"مبدع ونابه وعلى القدر ذاته من الشجاعة في مواجهة المحن"، الصحفي الشاب الراحل محمد أبو الغيط الذي أفجع بموته العديد من الأصدقاء والمحبين ورموز الصحافة والثقافة والفكر. أبدع محمد أبو الغيط، في ميادين الصحافة الاستقصائية تماما كما أبدع في وصف رحلته مع مرض السرطان اللعين حيث ظل حتى الرمق الأخير متمسكا بقلمه وعلى الدرجة ذاتها من الاحترافية والتمكن الذي عُرف عنه خلال كتاباته لسلسلة من المقالات الصحفية والتحقيقات شديدة الإبهار والإتقان إلى أن رحل عن عالما اليوم، وهو لايزال في بداية الثلاثينات من العمر، تاركا وراءه رصيدا هائلا من النجاح والتقدير مهنيا وإنسانيا. لم يستسلم أبو الغيط للألم الذي لا يطاق ولا يحتمل من تداعيات المرض العين، وحوّل ذلك إلى طاقة إبداعية في الكتابة لينسج لنا تفاصيل رحلته الملهمة في محاربة المرض ومكافحته، ليعكس لنا تفاصيل مقاومته الباسلة والتي تحلى خلالها بكل ماعرف عنه من قوة وتميز وشجاعة حتى في أشد لحظات الألم. ♦ محطة البداية الطبيب محمد أبو الغيط، وُلد في محافظة أسيوط، درس بها الطب وتخرج فيها ثم عمل بمستشفيات القاهرة، ولكنه انحاز لأن يتبع شغفه لتقصي الحقيقة والإبداع في ساحات الصحافة والكتابة، لذلك اختار أن يتفاعل مع العالم عبر القلم الصحفي وينتصر للصحافة وللكتابة. عمل مدققًا للحقائق، وأشرف على إنتاج تحقيقات ودرَّب صحفيين لصالح عدة مؤسسات، كما عمل بمجال الإنتاج التلفزيوني لقنوات عربية وأجنبية، وكذلك عمل مذيع راديو عبر الإنترنت. ♦ مسيرة حافلة في الصحافة الاستقصائية، حصل أبو الغيط على العديد من الجوائز العالمية والتكريمات، حيث شملت تغطياته حول العالم قضايا تجارة السلاح الدولية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتطرف، وتحقيقات الفساد وتتبع الأموال، وعمل مدققًا للحقائق، وأشرف على إنتاج تحقيقات ودرب صحفيين لصالح عدة مؤسسات. أبو الغيط، عمل صحفيا لدى الشروق حتى عام 2014، وكان أحد كُتاب المقال بها، كما عمل في مجال الإنتاج التليفزيوني لقنوات عربية وأجنبية. خلال حفل ختام منتدى مصر للإعلام، منذ أيام، تم تكريم أبو الغيط، لإسهاماته العديدة في المجال الصحفي وتجربته الملهمة، وأرسل أبو الغيط كلمة مؤثرة بالفيديو، تحدث خلالها عن أهمية الصحافة. وقال أبو الغيط: "تكريم خاص جدا بالنسبة لي، لأنه يحمل اسم مصر الحبيبة، ويحدث على أرضها، حتى قبل شهر واحد كنت أنوي جديا الحضور؛ حتى أشعر بدفء المشاعر المتبادلة بيننا قبل أي شيء آخر، لكن داهمني الخبيث بتدهور جديد، ولا يعزيني في تلك الظروف، إلا تواصل قلوب لا يحده حدود". وتابع: "لا أعتبر نفسي بمقام الوصيّ أو الواصي، لكن أود مشاركتكم بعض من النصائح من واقع تجربتي، والتي بدا لنا لوقت طويل بأنها مملة ومكررة؛ لكن الواقع أثبت لي العكس، وأولها بأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، فحافظوا عليها، واستمعوا جيدا لصوت أجسادكم، فلا تتركوها ضحية لأمراض العظام والتوتر". ♦ أنا قادم أيها الضوء على الرغم من أنه لم يتخط الثلاثينات من عمره الا أن العطاء الصحفي والأدبي لمحمد أبو الغيط كان وافرا وغزيرا وكذلك حتى اللحظات الأخيرة من مسيرته والتي قضاها في إبداع كتاب "أنا قادم أيها الضوء"، والذي سيصدر عن دار الشروق للنشر، وقد تم نشر جزء من فصول الكتاب تحت عنوان «لماذا أكتب». يقول محمد أبو الغيط عن الكتاب: "وجدتني لا أكتب يوميات مريض، بل أكتب أحداثًا ومشاعر، ما جربته وما تعلمته، سيرة ذاتية لي ولجيلي أيضًا". وواصل: "ودونما أشعر عبرت كتابتي من الخاص إلى العام، وهكذا تنقلت بين شرح علمي إلى أخبار التطورات السياسية، ومن تفنيد خرافات حول ما يسمى ب الطب البديل، إلى متابعة وفاة الملكة إليزابيث، أتأمل في الموت والحياة. لو تحققت نجاتي بمعجزة ما، فسأسعى نحو ذلك الضوء الذي زادت خبرتي به وتقديري له في أيام مرضي، وسأمنح ما أستطيع عرفانًا لكوني محظوظًا بزوجة مضيئة، وبأبٍ وأمٍّ مضيئيْن، وبالكثير من الأصدقاء الذين يطمئنني نورهم لحقيقة الخير في الدنيا". "ولو وافاني القدر بالوقت الذي قدره الأطباء، أرجو أن يكون ما بعد نفقي نورًا وهدوءًا، وأن يمرَّ عبر هذا الكتاب بعض الضوء إلى من يقرأ".