وقعت الحكومة عقودًا دخلت حيز التنفيذ لإقامة مشروعات الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مع شركات نرويجية وإماراتية وفرنسية وهندية، بهدف توليد طاقة نظيفة من الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وتصديرها إلى أوروبا، وذلك على هامش استضافة مدينة شرم الشيخ لفعاليات مؤتمر المناخ. وبحسب دراسة توطين الهيدروجين الأخضر في مصر، الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فإن صناعة الهيدروجين تواجه تحديات أبرزها ندرة المياه، إذ تتطلب صناعة الهيدروجين الأخضر وفرة من المياه العذبة والنقية، خاصة أن عملية التحليل الكهربائي اللازمة لإنتاج 1 كجم من الهيدروجين الأخضر تتطلب ما يقرب من 9 لترات من الماء. وتعد مصر من أكثر دول العالم معاناة من شح المياه، وفقًا للدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، لا يتجاوز نصيب الفرد فيها 560 مترا مكعبا سنوياً من المياه، في الوقت الذي عرفّت فيه الأممالمتحدة الفقر المائي على أنه 1000 متر مكعب للفرد في السنة. ووفقًا لتقديرات وزارة الموارد المائية والري يتوقع بحلول عام 2025 أن يقل هذا الرقم ليصل إلى 496 م3، وإلى نحو 390 متراً مكعباً بحلول عام 2050، وفقا لتقرير حكومي مقدم إلى الأممالمتحدة هذا العام. وتعتمد مصر على مصدر واحد للمياه وهو نهر النيل، الذي يوفر 98% من الاحتياجات المائية للبلاد، بحسب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مما يجعلها من أكثر دول العالم جفافًا والأقل نفاذًا للموارد المائية المتجددة، ومن المحتمل تقليص حصة مصر المائية بواقع 20 مليار متر مكعب من مياه النيل، لتصل إلى 34 مليار متر مكعب، بدلاً من الحصة الحالية 55.5 مليار م3 سنويًا بعد الانتهاء من ملء سد النهضة، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات. ليست عائقًا ويبقى السؤال الأهم: هل سيؤثر الانتقال إلى اقتصاد الهيدروجين على حصة مصر من المياه العذبة؟ الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، يرى في اتصال هاتفي مع "الشروق"، أن مصادر المياه في مصر ليست عائقًا كبيرًا في صناعة الهيدروجين الأخضر، لأن المشروعات المائية التي نفذتها الحكومة لمحاولة سد العجز المائي سترفع نسبة ال55.5 مليار متر مكعب (حصة مصر من مياه النيل) إلى 82 مليار متر مكعب، عن طريق إعادة استخدام المياه مرة أخرى من خلال معالجة مياه الصرف بواسطة عدد من المحطات مثل محطة بحر البقر، ومحطة المحسمة وخلال الأشهر القليلة القادمة ستتواجد محطة الحمام، مضيفًا أن هذه الحصة مطمئنة حتى الان ولا تقف عائقًا كبيرًا أمام إنتاج الطاقة النظيفة التي قد تستهلك نحو 6% من مصادر المياه في مصر. حتى كميات المياه المخزنة في سد النهضة الإثيوبي وإن كانت ستخصم من حصة مصر في مياه النيل، فلن تؤثر على مصادر المياه العذبة، بسبب مشروعات الري وتبطين الترع وتحلية المياه، وهي مشاريع أنفقت عليها الحكومة أكثر من 100 مليار جنيه لتعويض الفاقد من سد النهضة الإثيوبي أثناء فترة الملء، وفقًا لشراقي. في المقابل، يرى الدكتور جواد الخراز المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة، أن مشكلة ندرة المياه في مصر تعتبر تحديًا كبيرًا أمام صناعة الهيدروجين الأخضر، الذي ترتفع تكلفته من 7 إلى 9 دولارات للكيلو الواحد، وعليه -بحسب الخراز- تحتاج مصر إلى تمويلات من الدول وصناديق تمويل المناخ لمساعدتها على إنتاج الهيدروجين الأخضر وتطوير التكنولوجيا المتعلقة بالصناعة. ويقول الخراز في تصريحات للشروق يمكن أن تساعد هذه الجهود مصر في حل مشكلة المياه باستخدام تقنية تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى أن الاعتماد على المحللات الكهربائية لإنتاج الهيدروجين الأخضر يعتمد على الطاقة المتجددة، وهي طاقة متوفرة في مصر سواء طاقة شمسية ورياح لكن ذلك يعتمد على مياه نقية عالية الجودة، ولا زال العالم يقوم على تطوير هذه التكنولوجيا لتعتمد على تحلية مياه البحر أو مياه غير نقية، لكن الأمر لا زال في بدايته، وخلال العقد القادم مع استخدام التكنولوجيا يمكن أن تنخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر. إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب ما هو أكثر من مجرد طاقة الشمس والرياح، وهو ماء نقي عالي الجودة يتطلب معالجته من خلال عملية التحليل الكهربائي لفصل جزيئات الأكسجين عن الهيدروجين، لإنتاج هيدروجين أحضر (خالي من الكربون)، إذ يمكن أن تؤدي المياه منخفضة الجودة إلى تدهور أسرع وعمر افتراضي أقصر للمحللات الكهربائية، بحسب منظمة "energy transition" بدائل كثيرة وتعمل مصر على تحلية مياه البحر كمصدر بديل للمياه العذبة، ويتطلع صندوق مصر السيادي إلى بناء وتشغيل 17 محطة جديدة لتحلية المياه بتكلفة إجمالية تبلغ حوالي 2.5 مليار دولار، كجزء من خطة أكبر لمعالجة مشكلة الأمن المائي. وتؤكد وزارة الكهرباء على أن الهيدروجين الأخضر سيكون قائما على ماء البحر وسيتم تحلية المياه. وتذهب دراسة توطين الهيدروجين الأخضر في مصر إلى أنه من غير الممكن استخدام مياه البحر بشكل مباشر لإنتاج الهيدروجين الأخضر؛ لأن المياه المالحة قد تؤدي إلى تآكل واتلاف أنظمة التحليل الكهربائي، وفي حال الاعتماد على تحلية المياه فإن ذلك لن يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج فقط، وإنما قصر الاستفادة من هذه المشروعات على المناطق الساحلية فقط. وحتى تتحقق تحلية المياه بشكل يضمن إنتاج الهيدروجين الأخضر يجب إجراء عملية فصل للأملاح عن طريق مضخات تفصل الأملاح عن المياه باستخدام الطاقة المتجددة، وهو ما يطلق عليه تقنية "التناضح العكسي"، حسب ما يقول الدكتور محمد حسن أستاذ الطاقات المتجددة في كلية الهندسة بجامعة حلوان في تصريحات للشروق. وأضاف حسن أن البدائل المخصصة لإنتاج الهيدروجين الأخضر لن تؤثر على الأمن المائي، طالما ستعتمد الحكومة على أي مصدر مياه غير مستخدم في مياه الشرب والزراعة كمياه الصرف الصحي مثلاً، وهي كلها بدائل جيدة في حال تم حسابها والعمل لها جيدًا.