"قومي المرأة" يختتم التدريب التفاعلي الثالث بمشاركة 17 قاضية من مجلس الدولة    غدًا.. بدء صرف معاش تكافل وكرامة شهر مايو 2025 بالزيادة الجديدة (احسب قبضك)    لامبورجيني أوروس.. سيارة بدروع وزجاج مضادًا للرصاص وإطارات مقاومة للثقب    أول تعليق من ترامب بعد انتهاء اليوم الأول من زيارته للخليج    جدول ترتيب الدوري المصري بعد فوز بيراميدز على الزمالك    أحمد موسى ساخرًا من هدف بيراميدز في عواد: لو أنا كنت صديتها    «البداية بالرياضيات».. تعرف على جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي 2025 بمحافظة دمياط    "فتحي عبد الوهاب يكشف كواليس 'قلم حمادة كشري' لريهام عبد الغفور: كنت مرعوب من المشهد.. والعنف مش في طبعي"    الشباب والرياضة ببنى سويف تحتفل باليوم العالمى للصحافة    وزير العمل يكشف عن آخر تطورات سفر العمال الزراعيين لليونان    اجتماع لمجلس النقابة العامة للمحامين والنقباء الفرعيين غدًا    مسلسل آسر الحلقة 32، وفاة فيصل واتفاق ثلاثي بين راغب وغازي وعزت للنصب على آسر    وربيرج: نسعى لنكون شريكًا أساسيًا وندرك حرية دول المنطقة    من بين 80 غزوة.. علي جمعة يكشف عدد الغزوات التي شارك فيها النبي؟    هل تعليق الصور في البيوت يمنع دخول الملائكة؟.. أمين الفتوى يحسم    هل تأثم الزوجة إذا قررت منع الإنجاب؟.. أمين الفتوى يجيب    قرار بتعديل تكليف خريجي دفعة 2023 بالمعهد الفني الصحي بقنا إلى المستشفيات الجامعية    احذر- علامات تدل على نقص فيتامين ه بجسمك    وزير التعليم يستقبل الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للسكان لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك    محافظ جنوب سيناء خلال لقاؤه «الجبهة»: المواطن السيناوي في قلب الأولويات    وكيل الصحة بالمنوفية يتفقد القومسيون الطبي لبحث تطوير الخدمات    كان بيجمع بطاطس.. غرق شاب أثناء عمله بالمنوفية    د. أسامة السعيد يكتب: ساعات فى رحاب المجد    التقنية الحيوية ومستقبل مصر.. رؤية من جامعة القاهرة الأهلية    وزير خارجية سوريا: رفع ترامب العقوبات عن بلادنا نقطة تحول محورية    محافظ الدقهلية: 1457 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية الخليج مركز المنصورة    الصحة العالمية تحذر من عجز أعداد الممرضين في إقليم شرق المتوسط    وكيل وزارة الصحة يعقد اجتماعًا مع لجنة المعايشة بمستشفى سفاجا المركزي    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    الجمهور المصري ينفق 168.6 مليون جنيه لمشاهدة فيلم سينما في 41 يوم (تفاصيل)    إلهام شاهين تشارك جمهورها صورًا من على شاطئ البحر في لبنان    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    "فخور بك".. كريستيانو يحتفل بأول ظهور لنجله مع منتخب البرتغال (صور)    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    انطلاق مسيرة دعم وتمكين فتيات «ريحانة» بمركز شباب أبنوب بأسيوط    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    بالصور- مصادرة مكبرات صوت الباعة الجائلين في بورسعيد    مصدر ليلا كورة: لا توجد أزمة في خروج حسام عبد المجيد لأداء امتحان ثم عودته    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    كشف ملابسات فيديو يتضمن تعدى شخصين على سيدة بالضرب في الدقهلية    هل يجوز ذبح الأضحية الحامل؟.. "لجنة الفتوى" توضح الحكم الشرعي    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    د.أحمد ماهر أبورحيل يكتب: تكافل وكرامة انتقل بالحكومة من الأقوال إلى الأفعال    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    كييف تعلن إسقاط 10 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    الملالي لاعب أنجيه الفرنسي معروض على الزمالك.. وطلباته المالية تتخطى مليون دولار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية أرجنتيني ومصري من أجل السلام في العالم
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 12 - 2022

هى قصة رجلين من عالمين ودينين مختلفين يعملان معا بلا كلل لمواجهة خطابات الكراهية والعنصرية، ومن أجل عالم تسوده قيم المساواة والعدالة والحرية. الأول اسمه جورج، ولد فى العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس فى 17 ديسمبر 1936، والثانى أحمد، الذى ولد فى صعيد مصر فى السادس من يناير 1946.
