الأفلام تنتصر بالواقع والخيال.. وتكتشف جيل المستقبل للسينما العربية جاءت جوائز مهرجان البحر الأحمر السينمائي عن الدورة الثانية في معظمها حسب التوقعات بينما جاء بعضها بعيدا عنها، وبين هذا وذاك، فإن مسابقة دورة هذا العام جاءت حافلة بمجموعة من الأفلام العربية المهمة والمتميزة، التى تبارى فيها المخرجون والأبطال لتقديم أدوار وقصص وحكايات ورؤى فنية عميقة وجديدة وكاشفة عن أبعاد جديدة لواقع السينما العربية، وأحلامها وخيالاتها، وعن هوية المهرجان التى يسعى لترسيخها فى المستقبل كاشفا عن ملامح جيل جديد، فيما كانت هناك مجموعة أخرى من الأفلام التى جاءت أقل مما كان متوقعا لها. بالتأكيد استطاع المخرج لطفي ناثان، أمريكى من أصل مصرى، أن يقتنص جائزة أفضل مخرج بإقتدار عن فيلمه "حرقة" إنتاج تونسى، فرنسى، سعودى، والذى يستدعى جزء من مرحلة الربيع العربى وتبعاتها ويبدو أنها لا زالت تسكن فكر بعض السينمائيين، ربما أرادوا أن يتريثوا فى الادلاء بشهاداتهم على ما حدث فى الواقع، وربما شعروا أن لا شئ هناك تغير، من قلب تونس شاهدنا الفيلم وهو يستدعي مشهدا مؤلما، حيث يحرق البطل الشاب نفسه فى النهاية أمام مبنى الولاية الحكومة، تاركا وراءه تساؤلات عدة وإجابات أيضا، فاتحا الجرج من جديد، ففى اللقطة الأهم نراه يحترق بالكامل بإرادته والناس تمر من خلفه وأمامه وجواره بشكل طبيعى، وكأن الأمر بات لا يهم، كاشفا عن مشهد صادم لزمن. لطفي ناثان تجلى سينمائيا فى تلك اللقطة، وقد كتب السيناريو أيضا. فى السرد التلقائي للعمل حيث تجرى الأحداث في تونس نتابع حكاية الشاب على الذي يعمل عند أحد موزعي البترول الذي يتم تهربيه من الحدود التونسية – الليبية . وتأتي إليه إحدى شقيقاته الاثنتين لتخبره بان والدهم قد توفي وعليه ان يحضر الى البيت ليجد نفسه امام مجموعة من المعضلات ، المصاريف وديون الوالد تجاه احد البنوك والتى اذا لم تسدد سيتم الحجز على المنزل وأيضا دفع الاتوات الى رجال الشرطة في المنطقة التي يقف بها والتي تكاد تلتهم كل ما يكسب يوميا. يشعر على انه بلا مستقبل يلجأ الى اماكن كثيرة طالبا العمل والمساعدة دون جدوى واهيرا يطلب من التاجر بان يقوم بنفسه بالذهاب للحدود موزعا البضاعة ولكنه سرعان ما يجد نفسه مطاردا بعد ان يتم الهجوم عليهم من قبل شرطة الحدود . تتصاعد الحبكة عبر عدة مشاهد خانقة للشاب وتوحى بنهاية حتمية فى الطريق وهى اما الانفجار أو الصرخة فى وجه المجتمع ، أو الخلاص من الحياة وهو الحل الذى لجأ اليه المخرج تعبيرا عن صرخة كبرى ، ان كنت انا اتمنى ان ينهى الفيلم بلا مذهد ص يح للحريق ، فقط كان يمكن ان يوحى به تعبيرا عن قدره ونحن كنا سندرك ذلك . الأداء الرائع الذى قدمه الممثل أدهم بيسا فى شخصية على ونال عنه جائزة أفضل ممثل فى فى مهرجان البحر الاحمر عن أقتدار كما فاز بها من قبل فى مسابقة " نظرة ما " بمهرجان كان السينمائى ، جسد ادهم شخصية مبهرة وعميقة ومعبرا عن تطور ازمته الإنسانية بلغة الجسد والعين الثاقبة بنظرتها للواقع وطريقة كلامه أيضا، عايش ادهم الشخصية بكل جوارحها وبصدق واحساس خاص لعذاباتها مع كل نهار وخاصة لحظات شروده التى صاحبتها موسيقى ايلي القصير الملهمة رغم فقراتها القليلة ، ونتذكر ادم وهو عليه ان يتحمل مسؤوليات شقيقتيه بعد ترك المنزل ليتك لهما كل ما جمعه من مال ويطلب منهما السفر ، قبل ان يتخذ قراره بالخلاص ليتركنا امام تحدى جديد قى صورة سينمائية مدهشة. الفيلم دون شك جرئ فى طرحه ، وأعتقد أنه يشكل ملمحا خاصا فى خيارات السينما العربية لمهرجان البحر الاخمر وفكر مسؤلها انطوان خليفة وفى مشوار مخرجه وهو يقدم أولى تجاربه الروائية الطويلة . فيما توج المخرج احمد ياسين الدراجى