ممثل دار نشر «إرنو» بالمملكة المتحدة: «اهتمامها الجلى بمسألة الذاكرة وتفاصيل الحياة يجعلها خليفة للروائى الفرنسى مارسيل بروست» ترشحت لجائزة البوكر وحاصلة على عدة جوائز فرنسية وأوروبية وداعمة للقضية الفلسطينية وحركات المقاطعة فازت الكاتبة الفرنسية آنى إرنو يوم الخميس الماضى بجائزة نوبل فى الأدب لعام 2022 وذلك عن «شجاعتها الأدبية المتمثلة فى الفحص الدقيق للخصائص الفريدة الخاصة بذاكرة الأفراد؛ كالأصالة، والاغتراب داخل أفكارها الخاصة، وحدودها وطبيعة ما يقيدها»، حسبما أفادت لجنة نوبل. وتعد «إرنو» واحدة من أكثر المؤلفين شهرة فى بلادها. كما تُعتبر أول كاتبة فرنسية تفوز بجائزة نوبل منذ الفرنسى باتريك موديانو عام 2014، وهى الكاتبة الفرنسية السادسة عشرة التى تفوز بجائزة نوبل فى الأدب حتى الآن. وقال رئيس لجنة نوبل، أندرس أولسون: إن افتتان «إرنو» بالتباينات الشديدة للحياة فى فرنسا فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة الاجتماعية يبدو جليًا فى أعمالها الأدبية. ووُلدت إرنو عام 1940 ونشأت فى بلدة يفيتوت الصغيرة فى منطقة نورماندى الفرنسية، وصدرت أول رواية لها بعنوان «الخزائن الفارغة Les armoires vides» التى نُشرت عام 1974 فى فرنسا ثم رواية «كليند أوت Cleaned Out» باللغة الإنجليزية عام 1990، ثم كان كتابها الرابع بعنوان «المكان La place» أو «مكان الرجل A Man's Place» بمثابة إنجازها الأدبى. ولقد أضحت كل من روايتيها: «مكان الرجل» و«قصة امرأة» التى نُشرت فى الأصل عام 1988 بالفرنسية من الكلاسيكيات المعاصرة فى فرنسا. وقالت الصحفية فى صحيفة الجارديان، أنكيتا تشاكرابورتى، إن رواية «الضياع Getting Lost» لإرنو هى كتاب جرىء يسجل علاقة الغرام التى جمعتها بدبلوماسى روسى، وأضافت: «سيصبح الكتاب بمثابة رمز للعشاق كدليل لمساعدتهم فى العثور على ذواتهم التى فقدوها فى الحب». وأوضحت «تشاكرابورتى» أن الميزة التى تميز كتابات «إرنو» عن الجنس عن المؤلفين الآخرين فى محيطها الأدبى هى الغياب التام لإحساس العار المرتبط فى الأذهان بممارسته، وقالت: «إن عوالم إرنو مليئة بالأشياء الصادقة والصادمة؛ مثل: الرغبة الجنسية، وأسباب الموت، والسعادة، وحتى الصدمات السابقة فى حياتها؛ مثل تجربة إجهاضها»، وتابعت: «قراءتها هى تطهير لنفسك تمامًا من فكرة أن العار قد يكون نتيجة محتملة للرغبة فى ممارسة الجنس». ونُشرت أعمال «إرنو» لأول مرة باللغة الإنجليزية بواسطة دار نشر «سفن ستوريز برس» فى الولاياتالمتحدة والتى أسسها دان سيمون عام 1995، وقد تم تسمية الدار باسم المؤلفين السبعة الذين نشر لهم «سيمون» فى بداياته لأول مرة وكان من بينهم «إرنو». أما فى المملكة المتحدة، فقد نشر الناشر المستقل Fitzcarraldo Editions ثمانية من كتب «إرنوس، وهناك كتابان آخران فى الطريق حيث سيصدر «العار» العام القادم، بالإضافة إلى أحدث كتاب لإرنو بعنوان «الشاب Le jeune homme». ووصف ممثل دار النشر، جاك تيستارد، «إرنو» بأنها كاتبة نسوية مهمة للغاية، وقال إن كتاب «السنوات»، وهو أول كتاب يقرأه لها، كان «تحفة فنية». وأكد أن «إرنو» التى وصفها ب «الكاتبة الاستثنائية والفريدة من نوعها» تقدم منظورًا ثريًا للأدب لم يتطرق له أحد من قبل؛ حيث تتقاطع أعمالها بين الرواية والسيرة الذاتية والواقعية. وقال «تستارد»: إن المشروع الأدبى لإرنو كان الكتابة عن حياتها الشخصية؛ حيث إنها كتبت عن كل حدث مهم فى حياتها، بدءًا من وعيها عن نشأتها المتواضعة وهى طفلة، وحتى موت والدها ووفاة والدتها، كما تحدثت بكل جرأة عن الإجهاض غير القانونى الذى أجرته فى فرنسا