ولد جورج، أو خورخى طبقا للغة الإسبانية، لأب مهاجر إيطالى يعمل فى السكك الحديدية، وأم اختارت أن تتفرغ لتربية أولادها الخمسة. تخرّج تقنيا كيميائيا لكنه اختار حياة الكنيسة، فالتحق بالرهبنة اليسوعية فى العام 1958. درس العلوم الإنسانية فى جامعة سانتياجو فى تشيلى، ثم عاد إلى الأرجنتين ليكمل دراسة الفلسفة. اختير كاهنا فى العام 1969، وعُيّن فى العام 1992 أسقفا مساعدا لبوينس آيرس، وبعد ذلك بستّ سنوات اختير لمنصب رئيس أساقفة. أما أحمد فقد ولد لأسرة صوفية زاهدة فى الأقصر، وانخرط فى التعليم الأزهرى فى معهد إسنا الدينى، وبعده فى معهد قنا الدينى، ثم سافر إلى القاهرة حيث التحق بكلية أصول الدين فى جامعة الأزهر، وحصل على شهادة الليسانس فى العقيدة والفلسفة فى العام 1969، وشهادة الماجستير فى العام 1971، ودرجة الدكتوراه فى العام 1977. سافر بعد ذلك إلى فرنسا لدراسة مناهج العلوم وطرق البحث. وتدرّج فى المناصب داخل الأزهر إلى أن اختير مفتيا للديار المصرية فى العام 2002، ليتولّى بعد ذلك بعام رئاسة جامعة الأزهر.
وصل كلٌّ من الرجلين إلى قيادة المؤسسة الدينية التى انخرط فيها. فقد اختير جورج فى مارس 2013 بابا للكنيسة الكاثوليكية، ليكون بذلك أول بابا من أمريكا اللاتينية، وأول يسوعى فى الوقت نفسه يصل إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية تحت اسم البابا فرنسيس. أما الشيخ أحمد الطيب، فكان اختير قبل ذلك بثلاث سنوات ليكون الإمام الأكبر للأزهر الشريف.
• • •
عندما وصل البابا فرنسيس إلى قيادة الكنيسة الكاثوليكية كانت العلاقة بين الأزهر والفاتيكان متوقّفة بسبب تصريحات للبابا السابق حول اضطهاد المسيحيين والمسيحيات فى الشرق الأوسط. رأى البابا فرنسيس فى الحوار مع الإسلام خطوة ضرورية فى ظل لحظة تاريخية صعبة آنذاك. فقد شهدت تلك الأعوام صعود تنظيم داعش وإقامته لدولته فى العراق وسوريا، كما عرفت تلك الفترة توافد اللاجئين واللاجئات إلى أوروبا، وما صاحب ذلك من خطاب لليمين المتشدد يرفض فيه استقبالهم. فسعى فرنسيس إلى استئناف الحوار مع الأزهر فى محاولة لتغيير تلك الصورة القاتمة. وبالفعل، عاد الحوار بين المؤسستين الدينيتين. زار أحمد الطيب الفاتيكان فى مايو 2016، وكانت الزيارة الأولى التى يقوم بها شيخ للأزهر للفاتيكان، ثم زار فرنسيس القاهرة فى أبريل 2017، لتدشّن هاتان الزيارتان مرحلة جديدة فى العلاقات بين الأزهر والفاتيكان.