بجائزتى اليُسر الذهبي لأفضل فيلم طويل ، وجائزة الانجاز السينمائى بفيلمه الأول « جناين معلقة » انتاج العراق، فلسطين، مصر، المملكة المتحدة، السعودية، الذى يعد من أفضل خيارات المهرجان ، و يقدم فية انتقاداته اللاذعة لواقع اجتماعى للعراق فى خضم الوجود الامريكى وشخصيات تنتمى لمجتمعها مابين البحث عن المتعة ، والبحث عن لقمة العيش . "الملكة الأخيرة " والواقع سعدت كثيرا بجائزة أفضل ممثلة التى فازت بها عديلة بن ديمراد عن دورها فى فيلم "الملكة الأخيرة " انتاج الجزائر، فرنسا، السعودية، قدمت عديلة دورا صعبا ومتقنا ، وقد شاركت فى السيناريو و الإخراج مع داميان أونوري ويبدو ان ذلك إتاحة لها مساحة كبرى من التألق والابداع فى شخصية ملحمية كان لها مواقف أداء مركبة وحائرة كثيرة ، سواء فى مشاعرها أو شكلها . يتناول هذا الفيلم التاريخى ، فى اطار سينما المقاومة حياة الملكة "زفيرا" التى جسدتها عديلة ،بالجزائر العاصمة في القرن ال16 إبان السنوات الأولى للوجود العثماني في الجزائر وإبان أيضا الغزو الاسباني للعديد من المدن الجزائرية، وهي فترة عرفت تحولات كبرى في تاريخ المدينةوالجزائر ككل. فى الفيلم قام المحارب اروج (دالي بن صلاح) شقيقه الملك سليم (طاهر زاوي) ليستولي على الحكم بعدما شاركه في الدفاع عن البلاد من الاحتلال الإسباني. أروج يحاول جذب الملكة زفيرة لتكون زوجته وعينه على تأمين ملكه قبل أن يكتشف حبه الفعلي لها، لكنها ستحاول خداعه وقتله بعدما اكتشفت إنه قتل زوجها ثم تسبب في مقتل ابنها الوحيد.، وينتهى الفيلم بانتحار زفير لفسلها فى القتل وبين البداية والنهاية دراما ثرية بطقوسها وادائها التمثيل الرائع . عديلة بن ديمراد عرفت بأدوارها في العديد من الأفلام الروائية الطويلة ك "نورمال" و"السطوح" لمرزاق علواش و"قبل الأيام" لكريم موساوي.وقد شارك "الملكة الأخيرة" من قبل في قسم "نافذة على المبدعين" بمهرجان فينيسيا السينمائي الأخير. وبينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم لفيلم الدراما والمغامرة التاريخى السعودى " بين الرمال" ، تأليف واخراج محمد العطاوي وبطولة رائد السمرى لتميزه فى تناول حدث حقيقى يحمل روح الحكاية السعودية الأصيلة، ويقدم مفهوم الأبوة باعتبارها ليست مجرد علاقة مع شخص آخر، ولكن رحلة لاكتشاف الذات والنضج وكنموذج يحتذى به للجميع. يسلط الفيلم الضوء على تاريخ الثقافة السعودية ويحكي قصة محلية من منظور عالمي يثير اهتمام المشاهدين. دون شك يمثل العمل حقبة جديدة من التعبير الفني في مجتمع المملكة، تسمح بسرد قصصه للعالم. وتدور أحداثه حول شخصية سنام تاجر التبغ الشاب عندما يكون في طريقه عبر الصحراء، يقرر الحيدة عن القافلة اختصاراً للطريق نحو قريته؛ حيث تُوشك زوجته على إنجاب طفلهما البِكر، لكنه يصطدم بكمين من اللصوص، وبعد أن سلبوه مؤونته؛ يتمسّك بالنجاة ملتمّساً طريقه صوب القرية، وفي طريقه عائداً؛ تسوقه الأقدار لمواجهة ذئب كبير، و يحاول سنام الحفاظ على ثباته في الصحراء القاحلة . "قرية بلا أطفال" وفى حالة ابداعية خاصة يأتى الفيلم الايرانى "قرية بلا أطفال" الفائز بجائزة اليسر أفضل سيناريو ، وبات لافتا فوز الأفلام الإيرانية في معظم المهرجانات الدولية والإقليمية. كاتب الفيلم ومخرجه رضا جمالي، حظى بإعجاب النقاد ، كما يوحي العنوان ، "قرية بلا أطفال" هي قرية ريفية صغيرة ، حيث لم يولد أطفال منذ فترة ، ويفترض جميع الرجال أن هذا خطأ النساء، فى الفيلم نرى فيلم داخل فيلم ، مخرج وثائقي عجوز يُدعى كاظم يحاول كشف الحقيقة فى قرية بلا رجال ، حيث يقرر أن يصنع فيلما وثائقيا فى قريته الجبلية الصغيرة حول إذا ما كان الرجال هم السبب فى أن القرية بلا أطفال بسبب عقمهم، بعد أن اتهم نفس المخرج فى فيلم سابق له نساء القرية- قبل عشرين عاما- بأنهن السر وراء ذلك، مما تسبب فى طلاقهن لمرات عديدة أو زواج رجالهن من نساء أخريات فى قرى مجاورة دون أن ينجبن أيضا.