فى الستينيات من القرن الماضى، بالإضافة إلى تجاربها الجنسية الأولى ثم الكتابة عن الحب والعاطفة والرغبة. وكشف «تيستارد» عن أن اهتمام الكاتبة الجلى بمسألة الذاكرة وتفاصيل الحياة يجعلها خليفة بامتياز للروائى الفرنسى مارسيل بروست، كما أنها متأثرة للغاية بالكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دى بوفوار، على الرغم من أن المرأتين لديهما خلفيات اجتماعية مختلفة تمامًا؛ حيث إن «إرنو» تنتمى فى نشأتها لمجتمع الطبقة العاملة مثل عالم الاجتماع الفرنسى والمفكر العام والكاتب بيير بورديو. ودرست «إرنو» الأدب، وكانت متزوجة ولديها طفلان وتدرس فى مدرسة ثانوية فرنسية عندما نُشر كتابها الأول فى عام 1974، وكانت روايتها الجريئة Cleaned Out رواية تحوى تجربة حقيقية عن الإجهاض غير القانونى الذى أجرته فى عام 1964 والذى أخفته عن أسرتها. وقد تجلى صندوق ذكرياتها فى كتابها الذى حمل عنوان «الحدوث Happening»؛ حيث تحدثت «إرنو» عن ماضيها بشتى محطاته بكل أريحية، وقد تم تحويله إلى فيلم فاز بالجائزة الأولى فى مهرجان البندقية السينمائى العام الماضى. وانفصلت الكاتبة عن زوجها فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى، وفى عام 2000 تقاعدت من التدريس لتكرس نفسها للكتابة، وفى مقال صحفى تم نشره عام 2020 بصحيفة The New Yorker ذكرت الصحيفة أن «إرنو» كرّست نفسها لمهمة واحدة؛ ألا وهى التنقيب عن حياتها الخاصة وذلك على مدار سيرتها الأدبية التى تخطت ال 20 كتابا. وعن دعمها للمرأة فى كتاباتها، قالت «إرنو» فى أعقاب فوزها بالجائزة إن الأدب لا يمكن أن يكون له «تأثير فورى» على تغيير المجتمعات، لكنها مع ذلك شعرت بضرورة استمرار النضال من أجل حقوق «النساء والمضطهدات»، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية. وهنأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون «إرنو» بفوزها بجائزة نوبل للأدب واصفًا أدبها بأنه «صوت حرية المرأة المتغاضى عنه فى كثير من الأحيان». وقد فاز كتابها «السنوات The Years» بجائزة «بريكس رينو» الأدبية فى فرنسا عام 2008، وبجائزة «بريميو ستريجا» فى إيطاليا عام 2016، وبعدها بعام فازت بجائزة «مارجرت يورسينار» الأدبية الفرنسية عن مجمل أعمالها. وقد تم إدراج كتاب «السنوات» عام 2019 فى القائمة المختصرة لجائزة «المان بوكر» الدولية والتى وصفتها لجنة التحكيم آنذاك بأنها «تحفة فنية تلمس الروح كالموسيقى». وقالت لجنة البوكر فى ذلك الوقت إن «طابع السيرة الذاتية للرواية يعطى شكلا جديدًا للأدب حيث إن المحتوى شخصى وعام فى نفس ذات اللحظة». وعن دعمها للقضية الفلسطينية، أعربت «إرنو» عن دعمها لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات التى يقودها الفلسطينيون، كما دعت إلى مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية التى أقيمت فى إسرائيل عام 2019 احتجاجًا على ممارسات العنف ضد الفلسطينيين. ووقعت «إرنو» بالإضافة إلى 100 فنان آخر فى فرنسا فى نفس العام على عريضة تدعو فيها وسائل الإعلام الفرنسية إلى عدم تبرير قيام النظام الإسرائيلى وقبول ممارسات العنف التى ينتهجها مع أفراد الشعب الفلسطينى، كما طالبت بعدم دعم مساعى حكومة تل أبيب فى محاولتها «لغسل أيديها» من دماء الفلسطينيين الذين تمارس معهم شتى الأفعال غير القانونية. جدير بالذكر أن قيمة جائزة نوبل فى الأدب بلغت هذا العام 10 ملايين كرونة سويدية (840 ألف جنيه إسترلينى)، وقد أوصى صاحب الجائزة ألفريد نوبل بأن تذهب الجائزة إلى «الشخص الذى أنتج فى مجال الأدب العمل الأكثر تميزًا فى الاتجاه المثالى».