لم تكن عودة العلاقة بين المؤسستين الدينيتين بالأمر الهيّن، لكنّ صداقة نشأت بين الطيب وفرنسيس، سمحت لهما بتجاوز العديد من العقبات المؤسسية والأصوات المتحفظة. يتشارك الرجلان فى الكثير من الصفات، منها أنهما يريان أن لهما رسالة إنسانية تتجاوز مسئوليتهما تجاه أتباعهما من المسلمين والمسيحيين، ويسعيان إلى الدفاع عن قيم إنسانية مثل التسامح والعدالة لجميع البشر. يتشابه الرجلان أيضا فى نمط حياتهما البسيط. فقد عاش فرنسيس عندما كان أسقفا فى بوينس آيرس فى شقة بسيطة، وكان يطهو فيها طعامه بنفسه، واعتاد أن يتنقل بالمواصلات العامة. وعندما تم اختياره على رأس الكنيسة الكاثوليكية، تخلى عن الشقق البابوية، واكتفى بجناح صغير فى دار الضيافة فى الفاتيكان. وكذلك حال أحمد الطيب، الذى يقيم فى شقته فى القاهرة، ويرفض تقاضى راتبا عن منصبه كشيخ للأزهر، ويقول إنه يؤدى عمله فى خدمة الإسلام، ولا يستحق عليه أجرا إلا من الله. كما يتشارك الرجلان فى جمعهما فى الدراسة بين العقيدة والفلسفة.
أثمر الحوار بين الأزهر والفاتيكان عن وثيقة الأخوّة الإنسانية، التى وقّعها كلٌّ من الطيب وفرنسيس فى دولة الإمارات العربية المتحدة فى فبراير 2019. تبدأ الوثيقة بعبارةٍ هى فى ذاتها جوهرُها: «باسم الله الذى خلق البشر جميعا متساوين فى الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم للعيش كإخوة فيما بينهم ليعمّروا الأرض، وينشروا فيها قيم الخير والمحبة والسلام». أكد كلٌّ من الطيب وفرنسيس فى الوثيقة على أن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتّباعه للوصول إلى حياة كريمة لجميع البشر. وترى الوثيقة أن الحوار ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر هما السبيل من أجل احتواء العديد من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التى تواجه البشرية.
• • •
إن طريق الحوار بين الطيب وفرنسيس ليس سهلا. يواجه نهج كلّ من الرجلين أصواتا متطرفة تسعى إلى اختطاف الدين لخدمة أهدافها السياسية. فيواجه الطيب مجالا دينيا تسعى فيه الأصوات المتطرفة إلى أن تنتقص من دور الأزهر، وتستخدم الحوار مع الفاتيكان لتحقيق هذا الهدف. وكذلك هو حال البابا فرانسيس الذى جاء فى لحظةٍ تشهد صعود التيارات اليمينية المتطرفة فى دول أوروبية عدة. تستخدم هذه التيارات اليمينية الدين لحشد الأصوات، لكنها تتجاهل القيم المسيحية نفسها فى خطابها، كما هو حال مواقفها المتشددة تجاه اللاجئين واللاجئات. فبينما طالب البابا فرانسيس الكنائس بفتح أبوابها لإيواء اللاجئين واللاجئات، ترفض تلك الأحزاب اليمينية استقبال اللاجئين واللاجئات من الأساس، وتطالب بإعادتهم إلى بلادهم الأصلية. إلا أن الرجلين مستمران فى نهجهما من دون أن يسمحا لتلك الأصوات المتطرفة أن تفسد الحوار بينهما.
جاء حوار الطيب وفرنسيس فى لحظةٍ بدت مليئة بالعنف والعنصرية وخطابات الكراهية ليعطينا بعضا من الأمل فى أن المستقبل قد يكون أفضل. هذه العلاقة الخاصة التى جمعت كلا من الإمام الأكبر والبابا هى سرّ نجاح الحوار بين الأزهر والفاتيكان، ولكنها أيضا نقطة ضعفه. فالتحدى الحقيقى أمام هذا التقارب بين الطيب وفرنسيس هى كيف يمكن أن تنتقل قيم الحوار بين الرمزين الدينيين إلى كل العاملين فى مؤسستى الفاتيكان والأزهر، ثم فى مرحلة تالية إلى كل الفاعلين الدينيين، المسلمين والمسيحيين، كالمنظمات الأهلية المسيحية والإسلامية. فيجب ألا يتوقف الحوار عند مستوى القيادات الدينية ليكون منهج عمل لكل العاملين فى المجال الدينى الإسلامى والمسيحى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.