لكن نساء القرية أرادن حماية كرامتهن ، فسرقت اللقطات وحرقت. يتفاعل تطور السيناريو من خلال سياق الفيلم الوثائقى الذى يصنعه المخرج العجوز ويوحى بتشتيت السمعة الذكورية التى تدعى بأن النساء هن سبب العقم، وذلك من خلال عملية كسر إيهام وبدائية مطلقة فى التصوير- تصوير الفيلم الوثائقى بإمكانيات متواضعة وفريق عمل من أهل القرية أنفسهم- من الواضح أيضا أن العديد من الممثلين من أهل القرية التى تم تصوير الفيلم فيها، فهو فيلم روائى مصنوع بممثلين غير محترفين يحكى عن صناعة فيلم وثائقى عن أهل نفس القرية. يضع الفيلم ببساطة وتلقائية سؤال الذكورة على المحك، يحاكم استغلال الشرع فى تعدد مرات الطلاق وتعدد الزوجات حتى لو كان العيب عيب الرجال، ببساطة أسرة يختم السيناريو الفيلم بأن يسرق رجال القرية الكاميرا ويفرون هاربين كى لا تنكشف حقيقة عقمهم أمام العالم، تماما كما فعلت النساء قبل عشرين عاما، يتحول الرجال مجازا إلى نساء يخشين سمعة غير طيبة عن خصوبتهم، يفضلون اتهام النساء وتعدد الزوجات عن الاعتراف بأنهم عاجزون أو مخطئون فى حق زوجاتهم، وهو الإنكار التقليدى لأى سلطة ديكتاتورية بدلا من تحمل الأخطاء والاعتراف بالفشل، وهى دلالة تتجاوز قصة قرية بلا أطفال الى ما هو أكبر ، ولهذا يحتل سيناريو الفيلم مكانة متميزة . على جانب اخر اختارت لجنة التحكيم برئاسة المخرج اوليفر ستون فيلم "شيابني هني،" اخراج زياد الحسيني كأفضل فيلم سعودى . الفيلم القصير ايضا احتل مكانة خاصة فى مسابقته بمهرجان البحر الاحمر هذا العام ، واستطاع جذب الجمهور ،عبر مجموعة تشكّل جزءًا مهمًا من ثقافة سرد القصص المستقلّة والجريئة ، وقد توج الفيلم المغربى الفرنسى "على قبر أبي" ، اخراج جواهين زنتار بجائزة اليسر الذهبى . أيضا الفيلم الصومال الألماني الرائع "هل سيأتي والديّ لرؤيتي؟ " اخراج محمد بشير هراوي الفائز بجائزة اليسر الفضي، الذى يتناول اليوم الأخير لسجين يواجه عقوبة الإعدام.. وهي قصة مؤلمة لسجين يواجه يومه الأخير قبل إعدامه ، مليء بأداء رائع و يخبرنا بما تفعله هذه الحياة اليومية للناس، حيث يتميز عالمهم العاطفي بثقل لا يمكن التغلب عليه. شرطية صومالية متمرسة ترافق مرة أخرى نزيلاً شاباً عبر إجراءات القضاء الصومالي. وفى مسابقة البحر الأحمر لسينما الواقع الافتراضي احتل الفيلم الألماني " عبر الساحة الرئيسيّة القائمة بجائزة اليسر الذهبية فيما نالت التجربة الهولندية " يوريديسي" لسيلين ديمن جائزة اليسر الفضية . ادلى جمهور المهرجان بشهادته من خلال اختياره لفيلم "العمّة، هي شومينج" ليفوز بجائزة العلا كأفضل فيلم ، وهو انتاج ، سنغافورة، كوريا الجنوبية فيما فاز بجائزة النجم الصاعد سارة طيبة (السعودية) بالتأكيد شملت قائمة الأفلام الستة عشر المتنافسة في المسابقة، بحسب شهادة انطوان خليفة، مدير البرنامج السينمائي العربي والكلاسيكي على مجموعة متنوعة من الأفلام التي تناقش موضوعات وحقب زمنية مختلفة، وتم إنتاجها من قِبل مجموعة من صناع الأفلام الموهوبين. حيث برع الممثلون العرب في تأدية أدوارهم المعقدة في هذه الأفلام، وأبدع المخرجون في تصوير الشخصيات بمختلف أبعادها. وما بين براعة الممثلين وإبداع المخرجين، يعيش الجمهور خلال مشاهدته لهذه الأفلام مشاعر الندم والخلاص والشجاعة والانتهازية والانتقام مع مزيج من مشاعر الحب في مختلف صوره. اما كليم أفتاب، مدير البرنامج الدولي للمهرجان الدولي فقال كلها كانت تعرض قصصا ثرية وملهمة.