يرى مراقبون أن رياح الانتخابات البرلمانية لم تأت بما تشتهي سفن الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي كان يأمل في أن يكون البرلمان الجديد بمثابة الركيزة الأخيرة لما يسميه خارطة "الإصلاح السياسي" في البلاد. فقد أثارت نتائج الانتخابات التي شهدتها تونس يوم السبت 17 ديسمبر وقاطعتها الجماعات السياسية المعارضة، جدلا كبيرا لم تقل حدته عن الجدل الذي واكب الانتخابات منذ الإعلان عنها مرورا بقانونها الانتخابي. مشاركة هزيلة قالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إن نسبة المشاركة النهائية في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية بلغت 11.2%. رقم، لم يُسجل منذ انطلاق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد بعد ثورة عام 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي. وأوضحت الهيئة أن عدد الناخبين الذين صوتوا بلغ مليونا و25 ألف ناخب من مجموع تسعة ملايين و136 ألف ناخب مسجلين. وقال متحدث باسم الهيئة إن جولة الإعادة للانتخابات ستجري في 20 يناير المقبل، وستشمل 133 دائرة انتخابية من بين 161 دائرة بعد فوز 21 مرشحا فقط بمقاعد في البرلمان الجديد منذ الجولة الأولى. انتخابات بلا زهوة على امتداد ثلاثة أسابيع، بقيت الحملة الانتخابية باهتة ولم تعرف تنافسا انتخابيا في البلاد، عكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019. ولم يكن المرشحون ال1058 "معروفين بل كانوا قليلي الخبرة السياسية"، وفقا للمحلل السياسي حمزة المؤدب، بينما لم تتعد نسبة النساء 12% من عدد المرشحين. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر النقابات العمالية في تونس قد عبر عن رفضه لإجراء هذه الانتخابات، ووصفها بإنها بدون "طعم ولا لون". مطالبات بالتنحي وفي رد فعل على نتائج الانتخابات، طالب التكتل السياسي المعارض "جبهة الخلاص الوطني" الذي يشارك فيه حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية والذي كان أكثر الأحزاب تمثيلا في البرلمانات منذ العام 2011، الرئيس التونسي بالتنحي فورا. كما طالب الحزب الدستوري الحر أيضا الرئيس سعيد بالاستقالة وتنظيم انتخابات مبكرة. في المقابل، قال محمد المسيليني القيادي في حركة الشعب، المساندة للرئيس سعيد، إن "نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة جدا ولا تفرح أي أحد". وأوضح المسيليني في تصريحات لراديو موزاييك أن "مسألة عزوف الناخبين والقطيعة تتعمق مع كل انتخابات، وأن هيئة الانتخابات لعبت دورا في ذلك". غير أن المسيليني يرى أيضا أن " انفراد الرئيس بالقرار أدى لهذه النتائج". من جانبه دعا رئيس المكتب السياسي لحراك "25 يوليو" الداعم لقيس سعيد، عبد الرزاق الخلولي إلى انتخابات رئاسية مبكرة. تأتي هذه الدعوات مع انتظار برلمان جديد مجرد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها النواب في السابق، استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في يوليو الماضي الذي غاب عنه نحو سبعين في المئة من الناخبين. ويرى مراقبون أنه لا توجد آلية تجبر سعيد على الاستقالة أو الاعتراف بفشل الانتخابات. دور الأزمة الاقتصادية يرى مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية أن "المناخ الاجتماعي والاقتصادي كان له دور كبير في عزوف الناخبين". وأضاف مبروك في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول " تآكل القاعدة الشعبية للرئيس قيس سعيد جزء منه كان بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة في تزامن مع المسار الانتخابي وكان تآكلا سريعا ورهيبا". "صرف الأنظار عن النتائج" على صعيد آخر، قال رئيس "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة أحمد نجيب الشابي في مؤتمر صحفي الثلاثاء 20 ديسمبر، إن توقيف نائب رئيس حزب النهضة ورئيس الحكومة السابق علي العريض جاء "لصرف الأنظار عن نتائج الانتخابات التي أدار لها الشعب ظهره". وأضاف الشابي أن ما أقدم عليه سعيد لن يوقف العد التنازلي لرحيله بالطرق السلمية، معتبرا أن الشعب التونسي أدار ظهره للرئيس، على حد وصفه. وأوضح أن العريض يحاكم وفقا لقانون مكافحة الإرهاب الذي تم إصداره في العام 2015، في حين أن التهم الموجهة إليه ترتبط بأحداث وقعت بين العامين 2012 و2013 وطالب بإطلاق سراحه فورا. كان القضاء التونسي أوقف نائب رئيس حزب النهضة ورئيس الحكومة السابق علي العريض إثر التحقيق معه في قضية تتعلق "بتسفير جهاديين" من تونس إلى سوريا والعراق، بحسب ما أفاد الحزب مطالبا باطلاق سراحه. وتتهم المعارضة، ولا سيما حزب النهضة، سعيد "بتصفية حسابات سياسية عبر توظيف القضاء"، بينما يؤكد سعيد أن القضاء مستقل. مواقف دولية اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، أن الانتخابات البرلمانية في تونس "خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديموقراطي في البلاد". وأكد برايس في الوقت نفسه أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من "المشاركة السياسية" على نطاق أوسع. من جانبها، أكدت الخارجية الفرنسية في بيان لها "انخفاض مستوى المشاركة" في الانتخابات ودعت إلى استئناف المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي.