحيانا بسبب كتاب القصة أنفسهم أكثر من أى شىء آخر، وعلاجها يبدأ من عندهم. لمس الجميع امتلاكك لأدوات التمكن من القصة القصيرة بمهارة واضحة، ما الذى ساعدك على ذلك؟ أنا أحاول الامتلاك ولا أمتلك بالفعل، فقد قرأت تراث القصة القصيرة العالمية والعربية، قرأت تشيكوف وكيبلنج، كما قرأت يوسف إدريس وغسان كنفانى ومحمد حافظ رجب ويحيى الطاهر عبدالله، ولكن قبل كل هؤلاء تعلمت الكثير من يحيى حقى، أتصور أن كل هؤلاء لهم فضل كبير علىَّ، وأن كل كاتب منهم كانت له يد على كتفى أثناء الكتابة. ما اللون الأدبى الذى تشعر بأنك تميل إليه وتفضله، هل هو إجمالا الرواية أم القصة القصيرة؟ فى هذا الصدد، يمكننى أن أؤكد على أن كل نوع كتابة يحدده الموضوع الذى أتناوله، أحب كتابة الرواية وأجرب دائما فى القصة القصيرة، أنا أميل بنسبة ضئيلة للقصة القصيرة، ربما بسبب تجاهلها، فالرواية تشق طريقها بنفسها غالبا جاء غلاف المجموعة مميزا للغاية، إلى أى قدر تعتنى بأن تكون أغلفة أعمالك معبرة عن العمل؟ لا أحب التدخل فى عمل غيرى، فالتصحيح والتنسيق والغلاف والتسويق مؤكد هناك من يفهمون فى هذه الأشياء أفضل منى، لكننى بالطبع أنبهر بالغلاف عندما يخرج فى شكل احترافى جميل، وهذا الغلاف من الأغلفة المميزة، وهانى صالح مصمم أغلفة مختلف ومميز. كيف تحافظ على قارئك مندمجا فى تفاصيل وثنايا العمل، هل يساعد على ذلك تكثيف التفاصيل أم الإيقاع المتسارع أم ماذا من وجهك نظرك؟ الأسلوب من وجهة نظرى هو كل شىء، فلا موضوعات جديدة تماما، الأفكار كلها تقريبا تمت معالجتها من قبل، أن يملأ الكاتب يده من الفكرة أولا، أن يغوص فى أزمات شخصياته ومشكلاتهم الوجودية، كل ذلك يساعد القارئ على أن يظل فى حالة تمسك بالعمل حتى النهاية. على مستوى اللغة، شكلت أحد أهم أسباب نجاح المجموعة القصصية، هل تفكر مسبقا فى نمط لغوى معين، أم أن العمل وأحداثه تفرض نفسها من حيث طابع اللغة؟ فى تقديرى أنه كلما نضج الكاتب تتطور لغته، هذا لا شك فيه، لا يوجد نمط لغوى معين يلتزم به الكاتب، إذ إن مهمته الأساسية هى كسر الأنماط لا الالتزام بها، هذه مهمة رئيسية بالنسبة للكاتب إلى حد بعيد، وهذا هو الذى يجدد اللغة ويجعل القارئ فى حالة تحفز وانتباه طوال فترة القراءة. وما رأيك فى صيغة الكتابة بالعامية، والتى يفضلها الكثير ويمزجون بينها وبين الفصحى بشكل واضح؟ على المستوى الشخصى كتبت بها فى مراحل سابقة، أما الآن فلا أفضلها، أشعر أنها لا تحمل الأفكار الكبيرة كما الحال فى الفصحى. جاءت عناوين القصص لتشكل إضافة لقيمة العمل، كيف تحرص على اختيار العناوين بمجموعاتك القصصية؟ أرى أن العنوان فى القصة مثل العنوان فى كل شىء آخر، من التفاصيل المهمة، وهناك بعض العناوين التى تغيرت أكثر من مرة، وتحرى الدقة والإدهاش فى العنوان يجعل العمل حيا بين يدى القارئ. لماذا وقع اختيارك النهائى على عنوان «الهروب خارج الرأس»؟ وهل كان هناك عناوين أخرى مقترحة فى هذا الإطار؟ كانت فى البداية اسمها «محاولة قتل ريجان» لكننى وجدت أن الهروب خارج الرأس معبر أكثر عن روح المجموعة بالكامل. ما الوقت الذى تستغرقه لكتابة إحدى القصص القصيرة؟ لا يحسب الأمر هكذا، فيمكن أن أكتب بداية قصة ثم أكملها بعد ثلاث سنوات، وهذا حدث فى قصة «بونا» وهناك قصص مثل الهروب خارج الرأس هى قصة طويلة نسبيا، فيستغرق الوقت الذى تحتاجه لكتابتها مدة أطول يمكن أن تصل إلى شهرين، وهناك قصص تستغرق أسبوعا فقط.