بعد فوزه في رئاسة حزب المحافظين، التقي ريشي سوناك، الثلاثاء، الملك تشارلز الثالث، لتسميته رسمياً رئيساً للوزراء ليصبح بذلك ثالث رئيس للحكومة البريطانية خلال شهرين في بلد يعاني من عدم استقرار غير مسبوق وأزمة اجتماعية عميقة. وهذه المرة الأولى التي يسمّي فيها الملك تشالز الثالث رئيساً للحكومة. فقد سُميت رئيسة الحكومة المستقيلة ليز تراس من قبل الملكة إليزابيث الثانية في السادس من سبتمبر في قصر بلمورال الأسكتلندي. ثمّ توفّيت الملكة بعد ذلك بيومين، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتُلقي ليز تراس التي قدّمت استقالتها الخميس بعد 44 يوماً على تسلّمها منصبها، آخر خطاب لها أمام مقر رئاسة الحكومة في داونينج ستريت، ثمّ تتوجه إلى قصر باكنجهام لتسليم استقالتها للملك. بعد ذلك، استقبل تشالز الثاني ريشي سوناك، على أن يتوجه بعدها إلى داونينج ستريت، ليلقي بعد ذلك خطاباً. وبذلك، يدخل سوناك البالغ 42 عاماً التاريخ كأول شخص غير أبيض يدير حكومة المملكة المتحدة. وهو حفيد مهاجرين من أصول هندية ومصرفي سابق ثري، سلك الطريق المعتاد للنخبة البريطانية. وبعد فوزه داخل حزب المحافظين الاثنين، وعد سوناك ب"الاستقرار والوحدة". وقال إنّ "جمع الحزب والبلاد سيكون أولويتي القصوى"، مضيفاً أنّ "المملكة المتحدة دولة عظيمة لكن لا شكّ في أننا نواجه تحدّياً اقتصادياً عميقاً". وسيصبح سوناك رئيساً للحكومة في بلد يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة. فقد تخطّى التضخّم معدّل ال10% وهو الأعلى بين دول مجموعة السبع. ويأتي ذلك فيما لا تزال أسعار الطاقة آخذة في الارتفاع وكذلك أسعار المواد الغذائية، وفي الوقت الذي تحوم فيه مخاطر الركود. وسيتعيّن على سوناك تهدئة الأسواق التي اهتزّت بسبب إعلانات ميزانية حكومة ليز تراس في نهاية سبتمبر، والتي أُلغيت معظم أجزائها في سياق اتخذ منحى كارثياً. ويصل سوناك إلى السلطة خلال مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار. وهو خامس رئيس للحكومة البريطانية منذ العام 2016، عندما اختارت البلاد الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاءٍ أُجري حينها. سيترأس سوناك حزب المحافظين الذي يشهد انقسامات عميقة بعد 12 عاماً على وجوده في السلطة. وحذّر النواب في معسكره من أنه يجب عليهم "الاتحاد أو الموت"، في ظلّ تحقيق المعارضة العمّالية تقدّماً في استطلاعات الرأي قبل عامين من الانتخابات العامّة. وحلّ هذا التحذير على الصفحات الأولى من الصحف اليومية البريطانية. فقد أشادت "ديلي ميل" ب"حقبة جديدة"، بينما قالت "ذا صن"، "عسى أن تكون القوة معك ريشي"، واضعة سيفاً ضوئياً في يد هذا المشجِّع الكبير لسلسلة "حرب النجوم". استبعد سوناك انتخابات مبكرة يطالب بها حزب "العمّال". ولكن وفقاً لاستطلاع أجرته شركة "إيبسوس" الإثنين، فقد أعرب 62 % من الناخبين عن رغبتهم في إجراء مثل هذه الانتخابات قبل نهاية العام 2022. كذلك، أفاد استطلاع أجراه مركز "يوجوف" بأنّ 38% فقط من البريطانيين راضون عن تبوّء ريشي سوناك رئاسة الحكومة. وسيتعيّن على هذا المؤيّد ل"بريكست" والذي ينظر إليه على أنه براجماتي، تشكيل حكومة بسرعة من أجل منح ضمانات للأسواق وإرضاء المجموعات المكوِّنة لغالبيته، في ظلّ مخاطر مواجهة مصير ليز تراس. كذلك، سيتعيّن عليه شرح نواياه خصوصاً أنه لم يتحدّث عنها خلال الحملة السريعة لرئاسة حزب المحافظين التي بدأت الخميس. وفاز سوناك بدون برنامج أو تصويت من الأعضاء، بعد تخلّي رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عن الترشّح وفشل منافسته بيني موردنت في التأهّل. وخلال الحملة الانتخابية السابقة التي جرت في الصيف، والتي خسر خلالها أمام ليز تراس، شدّد وزير المالية السابق (2020-2022) على ضرورة محاربة التضخّم واصفاً وعود تراس بخفض الضرائب ب"الحكاية الخيالية". وفي ما يتعلّق بالهجرة، أعرب سوناك عن تأييده للبرنامج المثير للجدل والمتمثّل في إرسال المهاجرين الذين وصلوا بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة إلى رواندا. ومع ذلك، تمّ حظر هذا المشروع في المحكمة. والاثنين، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن اختيار ريشي سوناك كأول رئيس وزراء غير أبيض لبريطانيا بأنه إنجاز "رائد". وهنّأ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الاثنين سوناك، مشدّداً على ضرورة إعادة "الاستقرار" إلى المملكة المتحدة. بدوره، هنّأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زعيم حزب المحافظين الجديد، مرحّباً بوجود هذا "الجسر الحي" مع بلاده والذي يشكله هنود المملكة المتحدة، "في الوقت الذي نقوم فيه بتحويل روابطنا التاريخية إلى شراكة حديثة".